عصام الخالدي
كلما أزحنا الغبار عن الحقبة الزمنية قبل عام
النكبة 1948 لوجدنا كنوزا ثقافية ومعنوية دفنت بعامل الدمار والتشرد ، فجزء منها
تناثر وجزء حبس في الأرشيفات الإسرائيلية حيث أصبح صعب المنال ، وهذا ليس غريبا في
زمن بنيت فيه الساحات والملاعب على مقابر أجدادنا. كان النشاط الرياضي العربي يشكل جزء من هذه
الكنوز تمثل بالحركة الرياضية الفلسطينية وتصديها للهيمنة الصهيونية من خلال نشاط
الأندية والتفافها حول الاتحاد الرياضي الفلسطيني ، وقد واكبت الصحافة الرياضية
الحركة الرياضية وسارت إلى جانبها ، تعكس النجاحات والمواجهات وتتصدى وتفضح
الهيمنة والأخطار الصهيونية. لقد بلغ عدد الأندية العربية في فلسطين قبل عام
النكبة حوالي خمسة وستون ناديا (في المدن والقرى الكبيرة) كان منها حوالي خمسة
وخمسون مسجلا في الاتحاد ، وهذا ليس بالرقم القليل مقارنة مع ما تدعيه المصادر الإسرائيلية
اليوم موحية للعالم أن اليهود وحدهم هم الذين كانوا يمارسون النشاط الرياضي وكأن
فلسطين كانت خالية من قوم اسمهم عرب.
يعتبر
تأسيس صحيفة (فلسطين) حجراً أساسيا للصحافة الرياضية في فلسطين ، فبعد ظهورها عام
1911 ، بدأت بعض الأخبار الرياضية تبرز فبرغم قصرها وندرتها إلا أنها كانت تعكس الطابع
العام للصحيفة وهو المد والخطر الصهيوني . في هذه المقالة يشرح كاتبها طبيعة (الاستعراض الصهيوني الكبير) (ومن المعلوم أن المنظمات
الصهيونية كانت قد بدأت الاستعراضات العسكرية منذ عام 1908 – مع زيادة الهجرة الصهيونية،
وتأسيس العديد من الأندية الرياضية في المستعمرات) ".... وأمام هذا المعرض
خصصت ساحة كبيرة للألعاب الرياضية .... سار موكب الاحتفال، طاف في شوارع المستعمرة
ووقف هناك فألقى الرئيس على الجمع خطابا طويلا بالعبرانية فهمت من شدة مقاطعته
بالتصفيق أن الاستحسان له كان كبيرا..... ثم وقفت الجماهير في ساحة الألعاب فقام
عدة خطباء تكلموا بحماس وقوبلوا بتصفيق الاستحسان. وبعد ذلك ابتدأ اللعب فكان يخيل
لي أن هنالك جيشا منظما أحسن تنظيم ومدربا أحسن تدريب لما في حركاتهم من الفنون
العسكرية .... ثم باشروا الألعاب الرياضية ورفع الأثقال ثم سباق الخيل وأكثرهم
بالملابس البدوية فكنت تحسبهم من فرسان العرب".[1]
تعود جذور الحركة الرياضة في فلسطين إلى
نهاية القرن التاسع عشر عندما بدأت بعض الإرساليات الأجنبية بتأسيس مدارس لها في فلسطين،
ففي عام 1908 شكلت مدرسة المطران في القدس أول فريق كرة قدم على مستوى رسمي ، وفي
عام 1909 تغلب هذا الفريق على فريق الجامعة الأمريكية في بيروت (الذي كان يعتبر من
أقوى الفرق في المنطقة) في عقر داره.
في
العقد الثاني من القرن العشرين تسارع الاهتمام بكرة القدم وفي إحدى المقالات في
صحيفة )فلسطين(
في 13-4-1912 تشير الصحيفة إلى إحدى المباريات في كرة القدم "ابتدأ الرهان
على لعبة "الفوت بول" الذي حضر لأجله شبان المدرسة الكلية في بيروت مع
بعض أساتذتهم فنصب في الملعب صالون كبير وعند الساعة الرابعة إفرنجية نزل إلى
الملعب شبان الكلية وشبان الاسرائليين والبعض من مدرسة الشباب القدسية فكان الفوز
لشبان الكلية وفي يوم الثلاثاء كذلك ، أما يوم الأربعاء فكانت المقابلة مع تلامذة
مدرسة المطران...".
كانت معظم الأخبار الرياضية في تلك الفترة
تدور حول تأسيس الأندية ونشاطاتها، ولم تكن تنشر بشكل يومي ويعود ذلك لصغر حجم
النشاطات الرياضية وقلة عدد الأندية. أما في العقد الثاني فكان هناك تطور ملحوظ
على نمو النشاطات الرياضية ونشوء العديد من الأندية والتي كان نشوؤها مواتيا لنشوء
المنظمات والجمعيات الخيرية في فلسطين في تلك الفترة التي تلت وعد بلفور وزيادة
الهجرة والخطر الصهيوني .
في العشرينات اخذ النشاط الرياضي في النمو وأصبحت
الرياضة تشكل جزء من الوعي الاجتماعي لدى فئات مختلفة من السكان وعنصرا مكونا من
عناصر الثقافة الفلسطينية ، لذا فإن ظهور بعض الأندية كان يعود لأهداف رياضية ومن
ثم اجتماعية وثقافية، حيث كان نشاطها الرياضي يشكل الجزء الأكبر بين بقية النشاطات
(مثل النادي الرياضي الإسلامي في يافا والنادي الرياضي العربي في القدس). كما كان
هناك العديد من الأندية التي نشأت كأندية اجتماعية وفيما بعد تحولت إلى رياضية
(كالنادي الدجاني في القدس).[2]
كانت جريدة (فلسطين) مدافع حق عن حقوق الطائفة
الأرثوذكسية التي هبت تطالب الحكومة التركية عام 1908 برفع نير الظلم عن أعناقها واسترجاع حقوقها التي
اغتصبها الرهبان الغرباء . في عام 1923 عادت المشكلة الأرثوذكسية إلى الظهور وقد
دعا الوطنيون إلى عقد مؤتمر أرثوذكسي من أجل تعريب الكنيسة ونيل الطائفة لحقوقها القانونية،
وقد دعا هذا المؤتمر إلى إنشاء الأندية والجمعيات في معظم المدن العربية في
فلسطين.[3] كان هذا حافزا للحركة الرياضية في فلسطين حيث
تم تأسيس أول ناد رياضي أرثوذكسي في الثغر قرب يافا في عام 1924 وأصبح من اقوي
الفرق الرياضية هناك. وفي عام 1926 تأسس النادي الارثودكسي في القدس، وفي 1927 في
عكا واللد. وقد تابعت جريدة "فلسطين" دائما أخبار الأندية الأرثودكسية
في العشرينات حرصا منها ومن محررها عيسى العيسى على التوجه الوطني لهذه الحركة.[*]
بعد وعد بلفور وبداية الانتداب البريطاني عملت
الصهيونية على توسيع رقعة نشاطاتها الرياضية في فلسطين من خلال تأسيس الأندية )المكابي ، الهابوعيل ، البيتار) في المدن والمستعمرات
، ونقل العديد من الأندية من أوروبا إلى فلسطين . عملت هذه الاندية على التنسيق مع
مثيلاتها في الاقطار الاوروبية والعربية، ونسقت لزيارة الأندية الاوروبية الصهيونية إلى فلسطين .[4]
بدأ النزاع العربي الصهيوني في المجال الرياضي يبرز في العشرينات وقد انعكس
هذا من خلال العديد من المقالات في صحيفة "فلسطين" وكان اهمها
الانتقادات المستمرة حول رفع الاعلام الصهيونية اثناء المباريات والتي كانت ترفع
بجانبها الاعلام البريطانية رمزا لهذا التعاون
الوثيق بين الصهيونية والانتداب البريطاني . كانت سلطات الانتداب تغض النظر عن
التظاهرات ورفع الاعلام الصهيونية وفي ذات الحين كانت ترى في إنشاء الأندية الاجتماعية العربية
الرياضية في فلسطين خطرا على وجودها وسياستها هناك. فنقلا عن صحيفة "بالستين ويكلي"
الصهيونية تشير صحيفة "فلسطين" في 12 نيسان 1921 إلى أنه "كان قد
احتفل بتدشين النادي الرياضي في القدس وان المستر ستورس محافظ القدس اصر على وجوب
اشتراك الجميع فيه بقطع النظر عن الدين والمذهب وذيلت على ذلك بقولها ان النوادي
الرياضية المذهبية كانت في مصر عاملا من عوامل الاضطرابات فلا يجب ان يرتكب مثل
هذا الخطأ في فلسطين". كان نشوء الأندية كمؤسسات اجتماعية يشكل خطراعلى سلطات
الانتداب لأنها كانت تعي جيدا أن هذه الأندية هي مراكز لتجمعات الشباب بإستطاعتهم
من خلالها التعبير عن مشاعرهم تجاه سياسة الانتداب والخطر الصهيوني. وقد عكست صحيفة
"فلسطين" هذا الطابع الوطني للأندية من خلال لقاءاتها وتباريها وزيارة
الوجوه الوطنية لها ونشاطاتها الثقافية والادبية والاجتماعية .
في عام 1928 تم تشكيل ما سمي بجمعية فلسطين
لكرة القدم من قبل اليهود والفرق العسكرية البريطانية والعرب. لكن الصهاينة لم
يلتزموا بالقوانين الداخلية لهذه الجمعية فبتعاونهم مع البريطانيين حاولوا الهيمنة
على هذه الجمعية وإعطاءها الطابع الصهيوني سواء بجعل أنفسهم غالبية فيها أو بإدخال
اللغة العبرية والعلم العبري في شعارات هذه الجمعية. وقد حاول اليهود استقطاب
الأندية والفرق العربية من كل سوريا ومصر للتباري معها ودعوتها إلى فلسطين.
لإيهامها أن الذي يمارس النشاط الرياضي في فلسطين هم اليهود وأن الذين يمثلون
فلسطين هم اليهود ايضا متنكرين لوجود الشعب الفلسطيني على هذه الأرض.
في احدى المقالات في عام 1931 وبإهتمام فائق
تشير )فلسطين(
إلى النوايا الخبيثة لما سمي ب "الاتحاد الرياضي الفلسطيني"[†]
(جمعية فلسطين لكرة القدم) الذي حاول تمثيل فلسطين على الساحة المحلية " بدأ
توافد جمهور المتفرجين إلى ملعب الهشموناي (القدس) .... وعندما قرب موعد اللعب برز
إلى الميدان منتخب الجامعة المصرية وما يسمونه فريق الاتحاد الفلسطيني وهو خليط من
الجند والشبان اليهود. فتبادل الفريقان التحية..... وقد وقف بينهم حاكم القدس
وقنصل مصر وقد تغلب فريق الاتحاد على " المنتخب الفلسطيني.... أما الأعلام
التي رفعت على جانب الملعب فكان العلم المصري بين العلمين البريطاني
والصهيوني..... وكان يحيط بالملعب عدد كبير من الجند البريطاني والبوليس
الفلسطيني...".[5]
في كانون ثاني عام 1931 نشرت صحيفة )فلسطين( خبراً تشرح فيه ان هناك في فلسطين فرقا عربية ذات كفاءة تؤهلها للتنافس
مع الفرق المصرية حاثة الفرق الاخرى (الفلسطينية) على التقدم للتباري مع الفرق
المضافة من الاقطار المجاورة "حضرت
فرقة الجامعة المصرية الى فلسطين
وتبارت مع الفرق اليهودية ولم يتقدم من الفرق العربية لمباراتها إلا النادي
الارثودكسي النشيط وكانت النتيجة افضل من نتيجة المباراة التي اقامها
"المكابي" اليهودي فرفع اسم العرب الفلسطينيين الرياضي وافهمهم أنه يوجد
بفلسطين فرق عربية تتقن هذه اللعبة من كل وجوهها وتفوق الفرق اليهودية وحتى
البريطانية" . في 28 آذار 1931 وتحت عنوان "فرقة الترسانة والمنتخب
العربي الفلسطيني" يكتب احد القراء في صحيفة )فلسطين( منتقدا تقاعس الفرق العربية لعدم تقدمها للتباري مع الفرق العربية
" سيحضر لفلسطين اكبر الفرق المصرية الرياضية لكرة القدم وهي - فرقة الترسانة
، ورب سائل
مع اي الفرق ستتبارى ولكن الجواب يكون (بلا شك)
مع الفرق اليهودية"، وقد كانت هذه
الكلمة أيضا بمثابة دعوة الفرق العربية في فلسطين للتباري مع الفرق المصرية.
لقد كانت الحركة الرياضية الفلسطينية في ذلك
الوقت في بداية طريقها وكانت هذه الأندية كمؤسسات اجتماعية مرتبطة بالحركة الوطنية
، حيث كان تصديها لهذا الاخطبوط الصهيوني نابعا من توجيه بعض الانتقادات عبر الصحف
الفلسطينية وخاصة فلسطين أو نقل اخبار رياضية من الصحف اليهودية ونقدها عبر هذه
الصحيفة . كان نشر الاخبار الرياضية يعتمد على الاوضاع السياسية في فلسطين وقد
لوحظ (في الاخبار الرياضية) تزايد في إظهار النزعة المعادية للصهيونية خاصة في
نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات ابان المعارضة الشعبية للهجرة الصهيونية وصدور
الورقة البيضاء. وقد وكان
تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي عام 1931 ما هو إلا رداً على الممارسات
الصهيونية في فلسطين بشكل عام وعلى
الهيمنة الصهيونية على الحركة الرياضية
بشكل خاص. كل ذلك كان يصل الى القارىء من خلال مقالات واخبار في صحيفة "فلسطين"
. ايضا فإن تصميم الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني على عدم التعاون مع الجانب
اليهودي وفضح نواياه اضاف زخماً لهذه النزعة خاصة أن ذلك جاء بعد عام 1929 أي بعد
اندلاع ثورة البراق ، وتزايد روح العداء
للصهيونية ، حتى أن اعلن الاتحاد رفضه عبر صحيفة "فلسطين" تعيين أي حكم
يهودي لمباراة بين فرق عربية.
في تلك الفترة ولأول مرة تشكل منتخب عربي فلسطيني من عدة اندية
لتمثيل فلسطين عربيا وايضا قام الاتحاد باقامة دورة رياضية تنافس بها سبعة أندية
في فلسطين[‡] حيث
قدم درع هذه المسابقة من مؤتمر الشباب (سمي بدرع مؤتمر الشباب) الذي عمل جنبا إلى
جنب مع الاتحاد الرياضي الفلسطيني والذي (أي
المؤتمر) كان حريصا على دعم الحركة الرياضية في البلاد . لقد لوحظ تطور نوعي على الاخبار الرياضية منذ
مطلع الثلاثينات الذي كان موازٍ لتأسيس
الأندية الرياضية واتساع رقعة نشاطاتها وترابطها مع الاتحاد الرياضي الفلسطيني
العربي. فقد رأينا المزيد من الاخبار حول عمل هذا الاتحاد ونشاطاته وعلاقته المستمرة مع الأندية الرياضية
والمنظمات الاجتماعية وبالأخص مع مؤتمر الشباب الفلسطيني. اصبحت صحيفة "فلسطين"
منبراً للقراء الذين كانت تهمهم الامور الرياضية وكان لديهم الوعي الصحيح لأهميتها
واهمية الهيمنة الصهيونية على الحركة الرياضية.
لقد اهتمت الصحافة العربية بفضح
"المكابياه" او "المكابياد" وهو مهرجان رياضي اقامته منظمة
المكابي العالمية (منظمة رياضية يهودية كانت تضم معظم اندية المكابي في العالم
وفلسطين) بالتعاون مع القيادة الصهيونية
من أجل جلب اكبر عدد من المهاجرين إلى فلسطين بطريقة التلاعب والخداع.[6] اقيم هذا المهرجان عام 1932 ، 1935. وقد حذرت
صحيفة "فلسطين" الأندية العربية من الاشتراك في هذا المهرجان فتحت عنوان
"مقاطعة الالعاب المكابية بتل ابيب ، الوطنية تتغلب على الدسائس
الصهيونية" حذر الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي جمعية الشبان المسيحية في
القدس من المشاركة في هذا المكابياد . وقد عدلت الجمعية عن المشاركة بعد ان كانت
قد وافقت في وقت سابق.[7]
وفي مقال آخر في نيسان 1932 شرح به طبيعة المكابياد "فكان مما يثير الدهشة ان
عددهم (الرياضيون اليهود) بلغ حوالي العشرين الفا مع أنهم كانوا قبل اسبوعين لا
يزيدون عن ثلي هذا العدد ، ولعل السبب في ذلك هو أن جمعية المكابيين ارادت أن توجد
استعراضا مزيفا فالبست اكبر عدد ممكن من الفتيان والفتيات اليهود ثياب المكابيين
واشركتهم مع اعضائها .... وقد رفع (اليوم فقط ) العلم البريطاني إلى جانب العلم
الصهيوني". [8]
وحول المكابياد الثاني في نيسان 1935 انتقدت الصحيفة هذا المهرجان والتصرفات الصهيونية بأن اوضحت
أن هؤلاء العشرة آلاف شاب الذين سيشتركون في الدورة القادمة "لا يملكون
اموالا تخولهم حق الدخول الى فلسطين فكيف سمحت الحكومة بإدخالهم ؟ وهل اتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان عودتهم الى
بلدهم .ان الدورة المكابية الاولى قد علمتنا ان معظم من اشتركوا فيها قد بقوا في
فلسطين واختبأوا في المستعمرات اليهودية فلماذا تريد الحكومة تكرار ذلك
الحدث" .[9] تشير الصحافة اليهودية في تلك الفترة إلى أن
الصحافة العربية لم تتصد للمهرجان بل ان الكثير رأوا بالمكابياد وخاصة المكابياد
الثاني 1935 وسيلة من أجل الانتعاش الاقتصادي فالسائحون حسب ما جاء في هذه الصحف
كانوا قد انفقوا اموالا استفاد منها سكان يافا والمناطق المجاورة من العرب .[10] هذا
بالطبع ما يعكس العقلية والمنطق الصهيوني التي تنفي الحقائق حسب اهوائها واهدافها.
فقد ظهرت مقالات عديدة في صحيفة
"فلسطين" تنتقد هذا المهرجان وتظهر مخاطره بشأن الهجرة غير المشروعة.
ولم تظهر الصحف العربية سرورها بهذا الحدث "التاريخي" ولا بالانتعاش
الاقتصادي الذي جلبه لفلسطين.
توقفت الاخبار الرياضية في عام 1936 بسبب
الثورة المجيدة وعادت تصدر في عام 1937 وكانت معظم الاخبار تتركز حول نشاطات الاندية
ونشوء اندية اخرى. ويعود السبب في هذا إلى توقف نشاطات الاتحاد الرياضي الفلسطيني
، حيث اضطرت بعض الاندية العربية (مثل نادي شباب العرب في حيفا والنادي الرياضي
العربي في القدس) الى الدخول كأعضاء في "الاتحاد الرياضي الفلسطيني" اليهودي،
وإلى التباري مع الفرق اليهودية وحتى مع أكثرها
تطرفا مثل البيتار. كانت معظم الاخبار الرياضية في تلك الفترة منصبة على
بعض انشطة الاندية وعلى اللقاءات العربية والفرق العسكرية للانتداب البريطاني وعلى
اخبار الملاكمة التي اخذت بالظهور في نهاية الثلاثينات خاصة مع تأسيس المعهد
الاولمبي في يافا وبروز الملاكم المشهور أديب الدسوقي. كان الطابع المميز للحركة الرياضية العربية في
نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات يأخذ شكلا عشوائيا يعتمد على التنظيم العفوي
، ولم ترتكز هذه الحركة على أسس تنظيمية
وإدارية تجعلها قادرة على تأدية دور فعال خاصة في دعمها للحركة الوطنية التي كانت بدورها تعاني من خلل وتفكك لبنيتها
التنظيمية ، متعرضة لضغوط جمة من قبل حكومة الانتداب. أدت وقاحة الصهاينة الفائقة
والتي تجلت ضمن محاولتها عزل الأندية والفرق العربية عن الساحة الرياضية والتفرد
بالحركة الرياضية إلى الشعور بالاستياء
لدى الكثير من القياديين والرياضيين. لذلك بدأت هذه اللقاءات مع الجانب اليهودي
تتوقف بالأخص في وسط عام 1943. ليس باستطاعتنا التجاهل أيضا أن بعض هذه اللقاءات
مع الجانب اليهودي كانت تعكس حسن النية من الجانبين الفلسطيني واليهودي وقناعتهما أن
هذه اللقاءات كانت تأخد طابعا انسانيا رياضيا بحتا. ولكن في الجوهر العام فان
الهدف النهائي للحركة الرياضية الصهيونية هو المساهمة الفعالة في إقامة دولة اسرائيل وليس التعاون ومد جسور
الصداقة مع العرب. فلذلك اصبحت العلاقات بين العرب واليهود سواء كانت اجتماعية أم
رياضية خاضعة للظروف السياسية التي عمل اليهود على تهيئتها في فلسطين.
في حزيران من عام 1943 أخذت الفرق العربية
بالانسحاب من "جمعية فلسطين لكرة القدم" ، فيما دعا قياديو الأندية الى
التباحث فيما بينهم من أجل تشكيل اتحادات لمناطق مختلفة ولانواع رياضية مختلفة.
فيما بعد
تأسست اتحادات محلية في كل من يافا والقدس وحيفا وقد بلغ عدد الفرق المسجلة في
اللجنة المحلية للإتحاد الرياضي الذي أسس في مدينة حيفا ثلاثا وأربعين
فرقة رياضية. ، وفي نفس العام تم تشكيل الاتحاد الفلسطيني للملاكمة
والاتحاد الفلسطيني لرفع الاثقال كما
تشكلت أيضا عصبة اتحاد كرة القدم التي كانت تضم العديد من أندية يافا ومنطقتها.
وقد اعتبرت هذه العصبة والاتحادات المحلية المختلفة نواة للإتحاد الرياضي
الفلسطيني الذي أعيد تشكيله فيما بعد.
فتحت عنوان " إنشاء اتحاد رياضي عربي لكرة القدم " جاء في صحيفة
"فلسطين" في كانون أول 1943 " في فلسطين اتحاد يعرف بالاتحاد
الفلسطيني لكرة القدم يضم اكثر الفرق الرياضية اليهودية وبعض الفرق العربية . وقد
نجحت المساعي التي قام بها البعض لانشاء اتحاد رياضي عربي يضم الأندية العربية وتألفت
في حيفا نواة لهذا الاتحاد عرفت بالاتحاد الرياضي بحيفا وانضمت إليها أندية عديدة
وكان بعضها سابقا منتسبا إلى الاتحاد الفلسطيني اليهودي . وقد قامت لجنة الاتحاد
في حيفا بالاتصال مع الأندية الرياضية العربية لتأليف الاتحاد العربي العام".
أيضا قامت الفرق العربية بتشكيل فريق في أيار عام 1944 ليباري فريق منتخب الجيوش
البريطانية في صرفند (على ملعب جمعية الشبان المسيحية في القدس حيث تغلب الثاني
بإصابتين مقابل لا شيء) وقد اصبحت هذه المباراة حديث الأوساط الرياضية في فلسطين
لما كان لها من أهمية في تثبيت فكرة أن الاندية العربية قادرة على إبراز هويتها الرياضية
العربية واستقلاليتها من خلال تشكيلها لفريق موحد باستطاعته مواجهة أقوى الفرق
الرياضية في فلسطين.
في ايلول 1944 تم اعادة تأسيس الاتحاد الرياضي
الفلسطيني العربي وتسجيله رسميا لدى الهيئات الخاصة حيث اصبح يضم خمسة وخمسون ناديا ، وقد استطاع
هذا الاتحاد ان يخطو خطوات سريعة ويتبارى مع اقوى الفرق في الدول العربية المجاورة
، كما سعى الى تمثيل فلسطين على الساحة الدولية . ففي احدى المقالات في صحيفة
"فلسطين" دعى حسين حسني (محرر الزاوية الرياضية في "فلسطين")
إلى دراسة مسألة "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" (اليهودي) غير القانوني
وغير المعترف به دوليا والذي كان يمثل اليهود في فلسطين والذي يمثل العرب في
فلسطين رغم انوفهم . فقد طلب من وفد الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي) دراسة هذه
القضية اثناء زيارته لمصر للاتفاق على اقامة مباريات بين مصر وفلسطين واشار لأن
تتوسط مصر وتطالب معنا بإلغاء الاتحاد الصهيوني "فهو لا يمثل الا
نفسه".... واذا تعذر في الوقت الحاضر فنطالب بثلثي مقاعده حيث يتبقى له الثلث
حسب تشريع الحكومة في البلاد ، وهذا الاتحاد أسس سنة 1928 ومثل فلسطين دوليا بينما
كانت الالعاب في ذلك الوقت لا تزال عند العرب في مهدها واعضاؤها اثناعشر شخصا
وجميعهم من غير العرب ومركزه تل ابيب وهو لا يزال إلى يومنا هذا يمثل فلسطين
".[11]
كان الاتحاد الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي يسعى من اجل تمثيل فلسطين في
الاتحاد العالمي لكرة القدم الفيفا ، فقد كان يعمل بتنسيق مستمر مع الاتحادات
الرياضية العربية من اجل نيل دعمها في اللاتحاد الدولي . وتعبيرا عن التعاضد
القومي جاء في صحيفة "فلسطين" النبأ التالي "تلقى سكرتير لجنة
الاتحاد الرياضي الفلسطيني كتابا من سكرتير اللجنة المركزية للاتحاد الرياضي السوري
لكرة القدم جاء فيه أن الاتحاد السوري قرر
في مؤتمر عقد في سوريا اعتبار الاتحاد الرياضي الفلسطيني داخلا ضمن نطاق الاتحاد
السوري ليكون للاتحاد الفلسطيني طابع اولي خاص. وان اللجنة المركزية للاتحاد
السوري ساعية لعقد مؤتمر رياضي عربي من اتحادات الاقطار الشقيقة.[12]
يجب
الاشارة إلى أنه في الثلاثينات وبداية الاربعينات لم تكن الاخبار الرياضية تنتشر
بشكل يومي منتظم . بدأت هذه الاخبار تبرز في عام 1943 ضمن زاوية "الالعاب
الرياضية". فيما بعد أخذت هذه الزاوية بالنمو والارتقاء خاصة عند ترأس
تحريرها الاستاذ حسين حسني . وقد عمل الاتحاد ومراسليه والاستاذ حسين حسني جنبا
الى جنب لترقية الزاوية الرياضية لتصبح وسيلة من اجل ترابط الرياضة مع الاحداث
التي كانت تعصف في فلسطين ووسيلة من اجل اكساب هذه الزاوية روحا قومية وثقافية
ايضا. فعند الاشارة الى الصحافة الرياضية في فلسطين منذ 1944-1948 لا يسعنا إلا أن
نخص بالذكر حسين حسني استاذا وكاتبا ترك بصماته على هذه الحركة الرياضية التي لعبت
دورا هاما في صقل شخصية الانسان الفلسطيني الجديد.[13] فقد كانت مقالاته تعكس الوعي الصحيح لطبيعة
النشاط الرياضي الصحي والتي لربما يمكن اعتبارها سابقة لأوانها لما كانت تحمله من
آراء ليس لها فائدة لتلك الحقبة من الزمن فحسب ، بل وحتى وقتنا الحاضر. بالاضافة
إلى أنه كان يقدر عاليا قيمة الرياضة التنافسية ، ايضا كان يدرك بما يكمن بها من قيمة
تربوية وصحية واجتماعية ووطنية . فمن خلال مقالاته ضمن "الزاوية
الرياضية" كان يهدف الى تحفيز النشاط البدني لدى المواطن محاولا توعيته
بفوائد الرياضة وتأثيرها على البدن والعقل. كما عمل على تثقيف الرياضيين مشيرا الى
تداخل النشاط الرياضي مع السلوك والاخلاق والوطن . ولأول مرة نرى انه تم توجيه
اهتمام الرياضيين الى أمور صحية ، فهو قد وضع صرحا لإعداد الرياضيين نظريا تثقيفيا
هذا الاعداد الذي لم نره حتى في وقتنا الحاضر ولم يعره الكثير من مدربينا أي اهتمام. كما ودعا الى
الاهتمام بالفرق الثانية وبالرياضة العمالية ووجه نقدا إلى بعض المدن في فلسطين
لعدم اعطاء الرياضة اهمية في توجيه الشباب هناك. كما ودعا الى انشاء المزيد من
الملاعب وتأسيس معهد للتربية البدنية يعمل على إعداد كوادر قادرة على توجية وتطوير
الرياضة.
وحول الرياضة المدرسية فقد وجه نقدا لاذعا
لدائرة المعارف وسلطات الانتداب على اهمالها للنشاط الرياضي " واذا القينا
نظرة عابرة على برنامج الرياضة البدنية في مدارسنا الحكومية منها والأهلية - لمسنا ضآلة العناية والاكتراث بهذه الناحية
المهمة ذات التأثير البالغ في اعداد النشأ اعدادا كاملا لخوض غمار الحياة ، هذا
بالقياس الى اهتمام تلك المدارس بمواد التدريس الاخرى". [14]
وفي مقالة اخرى ينتقد بها دائرة المعارف يقول
"كانت دائرة المعارف تشرف على حوالي الخمسمائة مدرسة ما بين ابتدائية وثانوية
منتشرة في انحاء البلاد وليست فيها غرفة واحدة لاستخدامها كصالة للتدريب ولا ملعب
مجهز بمرافق صحية ورياضية". [15]
ثم يكتب حول إهمال الإداريين في دارة
المعارف للنهوض بالنشاط الرياضي "لم يتقدم بعض الوطنيين في هذه الدائرة بآراء
واقتراحات حول النهوض بالرياضة لسد هذا النقص ولكن لا من مجيب او سميع، طبيعي ما
من مجيب لأن المشرفين السابقين سيطروا على هذه الناحية ايضا لعبت بهم السياسة
الإستعمارية دورها فحرمتنا النمو وحرمتنا النهوض في هذا الميدان الحيوي ، وضللت
العقول ، فاوهمت البسطاء ان العلم هو حشو الادمغة بالمعلومات وحشد النظريات
العلمية في عقول النشأ ....ونحن نرجو ان يكون لدائرة شئون التربية والرياضة منهاج
رياضي قومي وان توجه الطلاب الوجهة الصالحة بلا لف او دوران فهل تعملون في هذه
الناحية ايضا كما وعدتم ؟ ". وبجرأة ينتقد بعض الهيئات التعليمية والمعاهد
اسناد رعاية الحفلات المدرسية السنوية التي كانت قد بدأت منذ عام 1922 للمسؤولين
البريطانيين " أفليس من العار على قوميتنا ان يرأس حفلاتنا مهما كان نوعها
وغرضها غير عربي ما دمنا في ارض عربية ومحيط عربي وبين لاعبين من العرب؟؟".[16]
بعد
اعادة تشكيل الاتحاد اصبحت الاخبار تصدر
بشكل يومي تعكس هذه الوحدة الوثيقة بين الاتحاد والاندية والصحافة ، وقد كانت هذه
ظاهرة مميزة لأنها كانت نابعة من روح التعبير عن الهوية الفلسطينية وفضح الهيمنة
الصهيونية التي كانت تسعى لتجاهل النشاط الرياضي العربي . اصبحت الزاوية الرياضية منذ عام 1944 وحتى 1948 مرآة لمجريات الاحداث
الرياضية في فلسطين ، تميزت بالنزعة الوطنية، هذه النزعة التي تميزت بها الحركة
الرياضة بالاضافة الى التنظيمية
والاجتماعية . وقد كان حجمها مساويا أو أقل
بعض الشيء من حجم النشاطات والاحداث الرياضية . بعد تأسيسه في جلستة الثامنة - كما
ورد في صحيفة "فلسطين" قرر
الاتحاد السماح باقامة مباريات ودية بين الفرق المشتركة في الاتحاد مع فرق الدوائر
والشركات والمدارس غير اليهودية بعد اخذ موافقة لجنة المنطقة المختصة . والجدير
بالذكر أن كل القرارات التي كانت تصدر عن جلسات الاتحاد ولجانه للمناطق كانت ترسل
الى "فلسطين" لتنشر على صفحاتها . هذا ما أكد على الترابط العضوي بين
الاتحاد وقطاع واسع من القراء عبر هذه الصحيفة التي عملت على نشر نشاطات الاتحاد التنظيمية والادارية (من
خلال زاويتها الرياضية) وعمقت من ميكانيكيتها وتطبيقها على ارض الوقع. .[17]
كان اعادة تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني
العربي ايضا عاملا قويا لدفع الصحافة الرياضية من جهة ومن جهة اخرى فإن تولي
الاستاذ حسين حسني لتحرير الزاوية الرياضية في صحيفة "فلسطين" اعطى هذه
الزاوية صفة خاصة كانت ترتكز على اسس وطنية وعلمية ودعائية. تذكر هذه الصحيفة خبراً يعكس الترابط العضوي بين الاتحاد والصحافة
ومجريات الاحداث . فقد تلقى امين صندوق اللجنة المركزية للاتحاد الرياضي الفلسطيني
التبرعات لمنكوبي سوريا ولبنان من العديد من الاندية في فلسطين . وقد دعت اللجنة
المركزية للاتحاد الاندية الرياضية والرياضيين الى مشاطرة الاتحاد السوري لكرة
القدم والسوريين آلامهم في النكبات التي اصيب به السكان في سوريا بارسال مبلغ من
المال الى الاتحاد السوري لتصرف على منكوبي الاضطرابات . وقد طلب الاتحاد من
الاندية الفلسطينية ان تساهم بقدر المستطاع في دعم القطر السوري الشقيق بارسال
تبرعات، وقد لبت العديد من الاندية هذا النداء . حيث اقامت عدة مباريات ورصدت
ريعها لهذا الغرض (قي عام 1945 عندما احتل الفرنسيون دار البرلمان السوري وحاولوا
عرقلة الحياة الدستورية بالحديد والنار).[18]
كما كانت توجه عبر الصحافة من قبل الاتحاد وصحيفة "فلسطين" احيانا
التهاني الى بعض الرياضيين بعد خروجهم من المعتقل بعد كانت الملاعب تحرم منهم لمدة
طويلة بسبب نشاطهم الوطني . ايضا فقد عكست صحيفة "فلسطين" هذا الترابط
العضوي بين الاتحاد الرياضي الفلسطيني والاندية الرياضية من جهة مع الاحداث السياسية والمناسبات الوطنية من جهة
اخرى. فشعورا بالأسى الذي جلبه وعد بلفور لفلسطين
نشرت الصحيفة خبرا في تشرين الثاني
عام 1947 تحت عنوان " الرياضة تستنكر
وعد بلفور " جاءنا من مندوبنا في مناطق الاتحاد الرياضي الفلسطيني والفرق
الرياضية قد اجلت مبارياتها التي كان موعدها غدا بمناسبة ذكرى وعد بلفور المشؤوم
اعلانا عن تضامن المؤسسات الرياضة العربية مع مختلف المنظمات والجمعيات في استنكار
هذا الوعد الجائر".
لقد
بدت النزعة الوطنية واضحة ليس على الحركة الرياضية فحسب بل وعلى الصحافة التي كانت
تزف الاخبار التي كانت تعبر عن هذا الاتجاه الوطني والقومي . مثل اخبار التباري
والتنافس مع الفرق العربية الشقيقة التي كانت مشحونة بطابع المهلل لهذه اللقاءات
، والمعبر عن طابع التآخي والترابط القومي بين الاندية الفلسطينية والاندية
العربية في الدول الشقيقة وهذا مثال على ذلك "يشاهد الجمهور الدمشقي اكبر
مهرجان رياضي سوري فلسطيني عربي اذ يتبارى النادي الرياضي الاسلامي بحيفا ضد اهلي
دمشق تحت رعاية وزير المعارف ، ونادي الاتحاد الرياضي تحت رعاية دولة وزير
الداخلية".[19] في احدى الحفلات التي اقامها الاتحاد العربي
الفلسطيني لرفع الاثقال والمصارعة واشترك فيها ابطال مصر العالميون وقف احد اعضاء
الفريق المصري الملقب بشاعر الشباب بناء على طلب الاتحاد فالقى كلمة ترحيبية
ارتجالية وقد اختتمها بالابيات التالية:
لئن وضعوا الحواجز بين مصر وبين
الشرق يوما في العراء
وما حجزوا العواطف صادقات وما حجزوا القلوب عن الوفاء
وحب العرب يجري عند عيسى واحمد في العروق وفي الدماء
لقد ادركت الفرق والاندية والاتحادات العربية في
الدول العربية الشقيقة أنه لا جدوى من التلاقي مع الفرق الصهيونية وان الاتحاد الرياضي
العربي الفلسطيني هو الذي يمثل فلسطين وليس الطرف الصهيوني.[20]
يكتب حسين حسني في اوائل عام 1945 " ينتظر سفر البعثة الرياضية التي يوفدها
الاتحاد العربي الفلسطيني لكرة القدم الى مصر للاتفاق على اقامة مباريات بين مصر
وفلسطين في اوائل الشهر القادم وانا لنرجو منها دراسة مسألة الاتحاد الفلسطيني
لكرة القدم غير العربي المعترف به دوليا والذي يمثلنا رغم انوفنا ، كما نرجو مصر
ان تتوسط لنا وتطالب معنا بالغائه فهو لا يمثل الا نفسه وطائفته لا الشعب العربي
الفلسطيني ، واذا تعذر ذلك في الوقت الحاضر فنطالب بثلثي مقاعده".
لقد قدمت الحركة بالاضافة الى الانجازات
العظيمة على الصعيد الرياضي زخما معنويا ووطنيا هائلا إلي فلسطين ، فقد رفع الشباب
الرياضي السلاح دفاعا عن وطنه في وجه التآمر البريطاني الصهيوني واستشهد الكثير
منهم مروون بدمائهم تراب الوطن . وكانت السمة الوطنية التي تميز بها نشاط الاندية
تعتبر برهانا حقيقيا لهذا الترابط العضوي بين الرياضة والوطن . فالنشاط الرياضي في
تلك الفترة استطاع ان يلبي الاحتياجات الاجتماعية وان يلعب دورا فعالا ليس فقط في
مبدأ " العقل السليم في الجسم السليم " بل وفي " الوطن السليم في
العقل السليم في الجسم السليم ".
ان محرري الصحف وخاصة صحيفة فلسطين ادركوا جيدا ان
هؤلاء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الوطن (في عام 1948) كانوا رياضيين مارسوا
نشاطا حميدا وهذا ما كان يعكس الاحترام العميق لهذا النشاط الذي لعب دوراً هاماً
في تعميق الحس الوطني وفي صقل الشخصية الفلسطينية . ففي زاوية الوفيات ورد نعي
لأحدى الشهداء في الشهر الاول من عام النكبة " استشهاد شاب مناضل في ريعان
عمره – نادي الاتحاد القروي بالقدس ينعي بمزيد الحزن والاسف عضوه العامل والرياضي
الكبير الشهيد : عارف النعمان ، وقد وافاه الاجل المحتوم في مستشفى الحكومة بالقدس
اثر اصابته في ميدان الشرف بعد ان ابلى بلاء حسنا".[21] وفي نعي
آخر " اللجنة الرياضية لنادي الشبيبة الاسلامية بيافا تنعي بمزيد الحزن
والاسى احد اعضائها العاملين الرياضي المرحوم : محمد الناقة الذي استشهد بينما كان
يقوم بواجبه الوطني بمعركة ابي كبير الاخيرة عن عمر يناهز الثانية والعشرين
ربيعا".[22]
لا بد للإشارة إلى أن حجم الاخبار الرياضية
العربية لم يكن مساويا لحجم ونوعية الاخبار الرياضية الصهيونية ، بالطبع فان
الصحافة الصهيونية كانت مدعومة من كل المؤسسات الصهيونية التي كانت لديها طاقات
مادية ومهنية اكبر مما هي في الجانب العربي . ايضا فان الوعي لطبيعة النشاط
الرياضي لدى الفئات الصهيونية التي كانت قد انتقلت من مجتمعات اوروبية كان اكبر
مما هو عليه عند الفلسطينيين. كان الصهاينة ينتمون الى مجتمع غربي صناعي اشتراكي ،
يعتمد على مركزية التنظيم وقد قادت هذا المجتمع نخبة من الاداريين الفعالين
والملتزمين الذين كانوا يملكوا الثقة العليا بكفاءتهم نحو تغيير طبيعة الامور.[23]
لقد استغل الصهاينة الصحافة بشكل عام
كسلاح سواء في الصحافة العبرية او الانجليزية من اجل تحقيق الاهداف السياسية واقامة
الوطن القومي فالصحافة الصهيونية الرياضية كانت تنشر اخبار الانتصارات وتعكس روح
التفوق العرقي في المجال الرياضي وتنشر اخبار اللقاءات الصهيونية والبريطانية والعالمية وبعض الاخبار الرياضية العربية
(الهامشية).
تميزت الحركة الرياضية الفلسطينية بانها انطلقت منذ
عام 1944 بخطى متسارعة على اسس تنظيمية اجتماعية ووطنية تحقق النجاحات على الصعيد
الرياضي وتعكس الهوية الوطنية الفلسطينية وهذه النجاحات التي تعتبر قاعدة لبناء
صرح للحركة الرياضية الفلسطينة المعاصرة . ولولا نكبة شعبنا الفلسطيني في عام 1948
لكانت الحركة الرياضية الفلسطينية مؤهلة لتحقيق نجاحات عظيمة بفضل هذه القاعدة
والتجربة خاصة بين عام 1944 و 1948 . كانت اعادة تشكيل الاتحاد وعمله المنظم وتوسيع رقعة النشاط الرياضي حافزا قويا في
تأسيس الكثير من الاندية وخاصة في القرى الفلسطينية . فتأسيس هذه الاندية اصبح
ظاهرة وطنية اجتماعية نجمت عن هذا الدور الذي اصبحت تلعبه الرياضة في حياة
الانسان الفلسطيني والتي اصبحت ايضا تشكل
جزء هاما من ثقافته .
المصادر
والملاحظات
[*] في العشرينات أيضا تم تأسيس النادي الرياضي
الاسلامي في يافا عام 1926 والنادي الرياضي العربي في القدس عام 1928 والنادي الرياضي الاسلامي ونادي غزة الرياضي ونادي النجمة
البيضاء في حيفا.
[†] يجب الاشارة الى انه في
الصحافة العربية كان يستخدم اصطلاح "جمعية فلسطين لكرة القدم"
و"الاتحاد الرياضي الفلسطيني" للتعبير عن الاتحاد الرياضي اليهودي.
تشكلت "جمعية فلسطين لكرة القدم" في عام 1928 من قبل الانجليز والعرب
واليهود. ولكن فيما بعد اليهود والانجليز تفردوا وهيمنوا على نشاطاتها. في بداية
الثلاثينات تشكل " الاتحاد الرياضي الفلسطيني" من قبل اليهود والذي كان
يشمل كل انواع الرياضة بما فيها كرة القدم.
[‡] شاركت
به الأندية التالية: النادي الرياضي العربي / القدس ، النادي الرياضي
الاسلامي / يافا ، النادي الساليسي / حيفا ، نادي الشبيبة الارثودكسية / يافا ،
النادي الرياضي الاسلامي / حيفا ، نادي الروضة / القدس ، نادي النجمة البيضاء /
حيفا .
[1] صحيفة (فلسطين) 20 نيسان 1913 . توقف هذا المهرجان عام 1914 بسبب مقاطعة
منظمة "المكابي له معترضة على وجود حراسا وعمالا عرب كانوا يعملون في هذه
المستعمرة (رحبوت).
[2] الخالدي، عصام. الحركة الرياضية الفلسطينية دروس وعبر ، المجلة الثقافية ،
الجامعة الاردنية العدد 53 ص 113-121
[4] بدأ تأسيس أندية المكابي في فلسطين في بداية العقد الاول من القرن
العشرين وحسب المصادر اليهودية فإن عددها بلغ
في فلسطين حتى الحرب العالمية الاولى حوالي العشرين . في عام 1926 تشكل أول
ناد للهابوعيل ( التي كانت تابعة لمنظمة
العمل اليهودية – الهستدروت) . يقول بن غوريون عن هذه المنظمة انها "قلعة
للطبقة العاملة ، وعليها يتوجب مساعدة اليهود الجدد". وقد ساهمت هذه المنظمة
التي كانت أنديتها منتشرة في العديد من المدن والمستعمرات في فلسطين مساهمة فعالة
في تهريب السلاح من دول اخرى الى فلسطين.
تشير الموسوعة الصهيونية إلى أن "الهابوعيل" كانت تحاول استخدام
اللقاءات الرياضية على الساحة العالمية من اجل التعريف بفلسطين اكثر مما كان يسعى
إليه المكابي الذي كان يطمح دائما لتحقيق الفوز والنتائج الرياضية . في عام 1925
تأسست منظمة البيتار (كان يتزعمها المتطرف جابوتنسكي) التي اتخذت فيما بعد من
الرياضة غطاء من أجل اعمالها العسكرية والهجرة اليهودية غير المشروعة.
[13] تخرج الاستاذ
حسين حسني من احدى معاهد التربية البدنية في مصر ثم حضر الى فلسطين ليعمل مدرسا في
كلية روضة المعارف في القدس ، ثم تم تعيينه مراقبا للتربية البدنية بمدارس
الاوقاف الاسلامية كما وتم تعيينه فيما بعد مشرفا على الرهوط والفرق المصرية في فلسطين
من قبل جمعية الكشافة المصرية الأهلية في القاهرة . للأسف أنه لم يعثر على اي خبر
حوله بعد عام 1948 ولكن مهمتنا ان نقتفي معلومات عنه ، تقديرا وتخليدا لخدماته واعماله
لفلسطين.
[14]"فلسطين" 25 تموز 1947
[17] فمثلا في احدى القرارات للاتحاد في اجتماع
الاتحاد (26 -1-1945) قرر استثناء جمعية الشبان المسيحية في القدس من الفقرة
الشرطية الثامنة من المادة 35 من قانون الاتحاد ( وهو التباري مع الفرق اليهودية)
وقد اراد الاتحاد ان يعلم القارئ العربي ان هذه الجمعية التي كانت عضوا فيه تستثنى
من هذه المادة لفترة محددة.
[20] كان الاتحاد الرياضي الفلسطيني
العربي مستاء من اللقاءات العربية مع الفرق الصهيونية في فلسطين فنراه يوجه الرسائل الى الاتحاد المصري يحتج
فيها على اقامة مباريات بكرة القدم بين منتخب الاسكندرية والفرق اليهودية في نيسان
1945
No comments:
Post a Comment