Sunday, August 22, 2010

الرياضة الفلسطينية بين الأصالة والعولمة


 

عصام الخالدي

 

     ليس الغرض من هذا المقال الحديث عن العولمة ، فهناك الكثير مما قيل وكتب عن هذه الظاهرة وأبعادها  إن ما أهدف إليه من خلال هذا المقال تعريف القارئ على علاقة الرياضة الفلسطينية بالعولمة ، وتأثير الثانية على مجريات الرياضة الفلسطينية وآفاق هذه التأثيرات .


تعددت تعريفات العولمة بين المفكرين . وليس هناك تعريف واحد لها ، يعرف البعض العولمة بأنها حرية انتقال المعلومات ورؤوس الأموال والتكنولوجيا والثقافة والبشر أنفسهم بين جميع المجتمعات الإنسانية.[1]ويرى الكثيرون بأن العولمة هي شكل آخر للرأسمالية أو مخرج من مخرجات النظام الرأسمالي ، وتعتبر ظاهرة معقدة طوقت العالم كله ، فهي ذات أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية وحضارية وثقافية وتقنية (تكنولوجية) وبيئية ، شملت مرافق الحياة كلها .[2]

إن موضوع العولمة مثير للنقاش دائما ، فالمؤيدون يجادلون أنها تسمح للدول الفقيرة ومواطنيها أن يتطورا اقتصاديا وأن يرفعوا مستوى معيشتهم ، في حين يدعي المعارضون للعولمة أن إنشاء السوق الحرة الدولي غير المقيدة أفاد الشركات المتعددة الجنسيات في العالم الغربي على حساب الشركات المحلية والثقافة المحلية وعامة الناس. ولذلك فقد اتخذت مقاومة العولمة سواء على مستوى شعبي أو على مستوى حكومي في الوقت الذي يحاول به الناس والحكومات أن يديروا تدفق المال والعمالة والبضائع والأفكار التي تشكل الموجة الحالية للعولمة . [3]

  وليس من الغريب أن نرىروبرت شتراوس يشير في كتابه (توازن الغد)"إن المهمة الأساسية لأمريكا تتمثل في توحيد الكرة الأرضية تحت قيادتها، واستمرار هيمنة الثقافة الغربية، وهذه المهمة لا بد من إنجازها بسرعة في مواجهة آسيا، وأي قوى أخرى لا تنتمي للحضارة الغربية. إن مهمة الشعب الأمريكي القضاء على الدول القومية."[4] كما ويؤكد لنا ذلك فرانسوا بايروا ، وزير التربية والتعليم الفرنسي عندما قال "إن هدف العولمة هو تدمير الهويات القومية والثقافة القومية للشعوب."

 

وعند الاطلاع على ظاهرة العولمة بشكل عام وآثارها على شعوب العالم الثالث تطرح عدة تساؤلات بما يتعلق بعلاقة الرياضة بالعولمة : هل اصبحت الرياضة جزء من عمليات العولمة ؟ هل يشهد العالم تحديث للرياضة ؟ هل نرى بأن الرياضة انتشرت في العالم بأناس من بعض الدول يقلدون الرياضة التي تلعب في دول اخرى ؟ أم ان الرياضة اصبحت تستخدم  بالعلاقة مع أشكال جديدة من الثقافة الامبريالية والاستعمارية؟

    من الثابت أن الرياضة كما يشير جيي اوكلي (ص. 402-403)اصبحت تقوم على اسس تجارية ، واصبحت الحدود بين الدول ليس لها قيمة ، لذلك اصبح الرياضي هو عامل مهاجر، فهو يذهب أين هو يلعب ، وهو موجود في المكان الذي يعطيه مال أكثر . إن هذه الهجرة العالمية للرياضيين أبرزت مشكلة سياسية جديدة بالعلاقة مع الرياضة ، بالإضافة إلى مشكلة ثانية لها علاقة مع انتاج السلع الرياضية.[5]

   إن الحقيقة المزعجة هو أنه بالرغم من وجود الكثير من الايجابيات الملازمة لحركة العولمة في الرياضة ، إلا أن البعض يعارضون بأن عولمة الرياضة تم تحقيقها على حساب الأفراد والمنظمات والبلدان التي لها مصادر محدودة ، فبقدر كبير فإن عولمة الرياضة تحققت على ظهر الفقراء. [6] وكما يشير ويرثايم (2005 ، ص. 79) مع كل ايجابيات العولمة إلا أنها لا تخلو من العيوب التي من ضمنها توسيع الفجوة بين المجتمعات الغنية والفقيرة وتوسيع المعايير البيئية وزيادة الاعتماد على المصادر الخارجية. وبكلمات اخرى فإن العولمة هي مثل الرياضة : لكل فائز هناك أيضا بالتأكيد خاسر .[7]

   والرياضة الفلسطينية ليست بمعزل عن العولمة فهي كجزء لا يتجزأ من الثقافة العامة للمجتمع لها ابعادها الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية . ومن المعروف أن الحركة الرياضية الفلسطينية منذ عشرينيات القرن الماضي تميزت بأصالتهاالتي اكتسبتها على مر العقود ، فقد كانت الأندية قلاعا للعمل الاجتماعي والرياضي والثقافي والنضالي ، اعتمدت اعتماداً كاملا على النشاط الطوعي وتفاني الأعضاء ، كما وغلب على الكثير منها الطابع الحزبي والفصائلي مثل الأندية الفلسطينية في مخيمات لبنان والضفة وقطاع غزة.

 

نحن لسنا ضد التطور الرياضي ومواكبة الرياضة الدولية ، ولا أحد يرفض أن تكون فلسطين جزء من الفيفا أو الحركة الأولمبية الدولية أو الاتحادات الرياضية الدولية . ولربما أننا جميعا نشعر بالفخر عندما نرى فلسطين تحقق نجاحات على صعيد دولي ، فالانخراط في المجتمع الدولي هو مطلب أساسي لا نستطيع الاستغناء عنه ، رغم أن الفيفا مثلا فرضت على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بعض المطالب التي بحد ذاتها تعتبر مظهراً من مظاهر العولمة (من ابرزها الاحتراف)، وهذا ما لا نستطيع أن نغض النظر عنه ، وبالرغم من انتقال اللاعبين المحترفين بين الأندية إلا أن الطبيعة الاجتماعية للأندية بقيت على ما هي ، فهي لم تصل إلى المستوى الذي وصلت إليه الأندية الأوروبية والأمريكية أي ملكية هذه الأندية من قبل فرد  - من قومية أخرى - أو أفراد معينين هدفهم شراء لاعبين من مناطق أو دول اخرى من اجل تحقيق الربح.وبالتأكيد لا تشكل مطالب الفيفا خطرا على الرياضة الفلسطينية ، ولا تنقص من قدرها وأصالتها ، والجيد أن الفريق الفدائي ما زال محافظاً على هويته الوطنية ، كما ومن الواضح أن الرياضة في وقتنا الحاضر أصبحت تستغل استغلالاً جيدا من أجل إبراز وإثبات هوية شعبنا.

إن أكبر خطر على الرياضة الفلسطينية من جراء العولمة هو "تباعد" شعبنا في الشتات . إن التركيز على الضفة كمركز لجميع النشاطات [سواء السياسية أو الثقافية أو الرياضية] أدى إلى ضعف منظمة التحرير الفلسطينية .[8] فقد شعر اللاجئون الفلسطينيون خاصة هؤلاء الذين نزحوا في عام 1948 أنهم مهمشون على اصعدة كثيرة بما فيها الرياضية فمنظمة التحرير الفلسطيني التي كانت تمثل مصالحهم الرياضية في السابق اصبحت بديلتها السلطة لا تمثل هذه المصالح.وفي مجمل الحديث وبغض النظر عن النجاحات التي حققتها الرياضة الفلسطينية على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي إلا أنها تحولت من وسيلة "ثورية" تسعى لتحقيق الأهداف الوطنية إلى مؤسسة يعتمد بقاؤها على شرعيتها في أعين المجتمع الدولي اكثر من على شعبيتها بين الشعب الفلسطيني . [9]

    ومن أجل التصدي لمخاطر العولمةوالاحتفاظ بالثقافة الوطنية علينا الحفاظ على التوازن بين الأصالة من جهة والانخراط مع متطلبات العولمة . وهذا ليس سهلاً تحقيقه ، لأن عدم فقدان الرياضة الفلسطينية لجوهرها الذي ميزها عن غيرها على مر العقود ، واعطائها صفة خاصة بهاهو بحد ذاته مهمة وطنية.ويقترح بعض الباحثين  ضرورة البدء بالعمل على تطور العقل الفلسطيني الجمعي ، وهو الوحيد القادر على مواجهة آثار العولمة ثقافية كانت أم سياسية . وهذا لا يعني الانغلاق وإنما المحافظة على الخصوصية ضمن الانفتاح على الثقافات العالمية.[10]  ومن الخطأ أن نستمر بالنظر إلى العولمة على أنها "وحش" يترصد بنا ليلتهمنا . علينا فهم اسبابها وابعادها على الصعيد العربي والعالمي وعلى واقعنا الفلسطيني المميز ، كماوعلينا أن لا نشمل كل ما يحاك ضدنا ضمن مؤامرات العولمة ، ومن الخطأ الخلط بين الحداثة والعولمة ، مع العلم أن الكثير من مظاهر الحداثة تدخل ضمن العولمة.

    ما دمنا نربي ابناءنا على حب الوطن والثقافة والتراث ، ونغني ثقتهم التامة بكل ما نملك من قيم مادية ومعنوية ، ونعمل على تلاحم شعبنا ووحدته وتصديه للاحتلال فإنه من السهل علينا التصدي لمخاطر العولمة . أيضا فإن وضع الرياضة على أسس تنظيمية - ادارية وديمقراطية صحيحة وجعل دور اكبر للمرأة فيها سوف يساعد في تعزيز الرياضة لتصبح أقوى مما هي عليه في التصدي لمخاطر العولمة . وفي آن واحد علينا تربية ابنائنا على احترام الثقافات الأخرى وتوعيتهم بأن كل الثقافات تكمل بعضها البعض ،وعلى أخذ كل ما يغنينا ويغني ثقافتنا (من الثقافات الأخرى) ويجعلنا جزء من المجتمعات المتحضرة ، ولقد أثبت لنا التاريخ بأن كل الحضارات لم تقم إلا من خلال الاختلاط والاستفادة من ثقافات المجتمعات الأخرى . وعلينا أن لا نكرر ما يفعله الغرب على أن ثقافتنا هي الأفضل أو التقوقع والعزلة الثقافية والعيش في فقاعة هواء على كوكب آخر.

 

الملاحظات والمصادر:



[1]https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=535413633159176&id=191203867580156

[2] ديانا أيمن حاج احمد ، أثر العولمة الثقافية على مواطني الضفة الغربية ، اطروحة ماجستر ، 2012

https://scholar.najah.edu/sites/default/files/all-thesis/dyn_ymn_rshd_hj_hmd.pdf

[3]http://www.globalization101.org/what-is-globalization/

[4] عابدين الشريف ، لهذه الاسباب العولمة تعني الأمركة ،

http://aljamahiria.algaddafi.org/aljamahiria-----for-these-reasons-globalization-means-americanization

 

[5]Jay Coakley, Sport in Society, Issues and Controversies, (University of Colorado: Colorado Springs, 201) 7th ed., p. 403

[6] Lucie Thibault, Globalization of Sport: An Inconvenient Truth, Journal of Sport Management, 2009, 23, 1-20.

[7] Wertheim, L.J. The Whole World is Watching. Sports Illustrated, 100 (24), 72 - 86.

[8]Mazen Masri, The PLO and the Crises of Representation, October 15 2010, http://muftah.org/the-plo-and-the-crisis-of-representation-by-mazen-masri/#.VsH_u8_SnIU

[9]Mazen Masri, The PLO and the Crises of Representation.

[10]ديانا أيمن حاج احمد ، مصدر سابق .    

No comments:

Post a Comment