عصام
الخالدي
بعد اطلاعي على بعض المواقع الفلسطينية والعربية
حول الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (باللغة العربية والانجليزية) الذي يمثل فلسطين
على الساحة العربية والعالمية وجدت أنه من الجدير التعقيب على بعض المعلومات
الخاطئة (التي ولا أدري من أين تم العثور عليها) التي تعكس الافتقار لوعي وإدراك قضايا
تاريخية معينة والتي من الممكن أن يؤدي تعميمها وجعلها حقيقة مُسَلم بها إلى تشويه
جزء مهم من تاريخ الرياضة الفلسطينية .[1]
في
موقع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يشار في زاوية (النبذة التاريخية) إلى أن "الاتحاد الرياضي الفلسطيني لكرة القدم تأسس عام 1928 في مدينة
القدس، وانضمت فلسطين رسمياً للاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1929 ، وشاركت فلسطين
في تصفيات كأس العالم سنة 1934 والذي أقيم في ايطاليا، وكانت نتيجة مباراتي فلسطين
أمام مصر هي الفاصلة في الوصول إلى نهائيات مونديال ايطاليا 1934 وخسرت فلسطين
مباراتيها أمام مصر في القدس والقاهرة وتأهلت مصر إلى النهائيات. وشاركت فلسطين في
تصفيات كاس العالم 1938 وعلى ضوء ذلك كان المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم أول
منتخب عربي آسيوي يشارك في تصفيات كأس العالم وهي حقيقة تغيب عن بال الكثيرين في
ضوء الإخفاقات التي عانت منها الكرة الفلسطينية لاحقا".[2]
والذي
يثير الدهشة أكثر هو موقع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم على (الويكبيديا) باللغة
الانجليزية الذي يعطي للقارئ بعض المعلومات التي تثير التساؤل حول
"مصدرها" وصحتها ، وما
يخطر على البال فورا بأن هذه المعلومات كانت قد دُست للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم
دون علمه ، ولا بد أن القارئ يعي أنه من السهل دس معلومات خاطئة ومشوهة في
الويكبيديا. ومن أهم هذه المعلومات (في الويكبيديا في اللغة الانجليزية) هي أن
"الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم كان
الاسم الأصلي لاتحاد كرة القدم الإسرائيلي.... أعطت المشاركة
في بطولة عام 1934 فلسطين (أو فلسطين / أرض إسرائيل كما عرف الفريق) الميزة أن
يكون أول فريق آسيوي يشارك في كأس العالم. بعد تأسيس دولة إسرائيل تحول هذا
الاتحاد إلى "الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم". وكان لكلي الاتحادين -
اتحاد كرة القدم الإسرائيلي والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم رصيدا من خمس مباريات
دولية لعبتها فلسطين/ إسرائيل بين الأعوام 1934 و 1940". [3]
أما على موقع الويكبيديا في العربية فلم تُذكر أي
معلومات عن تاريخ الاتحاد قبل عام 1948 سوى أنه تأسس في عام 1962 وانضم للاتحاد
الدولي وللاتحاد الآسيوي لكرة القدم في عام 1998.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبصراحة هل
أصبحنا نعجز عن تدوين تاريخنا في
ويكبيديا بشكل مستقل وجريء ؟ هل علينا تدوين تاريخنا حسب المزاج الإسرائيلي وما
تمليه علينا رغبته في تشويه تاريخنا؟
إن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم اليوم ما هو
إلا امتداد إلى هذا الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي أسس عام 1931 والذي أعيد
تأسيسه في أيلول عام 1944، وليس امتدادا ل (جمعية فلسطين لكرة القدم) التي تأسست في
عام 1928 والتي يشير إليها الاتحاد اليوم. ليس هناك أي مقومات أو مبررات للاعتراف
ب "جمعية فلسطين لكرة القدم" كحجر أساس لاتحاد كرة القدم الفلسطيني الحالي
، يجب عدم التسليم بهذه المعلومات وكأنها حقيقة تاريخية لأن الهدف اليهودي من تأسيس
هذه الجمعية لم يكن من أجل التعاون العربي اليهودي بل كان من أجل السعي لانضمام للاتحاد
الدولي والتفرد بالحركة الرياضية. لقد دخل العرب في هذه الجمعية عن حسن نية من أجل
التعاون ولم تكن لهم أي نية خبيثة من أجل التفرد بها. نعم لقد شكلت هذه (الجمعية)
من قبل العرب واليهود والانجليز ولكن كما تشير الدراسة والحقائق التاريخية أن الدافع وراء تأسيسها كان
هدفا صهيونيا محضا، واستغلالها من قبل اليهود وتهميش العرب والاستمرار بها كان ضمن
الأهداف الصهيونية. نعم لقد دخل العرب كأعضاء في هذه الجمعية وهذه حقيقة تاريخية
غير قابلة للنقاش ولكن عضويتهم لم تستمر طويلا، لأنهم همشوا منها وأعلنوا استيائهم
من الممارسات اليهودية في الاستيلاء على هذه الجمعية .
كان الصراع على الساحة الرياضية في فلسطين بين
العرب واليهود جزء من مجمل هذا الصراع
القائم في ذلك الوقت ، فالصهيونية سعت بكل قواها منذ البدء لاستغلال الرياضة من
أجل تدريب الشبيبة اليهودية وإعدادها لبناء الوطن القومي ، كما واستغلت الرياضة من
أجل تهميش العرب وتمثيل فلسطين محليا ودوليا. هذا ما سعت إليه منذ العشرينيات. ففي
عام 1924 شكل اليهود ما يسمى بمنظمة كرة القدم للأندية من أجل ضم كافة
الأندية الصهيونية وتنظيم عملها، ومنذ عام 1925 سعى بعض قادة منظمة المكابي (منظمة رياضية أسست في أوروبا ثم انتقلت إلى
فلسطين) أن يضموا منظمتهم إلى الاتحاد الدولي للرياضيين الهواة. ولكن مساعيهم باءت
بالفشل لأن (المكابي) لم تكن تمثل العرب والانجليز واليهود في فلسطين بشكل متساو. بالتالي فإن هذه
المحاولة الفاشلة لم تثن من عزيمة )جوزيف ياكوتيلي) القيادي البارز في المكابي، فمنذ بداية عام 1925 حاول
(ياكوتيلي) أن يكسب عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم، وكانت الوسيلة الوحيدة
للوصول إلى هذا الهدف هي تأسيس ما سمي في ذلك الوقت ب "جمعية فلسطين لكرة
القدم" في صيف 1928 من قبل اليهود والعرب والإنجليز. ومن الجدير بالذكر أن تعاون
اليهود مع العرب لم يأت من دافع الود ، بل كل ما كانوا يسعون إليه هو تلبية متطلبات الاتحاد الدولي الذي
اشترط أن تضم هذه الجمعية أعضاء من العرب.
في حزيران 1929 قبلت هذه الجمعية في اتحاد كرة القدم العالمي (FIFA) ، وما أن
أصبحت (هذه الجمعية) عضواً في الاتحاد الدولي حتى بدأت مرحلة تهميش العرب من
الساحة الرياضية من خلال تفرد اليهود فيها ، فهم لم يلتزموا بالقوانين الداخلية،
فمن خلال تعاونهم مع البريطانيين استطاعوا الهيمنة على هذه الجمعية وإعطائها
الطابع الصهيوني سواء بجعل أنفسهم غالبية فيها أو بإدخال اللغة العبرية والعلم
العبري في شعارات هذه الجمعية.[4]
لقد كان انضمام هذه الجمعية إلى الاتحاد الدولي
بمثابة فرصة ثمينة من اجل إبراز الهوية اليهودية وتمثيل فلسطين على الصعيد
الدولي. وبهذا استطاع اليهود
بالتعاون ودعم من الجانب البريطاني أن يمثلوا "فلسطين" على الصعيد
الدولي في كأس العالم في عامي 1934 و 1938. ويجب أن يعي عزيزي القارئ أن فلسطين
العربية لم تتبار في عام 1934 مع مصر، إن الذين تباروا مع
مصر هم اليهود الذين أرادوا أن يمثلوا فلسطين لتظهر "يهودية" أمام
العالم ، كما أن تباري فلسطين (التي كان فريقها يخلو من أي لاعب عربي) الممثلة
باليهود مع مصر كان مع هذا البلد الشقيق الذي كان يخضع تحت الاستعمار
البريطاني الذي (أي البريطاني) بدوره كان يسعى من أجل ربط الفرق الرياضية المصرية
مع الفرق اليهودية في فلسطين.
لم يكن الفريق الفلسطيني لكرة القدم كما ذكر
في (النبذة التاريخية) أول
منتخب عربي آسيوي يشارك في تصفيات كأس العالم عام 1938 بل كان هذا المنتخب منتخبا
يهوديا مَثل فلسطين، وليس لفلسطين العربية
علاقة بذلك ، وليس هناك داع لأن يشير الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (الحالي) أن
"هذه حقيقة تغيب عن بال الكثيرين" ، فهذه الحقيقة هي حقيقة مزورة رضخ
لها الأشخاص غير المطلعين على تاريخ حركتنا الرياضية. واعتقد أنه يتعين على
العاملين في هذا الاتحاد مراجعة التاريخ.
ونرى اليوم الاتحاد
الدولي لكرة القدم (FIFA) يكرر في أدبياته أن "فلسطين" لعبت مع مصر في عام 1934،
غير ذاكر طبيعة الصراع في فلسطين في ذلك الوقت.[5] ويتبعهم
للأسف مجموعة من أفراد شعبنا الذين يجهلون التاريخ في طرح أفكار مماثلة، كما ويتبجح
الإسرائيليون اليوم من خلال أدبياتهم ومواقعهم الإلكترونية بأن "إسرائيل" شاركت
بكأس العالم في عامي 1934 و 1938 وأنها لعبت خمس مباريات دولية حتى عام 1948.[6]
بسبب هذه التجاوزات المشينة من قبل اليهود في
(جمعية فلسطين لكرة القدم) ونتائج ثورة
البراق عام 1929 قام القياديون الرياضيون
بتأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي في نيسان 1931 الذي دعا إلى مقاطعة الفرق
والرياضيين اليهود ، واستمر بالعمل والعطاء وكانت أعظم انجازاته تنظيمه لبطولة درع مؤتمر الشباب ودرع الملك غازي وتوج
نشاطاته عندما قرر بالتعاون مع مؤتمر الشباب لتنظيم مهرجان 14 تموز 1935 الذي
شاركت به الأندية الرياضية والفرق الكشفية والفرسان بخيولها العربية ، هذا
المهرجان الذي تخوفت منه سلطات الانتداب وحسبت له الوكالة اليهودية ألف حساب .[7]
استمر نشاط الاتحاد، إلا أنه تعرقل بسبب ثورة 1936 المجيدة حيث أغلقت العديد من
الأندية واعتقل أعضاؤها، واندثر عمله بشكل كامل في نهاية الثلاثينيات. ولكن
وبإرادة ووعي النشطاء الرياضيين فقد تمت لملمة الأوضاع وتكثيف الجهود في تلك
الفترة وأعيد تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي في أيلول عام 1944 وبدأت
مرحلة جديدة من النشاط المتفاني والعمل المنظم ، وقد حقق هذا الاتحاد نجاحات على
صعيد فلسطين والمنطقة العربية ورغم محاولة الصهاينة عرقلة عملة من خلال وسائل عديد
والتي منها استقطاب الرياضيين والأندية العربية إلى جانبها ، إلا أنه استمر في العمل
حتى نهاية 1947 ، ولو لم يبتلى شعبنا بنكبة عام 1948 لاستطاع هذا الاتحاد أن يضاعف
نجاحاته وأن تكون تجربته في الأربعينيات بمثابة قاعدة متينة للرياضة الفلسطينية الحالية
.
[1] لقد أشار
كاتب هذا المقال مراراً في مقالات عديدة إلى طبيعة الصراع الذي كان قائما على
الساحة الرياضية بين العرب واليهود في فلسطين.
http://electronicintifada.net/v2/article10484.shtml
[5] ومن المعروف أن إسرائيل كانت تضغط على الاتحاد الدولي من أجل تغيير اسم
فلسطين إلى "إسرائيل" إلا أن محاولاتهم ذهبت سدى.
[7] في نيسان عام 1933
تم الاتفاق بين مكتب اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشباب وسكرتير الاتحاد الرياضي
الفلسطيني على أن يقدم مكتب لجنة الشباب
درعا للفرقة المتفوقة في مباريات كرة القدم (سمي هذا الدرع "درع مؤتمر
الشباب" واستمر حتى عام 1938). وفي تشرين الأول من ذلك العام شاركت كل من هذه
الأندية في مباريات الاتحاد الرياضي وهي : النادي الرياضي العربي القدس ، النادي
الرياضي الإسلامي يافا ، النادي الساليسي حيفا ، نادي الشبيبة الأرثوذكسية يافا ،
النادي الرياضي الإسلامي حيفا ، نادي الروضة القدس ، نادي النجمة البيضاء حيفا.
No comments:
Post a Comment