عصام الخالدي
بعد
النكبة ضاعت الكثير من الوثائق وتبعثرت وتشتت اللاعبون واداريو الأندية ، وكان جمع
المعلومات والوثائق ضمن اهتمامي بتاريخ الرياضة الفلسطينية التي تساعدني في تدوين
تاريخ الحركة الرياضية الفلسطينية. وكان المرحوم عبد الرحمن الهباب بين الشخصيات
الرياضية – من مدينة يافا - التي كنت أسعى لإيجاد معلومات عنها، وقد دعاني الأمر
الاتصال بأقاربه في مدينة عمان الذين أبلغوني أنه انتقل إلى رحمته تعالي في عام
1995 ولكنه ترك بعض الوثائق في جمعية يافا للتنمية التعاونية في عمان - الأردن.
وما كان إلا أن اتصلت بهذه الجمعية وطلبت من الأستاذ اسحق الحمامي تزويدي بمعلومات عن هذا الاستاذ الفاضل ، وما كان منه إلا أن أرسل لي نصوص من مجلة "الفلوكة" التي تصدرها هذه الجمعية والتي تتضمن لقاءات له
مع عبد الرحمن الهباب ومع لاعب الكرة الفلسطيني إيلاريون الصايغ. ولا يسعني إلا أن أقدم شكري وامتناني للاستاذ اسحق الحمامي لإرساله هذه الصفحات من مجلة "الفلوكة".
وهذا نص اللقاء الذي أجرته هذه المجلة في عام 1996 مع لاعب الكرة في النادي
الأرثوذكسي في يافا إيلاريون الصايغ.
س: النادي الأرثوذكسي في يافا نادٍ كبير ، فهل كان انتسابك إليه بمبادرة
منك أم أشار عليك بذلك آخرون؟
ج: كان في يافا دوري بكرة القدم بين مدارس المعارف والتقت مدرستي مع مدرسة
من الرملة على ملعب البرية بيافا، وفزنا 7/ صفر سجلت وحدي 6 إصابات بينما سجل عبد الرزاق
أبو لبن (لا أعرف عنه شيئا الآن) إصابة واحدة. المرحوم عبد الرحمن الهباب كان
مدرسا في مدرسة الرملة ومسؤول الرياضة فيها صرخ موجها كلامة لي : كفاية إرحم يا
إيلاريون ! بعد لعبتنا مع الرملة لعب الأرثوذكسي ضد فريق انكليزي. بعض لاعبي
الأرثوذكسي أثنو علي وبشروني بمستقبل كبير أذكر منهم منير دلل، أسبيرو قديس ، خليل
متري، إلياس قندلفت ، جبران شامي ، وكان معهم شاب اسمه ميخائيل وهاب (له اخوة كان
لهم أسهم في باصات العجمي) وهم جبران ، بطرس وهاب.[1]
قال لاعبو الأرثوذكسي لميخائيل وهاب: اعمل لهذا الشاب رجلين من ذهب ورافقه
للنادي ليتفرج على الألعاب: رفع الحديد ، البلياردو ، تنس الطاولة ، ملاكمة ..
وكانت العقبة أمام انضمامي للنادي الأرثوذكسي [تأسس عام 1924] هي رغبة والدي رحمه
الله في أن أكمل تعليمي في الجامعة الأمريكية في بيروت . وتم التغلب على هذه
العقبة بنجاح بعض أعضاء النادي في توظيفي (كاتب جمرك) بميناء يافا ، وهكذا لم أغادر
يافا وبقيت لألعب مع الفريق .
س: ماذا عن فرق الأندية الأخرى بالنسبة لمنافسة ناديكم لها؟
ج: لعبنا ضد جميع فرق فلسطين: فريق غزة الرياضي وكان رئيسه المرحوم رشاد
الشوا وفريق شباب بئر السبع وفريق شباب العرب حيفا (كان اسمه نادي السالزيان) وكان
يعتبر من أقوى فرق فلسطين ، وفريق النادي الرياضي الإسلامي في حيفا وفريق النادي
الرياضي الإسلامي في يافا [تأسس عام 1926] ، فريق النادي الأرثوذكسي القدس ، فريق
نادي الدجاني القدس ، فريق النادي القروي القدس. كما لعبنا ضد فريق شرطة الجيش
السوري ، ولم نلعب مع الفرق اليهودية وكان لديهم 3 فرق قوية هي ميكابي [مكابي]
وهابوعيل ، وبيتار. مع العلم أن فريق نادي فاروق (نادي الزمالك) المصري لعب ضد
ميكابي وخرج الفريقان متعادلين.
س: تعرف أن حوادث الشغب في الملاعب هذه الأيام كثيرة في جميع انحاء العالم
فهل حدث في يافا مثل ذلك؟
ج: ليس بالشكل الذي يحدث في هذه الأيام ونراه في التلفزيون. مثلا: كان
بالاتحاد الرياضي الفلسطيني دورة في كرة القدم تسمى "الدورة التنسيقية"
أي الفريق المغلوب يخرج والغالب يستمر. قضت القرعة أن نقابل فريق شباب العرب /
حيفا على ملعب الأرثوذكسي في يافا. كان شباب العرب معتزا بقوة فريقه و (حاطتنا
بجيبو الصغيرة) وكان حكم المباراة المرحوم إبراهيم نسيبة من القدس احتسب ضربة جزاء
ضدنا ولم يتمكن جبرا الزرقا (لاعب شرطة الجيش السوري بعد الهجرة) من تسجيل هدف.
لاعبنا ميشيل بطشون كاد أن يسجل هدفا بعد أن تخلص من دفاع شباب العرب لكن المدافع
نديم شربين (كان يربط على جبينه ويسمونه تايجر) تابعه ورماه أرضا وقف ميشيل واضعا
يده على صدره وقال : ليش هيك يا نديم. أجابه نديم: مش عاجبك؟ ولطشو كفين. بعدها
هجم المتفرجون وصارت (طوشة) وكاد يصير (قاتل ومقتول) ! لأن بعض الشباب كانوا
مسلحين. [2]
س: وكيف كان نهاية هذا الحدث؟
ج: تدخل المرحوم اسبيرو قديس رأسا وطلب مني أن أجمع الفريق وانسحب بعد أن
نقول 3 مرحات لفريق شباب العرب واختير ملعب في طولكرم. لكن لم تتم المباراة للظروف
السياسية ! [3]
س: لماذا طلب منك اسبيرو قديس منك القيام بذلك؟
ج: لأني أنا رئيس الفريق وبالمناسبة فأنا منذ أوائل الأربعينات وحتى الهجرة 1948 كنت رئيس الفريق عن طريق الانتخاب وكان نائب رئيس الفريق حارس المرمى فرنك
بولز.
س: هل كانت لك علاقة صادقة متميزة مع لاعبين من فرق أخرى؟
ج: علاقتي كانت مع لاعبي إسلامي يافا جيدة جدا فقد كنا زملاء في الدراسة،
أذكر منهم: عبد الغني الهباب ، صلاح حاج مير، حمودة قابوق، فوزي الشنطي ، فخري
قرانوح [قرة نوح] ، زكي الدرهلي ، احمد سمارة ، مصطفى دعدع ، إسماعيل نجار . أذكر
كذلك عدنان أبو جعفر من الرملة (لاعب النادي الأهلي الأردني ثم النادي الفيصلي بعد
الهجرة) حيث لعبنا سويا ضمن منتخب يافا ضد فريق إنجليزي.
س: كيف كانت تشكيلة منتخب يافا في تلك الفترة؟
ج: من الرياضي الإسلامي : عبد الغني الهباب – صالح حاج مير – حمودة قابوق –
مصطفى الدعدع – كمال قمبرجي – فخري قرانوح.
من الأرثوذكسي: سليم أبو خضر – ميشيل بطشون – ميشيل كيال – إيلاريون
الصايغ.
من الرملة : عدنان أبو جعفر ، والحكم اسبيرو قديس.
س: قال لنا العديدون من اليافاويين انك كنت مشهورا في عالم الرياضة
اليافاوية فهل حدث لك مع هذه الشهرة موقف ما زلت تذكره؟
ج: لي أخ اسمه فرنسيس (أبو وديع). كنت وعدته أن أتولى أخذ ابنه وديع إلى
الحلاقة لقص شعره أول قصة في حياة. ذهبت إلى صالون حلاقة في شارع جمال باشا ، وأنا
راجع إلى البيت راكب موتور سيكل حجم كبير 5،5 حصان ماركة ردج وإبن أخي وديع أمامي
على تانك البنزين بطلوع المستشفى الافرنسي وإذا ضابط مرور إنكليزي يوقفني ويريد
مخالفتي وقال لي هذا لصالحك لأنه إذا صار معك أي حادث يتأذى الولد، بعد أخذ ورد
فاجأني وقال لي بالإنجليزية هل أنت الكابتن: لأنه كان كل يوم أحد يشاهد مبارياتنا.
أجبته نعم، نصحني أن لا أعيد هذه العملية ولم يخالفني. بعد الهجرة تفرق لاعبو
فلسطين فمنهم من ذهب إلى مصر (مصطفى وإبراهيم الدعدع) ومنهم من ذهب إلى سوريا
(جبرا الزرقا ، ميشيل طويل، إسماعيل نجار ، جورج كوريان) ومنهم من جاء إلى الأردن
(حمودة قابوق ، أحمد سمارة ، ميشيل بطشون، سليم أبو خضر ، إيلاريون الصايغ ، كمال
القمبرجي).
مازن عجلوني كابتن الأردن رحب بنا وطلب مني الاشتراك بالنادي وترشيح نفسي
لعضوية الهيئة الإدارية أجبته من يعرفني بالنادي وقال ما عليك فقط أنت رشح نفسك
وسوف ترى النتيجة، رشحت نفسي ونجحت وكنت في الترتيب بعد سكرتير النادي المرحوم
وصفي إبراهيم . وكان يشرف على الانتخابات المرحوم الوزير حمد الفرحان الذي أوقف
عملية الترشيح بعد سماع اسمي وقال من هذا الشاب إيلاريون وسألني عن اسمي وأجبته إنه
اسم قديس. عند الولادة كان عيد القديس إيلاريون قال القس لوالدي سميه إيلاريون
يكون من طويلي الأعمار (ربما تتذكرون
المطران إيلاريون كبوشي) الذي كان يساعد الفدائيين بكل ما يلزمهم.
كان بعض أعضاء الهيئة الإدارية من الفلسطينيين أذكر منهم جميل متى ، أنطون
حنوش ، وكان السيد صبحي جبري عضوا عاملا.
[1] عبد الرحمن الهباب: من الشخصيات المهمة في تاريخ الرياضة
الفلسطينية ، في مدينة يافا ولد عام 1908 ، وكان من مؤسسي النادي الرياضي الإسلامي
في يافا الذي تأسس عام 1926 ، كما كان أيضا لاعبا فيه. ساهم في إعادة تأسيس
الاتحاد الرياضي الفلسطيني وكان سكرتيرا له منذ عام 1944 حتى نهاية عام 1952. وكان
أيضا من مؤسسي منظمة النجادة الشبه عسكرية. ترأس في الخمسينيات الاتحاد الأردني لكرة
القدم بالإضافة إلى اللجنة الأولمبية الأردنية. شارك في المحاولتين الاولتين
(1945، 1952) لانضمام فلسطين العربية للاتحاد الدولي لكرة القدم.
[2] إبراهيم نسيبة من مؤسسي النادي الرياضي العربي
في القدس في عام 1928 ، كان رياضيا واستاذا وحكما ، بعد النكبة غادر إلى الأردن
وعمل هناك استاذا ومفتشا للتربية الرياضية
.
نادي شباب العرب: تأسس عام 1934 من قبل مجموعة من الشباب الذين كانوا
أعضاء سابقين في نادي الساليزيان في حيفا.
[3] اسبيرو قديس من نشطاء الحركة الرياضية كان حكما
وعضوا في جمعية الشبان المسيحية في القدس التي أرسلته في بعثة لدراسة تحكيم كرة
القدم قبل عدة شهور من اشتعال الحرب في عام 1948.
No comments:
Post a Comment