Saturday, February 15, 2014
الحركة الرياضية في فلسطين ... دروس وعبر
عصام الخالدي
إن الفهم الصحيح والشامل للصهيونية لا يكتمل إلا بدراستها من جميع جوانبها
ونشاطاتها. فالرياضة كعنصر من عناصر الثقافة كانت وسيلة فعالة استخدمتها الصهيونية
من أجل تحقيق أهدافها في فلسطين ، من خلال محاولة سيطرتها على الحركة الرياضية منذ
بدء الهجرة اليهودية وحتى عام النكبة. لقد قامت الحركة الرياضية الفلسطينية على
أسس وطنية ، اجتماعية وتنظيمية ، واستطاعت ان تلعب دوراً فعالاً في دعم الحركة
الوطنية وأرست صرحاً للثقافة الفلسطينية وذلك من خلال الانشطة الفعالة للأندية وتنسيق
عملها تحت لواء الاتحاد الرياضي الفلسطيني.
لقد بلغ عدد الاندية العربية في فلسطين قبل النكبة
خمسة وستين نادياً. كان خمسة وخمسون منها
مسجلة في الاتحاد الرياضي الفلسطيني. وهذه الأرقام تعكس حقيقة الأكاذيب التي كانت
الصهيونية تحاول إيصالها الى العالم موهمة أن الشعب الفلسطيني ليس له نشاطات
ثقافية ، ولا تربطه بالحضارة والقيم الانسانية أي رابطة.
يكتب (هرتسل) في مذكراته معبراً عن الروح
العنصرية والأهداف الاستيطانية "يجب أن أدرب الاولاد بأن يصبحوا جنوداً....
يجب أن أعلم كلاً منهم أن يكون حراً ، قوياً ، جاهزاً لأن يخدم متطوعاً عند الحاجة
إليه. يجب أن يكون الشباب مهيأ على خط المعركة ، في كتائب العمل ، مهيأ من أجل
النضال ضد السكان الأصليين الذين احتلوا أرضه". [1]
لقد تم التركيز منذ البدء على عامل الشباب
وحالتهم البدنية التي سوف تساعدهم على حمل السلاح والقتال، واعتبار النشاط الرياضي
وسيلة مهمة في إعدادهم. في عام 1903 تم توحيد المنظمات الرياضية في العالم في
منظمة رياضية واحدة. وذلك بمقررات المؤتمر الصهيوني الذي عقد في بازل في سويسرا.
في عام 1921 وفي مؤتمر (كارلسباد) في المانية أعلن عن تأسيس منظمة رياضية صهيونية
عالمية مركزها برلين، حيث أصبحت فيما بعد تضم مئتي ألف عضو من جميع أنحاء العالم.
وكان الأمر المطروح أمام هذه المنظمة هو الهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
كان الصهاينة يسعون دائماً إلى إيجاد أفضل
الوسائل من أجل إدخال المزيد من المهاجرين إلى فلسطين. فكما يشير عيسى السفري في
كتابه (فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية) أن الصهاينة استنبطوا منذ عام
1924 حيلا جديدة لإدخال المزيد من المهاجرين اليهود إلى البلد ، عن طريق التهريب
والخديعة . وتظاهروا بالرضوخ للقيود التي ينص عليها قانون الهجرة ، وتحويل العديد
من طالبي الدخول إلى فلسطين ، ثم إخفائهم في المستعمرات. وكانت إحدى هذه الوسائل
هو (المكابياد) وهو مهرجان رياضي على نسق الألعاب الأولمبية، دعت له القيادات
الصهيونية عام 1929. كانت تشارك فيه الشبيبة الصهيونية من أنحاء العالم حيث يبقى
جزء كبير منهم بلا عودة . [2] وقد
أقيم أول مكابياد عام 1932 شارك فيه رياضيون من حوالي اثنتين وعشرين دولة.
مع بدء الهجرة إلى فلسطين أخذت العديد من
المنظمات الصهيونية التي كانت ترعى نشاطات الشباب بالانتقال إلى فلسطين ونقل
مراكزها هناك. (فالمكابي) مثلاً حركة تعود جذورها إلى عام 1982، أسست في اسطنبول
من قبل اليهود اللأتراك ، وأسست فيما بعد في روسيا عام 1913 وكانت تؤدي خدمة جليلة
لتحقيق أهداف الصهيونية . يقول بن غوريون عن مؤسسة (الهابوعيل) الرياضية
التي أسست في فلسطين عام 1926 "أنها ليست مؤسسة رياضية فحسب ، بل هي قلعة
الطبقة العاملة، ويتحتم عليها مساعدة المهاجرين الجدد".[3]
وفي عام 1943 تم محاكمة عضويها (راخلين وسيركين) بتهمة تهريب السلاح إلى فلسطين من
طبرق. وقد كان لهذا النادي علاقة وطيدة مع منظمة (الهاغاناة) الفاشية في ذلك
الوقت.
ومن المعلوم أن الصهيونية كانت تعطي الأولوية في
الهجرة لعناصر الشباب – أي لهؤلاء القدرين على حمل السلاح. ويشير (السفري) أيضاً
إلى أن "لليهود في فلسطين فرقاً كشفية تضمها جمعية رياضية صهيونية باسم
" المكابيين" والأعضاء المنتمون إلى هذه الفرق جميعهم من الشبان
والشابات المتحمسين للوطن اليهودي، وخصوصاً شباب الإصلاحيين اتباع (جابوتنسكي
وترمبلدور) يتعلمون منهم الفنون العسكرية تحت ستار الألعاب الرياضية". [4]
لقد قام الصراع العربي الصهيوني في المجال
الرياضي وكان محاولة من الصهاينة للسيطرة على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أو ما
سمي "بجمعية فلسطين لكرة القدم" التي أسست عام 1928 ، حيث دخلت الفرق
العربية في عضوية هذا الاتحاد. فيما بعد اصبحت عضواً في الاتحاد الدولي لكرة القدم
(الفيفا). لقد وضع الصهاينة كامل نفوذهم في هذا الاتحاد من خلال زيادة انتساب
الفرق اليهودية إليه ، ووضع شعار الاتحاد باللونين الأبيض والأزرق وجعل اللغة العبرية
هي اللغة الأساسية على هذه الشعار ، ولم تكن اللغة العربية في البداية تدخل ضمن
المراسلات الرسمية للهيئة. حيث تم إدخالها فقط بعد العديد من الاعتراضات من الجانب
العربي ، ووضعت الكلمات العربية تحت
الكلمات العبرية . وعلى صعيد الحكام الرياضيين فقد كانت رابطة الحكام تعترف باللغة
العبرية فقط ، وكان شعارها مطبوعاً على الأوراق الرسمية بالعبرية فقط. لقد اضطر
الحكام العرب إلى وضع شعار الجمعية وذلك ضمن دورات لرفع كفائتهم فقط ، لكنهم رفضوا
وضعه بشكل دائم ، كما ورفضوا طلب الرابطة بهذا الشأن.
لقد شعر قياديو الحركة الرياضية في فلسطين بخطر
المد الصهيوني داخل هذه الحركة فاعتزموا الانسحاب من "جمعية فلسطين لكرة
القدم" لأسباب منها عدم إشراك الأندية العربية في إدارة شؤون الاتحاد، وعدم
استخدام اللغة العربية في إدارة شؤون الاتحاد ، وعدم تعيين حكام عرب لإدارة
المباريات ، وقد أعلنت الأندية العربية أن هذا الاتحاد لا يمثل الأندية العربية في
فلسطين.
في أيار 1931 تأسس الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي). فيما بعد توقف عن
النشاط بسبب اندلاع ثورة 1936 المجيدة . لقد استطاع اليهود تمثيل فلسطين على
الساحة الدولية عندما تباروا مع مصر في بطولة كأس العالم عام 1934 ومع اليونان عام
1938. وفي مباراة ودية مع لبنان عام 1940 . وحاولوا تمثيل فلسطين أيضاً في اللجنة
الاولمبية العالمية من خلال اللجنة الاولمبية الفلسطينية التي شكلت عام 1933.
في حزيران 1943 أخذت الفرق العربية بالانسحاب من
جمعية فلسطين لكرة القدم ، ودعا قياديو الأندية المختلفة إلى التباحث فيما بينهم
أجل تشكيل اتحادات محلية. وكانت زيارة فريق الجيش المصري لكرة القدم حافزاً فعالاً
لتكوين كتلة عربية، فتشكل اتحاد محلي في كل من يافا والقدس. وأبى اتحاد الجيش
المصري أن يزور فلسطين إلا إذا كان لاشقائه
العرب نصيبهم من هذه الزيارة فتحقق أمله باتحاد القدس وحيفا وبأندية يافا. فيما
بعد رأت هذه الاتحادات المحلية إضافة إلى اتحاد فلسطين للملاكمة أنه من الأنسب
إعادة تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني العام الذي ضم أندية فلسطين غير اليهودية.
في أيلول 1944 تم إعادة تشكيل الاتحاد الرياضي
الفلسطيني عندما لبى خمسة وثلاثون نادياً دعوة لفقد اجتماع رياضي في مدينة يافا ،
فيما بعد أخذت تتوالى على الاتحاد طلبات انضمام العديد من الأندية في فلسطين . كما
وزعت من قبل الاتحاد تعميمات إلى قياديي الأندية من أجل الانضمام إلى الاتحاد ،
وأرسلت هذه التعميمات إلى سكريتيري الاتحادات الرياضية في البلدان العربية
المجاورة تشعرهم بتشكيل الاتحاد العربي رغبته في توثيق العلاقات الرياضية والودية
مع الأقطار الشقيقة. كما وزع شعار الاتحاد على المناطق بفلسطين ، وعمم عليها
القانون الأساسي والداخلي. قسم الاتحاد الأندية حسب المناطق إلى 1) غزة 2) القدس
3) نابلس 4) الجليل 5)حيفا 6) يافا . وكانت أهداف الاتحاد تتلخص بتنظيم العلاقات
الرياضية والودية بين فلسطين والبلاد العربية المجاورة ، والاشتراك في الجمعيات
والمؤتمرات الدولية العامة والخاصة ، وتنظيم الألعاب الرياضية على مختلف أنواعها
لتحقيق هذه الغايات.[5]
نبه
القانون الأساسي إلى ضرورة عدم التقارب مع الفئات اليهودية ، فالمادة (6) تقول:
يتألف الاتحاد من الأندية الهيئات العربية وغير اليهودية في فلسطين ، ويشترط أن
تمارس لعبة واحدة من الألعاب الرياضية على الأقل وأن لا يكون يهودي بين أفراد
فرقها الرياضية . وفي المادة المتعلقة باللجنة المالية المركزية ، في البند (ب) ،
تذكر أن أحد مصادر التمويل للاتحاد هي الهبات والتبرعات التي ترد من أشخاص رياضيين
أو هيئات غير يهودية . كما ودعا القانون الأساسي الفرق العربية لاختيار أي حكم
تريده لتحكيم المباريات بشرط أن لا يكون الحكم يهودياً. [6]
لقد كان الطابع المميز للحركة الرياضية قبل
إعادة تأسيس الاتحاد (في عام 1944) هو ضعف البنية التنظيمية لهذه الحركة ، فمساهمة
الأندية ضمن الإطار الرياضي العام كانت مساهمة عشوائية عفوية في دعم الحركة
الرياضية بشكل خاص والوطنية بشكل عام . لقد كان تشكيل الاتحاد خطوة عظيمة من أجل
تحسين نوعية عمل الأندية وخلق علاقات منظمة فيما بينها من أجل دفع الحركة الرياضية
للأمام وإعطائها دوراً مهماً في نوعية النضال ضد الهيمنة الصهيونية.
سعى الاتحاد إلى تمثيل فلسطين بالاتحاد الدولي
لكرة القدم (الفيفا) حيث كانت جمعية فلسطين لكرة القدم (التي كان يهيمن عليها
الصهاينة) هي التي تمثل فلسطين في هذا الاتحاد. ففي المذكرة التي أرسلها الاتحاد
الرياضي الفلسطيني إلى الاتحاد الدولي وضح فيها طبيعة التناقض بين عمله وبين عمل جمعية
فلسطين لكرة القدم مشيراً إلى هذه الأسباب التي كان لها خلفية سياسية محضة ، أهمها
زيادة الهجرة والاستيطان في فلسطين ، كما وأعطى لمحة عن الوجه السياسي للمشكلة في
فلسطين ، مشيراً إلى السياسة الخاطئة للانتداب البريطاني – التي كانت مصدراً لكل
المشكلات والتي عملت على تصعيد التصادم والاضطرابات بين العرب واليهود التي كان
آخرها في عام 1936. وتشير المذكرة إلى أنه كانت هناك علاقات جيدة بين الفرق
العربية وجمعية فلسطين لكرة القدم وذلك في بداية الثلاثينات عندما كان اليهود
يشكلون أقلية سكانية .
وعندما كانت هذه الجمعية في المراحل الأولى
لنموها ، كان اليهود يسعون ويحاولون جاهدين لنيل نصيب الأسد في الهيئة الإدارية
"لنا نحن كعرب قناعة خاصة بعروبة فلسطين وأننا لا نجد مبرراً منطقياً أو
قانونياً للتعامل الفوقي ولممارسات (الجمعية).. من السهل أن يقع أحد المراقبين
الأجانب ذوو النية الطيبة أسيراً لانطباع كذب بأن فلسطين هي بلد يهودي .... وليس
مستغرباً بأن بعضكم يعتقد ذلك ... هكذا كان موقف اليهود وجمعيتهم التي تجاهلت
العرب وحسهم القومي ، وعملت على اغتصاب غير قانوني لحقوقهم ... بالطبع لم يستطع أن
يتحمل الفلسطينيون هذه الممارسات القبيحة وتبرأوا من خلال تصريحاتهم من هذه
(الجمعية) وانسحبوا منها".[7]
لقد طلب الاتحاد الرياضي الفلسطيني من (الفيفا)
السماح لفلسطين بأن تمثل باتحادين : أحدهما للعرب والآخر لليهود، حيث قدر رغبة هذا
الاتحاد الدولي في التوفيق بين مطالبه ومطالب جمعية فلسطين لكرة القدم ، ولكن
وبتواضع نقول بأنه لا يمكن لأعضاء اتحادكم النجاح في عمل ما قد فشل إداريون
بريطانيون في تحقيقه.[8]
وقد نوقش طلب انضمام الاتحاد الرياضي الفلسطيني
في المؤتمر الدولي (الفيفا) الذي عقد في لوكسمبرغ في تموز 1946. في هذا المؤتمر
تحدث مندوب (الجمعية) قائلاً : إن الجمعية هي اتحاد ديمقراطي يضم أكثرية يهودية ،
وهذا لا ينفي وجود عضو عربي واحد في صفوفه. فإذا انضمت الأندية العربية إليها
وكانت تشكل الأكثرية، فلها أن تشكل اللجنة الإدارية كما تشاء. وهذا برهان على
ديمقراطية (الجمعية) ، وانكار للأساليب الخبيثة التي استخدمها الصهاينة في السيطرة
على هذه (الجمعية) . في نهاية حديثه أشار إلى أن عدد الأندية العربية في فلسطين لا
يتجاوز الأربعة أو الخمسة وأن هذه المسألة هي مسألة رياضية بحته، وأنه يقترح رفض
الطلب.
لقد كان عد الأندية العربية في فلسطين حوالي
الستين نادياً في تلك الفترة. أما أن هذه المسألة مسألة رياضية بحتة وليس لها أي
طابع سياسي، فذلك لأن الصهاينة يحاولون تسخير الرياضة من أجل تحقيق أهدافهم من
جانب ، ومن جانب آخر يحاولون إيهام العالم بأنه ليس هناك علاقة بين الرياضة
والسياسية. وكأن الحركة الرياضية في فلسطين كانت بمعزل عن الآلام والنكبات التي
أصيب بها الشعب العربي في فلسطين وحقوق وطنه في الاتحاد الدولي (الفيفا).
لقد أوضح المندوب اللبناني مهمات الاتحاد الدولي
التي تتلخص بأمرين: أولهما السهر على حسن علاقاته مع الدول المنضمة إليه ، والثاني
السعي لضم كل هيئة تمارس لعبة كرة القدم إليه ، وأن تشكيل اتحادين في فلسطين
واعتراف الحكومة بهما ما هو إلا استياء بعض الهيئات الرياضية من البعض الآخر ، وهو
نتيجة للحالة السياسية القائمة في البلاد ، وهذا التوتر الذي اشتد بين العرب
واليهود أدى إلى القطيعة الرياضية بين الاتحادات العربية و جمعية فلسطين لكرة
القدم . في هذا المؤتمر أيضاً قرأ نائب الرئيس برقية من الاتحاد المصري لكرة القدم
واقترح فيها قبول الاتحاد الرياضي
الفلسطيني عضواً في الاتحاد الدولي (الفيفا) . فيما بعد تحدث مندوب البرازيل
مشيراً إلى أن بلده مع القانون، لذلك لا يجوز قبول انضمام الاتحاد الرياضي
الفلسطيني ، إنما على المؤتمر العمل على إيجاد حل للحالة القائمة في فلسطين. كما
ودعت بعض الدول في هذا المؤتمر الى أن تكون في فلسطين لجنتان تهتم كل منهما بشؤون
الأندية الخاصة بها.
لقد كان واضحا أن أكثرية أعضاء الاتحاد الدولي
كانو منحازين لجمعية فلسطين لكرة القدم ، ولذلك جاءت أكثرية الأصوات ضد انضمام
الاتحاد الرياضي الفلسطيني إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم . واستطاعت الفرق
والاتحادات الصهيونية تمثيل فلسطين على الصعيد الدولي ، ذلك مما اكسبها إمكانية الاتصال
مع الفرق الرياضية العالمية وإقناعها بوجود نشاط رياضي لليهود في فلسطين. وتشير
صحيفة فلسطين إلى اشتراك فلسطين في بطولة العالم الرابعة عشرة في تنس الطاولة وفي
كأس سويتلنج للرجال التي فازت فيها (فلسطين) على الدانمرك ، والذين مثلوا فلسطين
هم اليهود.... هذه اشارة عابرة والذي نرجوه أن يحاول الاتحاد جهده للاشتراك في مثل
هذه المباريات الدولية. [9]
كانت هناك دعوات مستمرة للاشتراك في الألعاب الأولمبية ، لإعداد فريق
لألعاب القوى ولأنواع رياضية أخرى. وقد انتقد الاتحاد ولجنته لألعاب القوى أعضاءها
في تحميلهم تبعية تقصير الأندية العربية وإهمالها لهذا النوع من الرياضة.
في آذار عام 1947 تلقى الملاكم الدولي المعروف
أديب الدسوقي خطاباً من المكتب العربي في واشنطن يظهر فيه أسفه لعدم تمكنه من
إقامة مباريات للملاكمة بين أديب وأبطال أميركا لأن المسيطرين على هذه الحركة هناك
يهود ، غير أن بعض الأخوان الرياضيين هناك تغلبوا على هذه المشكلة واتفقوا على
إقامة مباراة بين بطل شيكاغو وأديب ، وأرسلوا إليه برقية يستدعونه فيها ، غير أنه
مع الأسف لم يبت في أمر هذه الدعوة لسبب مالي . وقد أرسل الدسوقي إلى الهيئات
السياسية والقومية راجياً مساعدته في السفر . وتلقى فيما بعد كتابين من المكتب
العربي بالقدس وبيت المال العربي ، وكان كتاب المكتب العربي يتضمن الأسف لعدم
تمكنه من مساعدته.
وعموما ، لقد خطت الحركة الرياضية الفلسطينية
خطى سريعة للأمام وذلك بعد تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني ، ولكنها في الوقت
نفسه واجهت مصاعب ومشكلات ذاتية وموضوعية أدت إلى عرقلة مسيرتها، مما أعطى الأندية
الصهيونية ميزة التفوق في هذا المجال. فالقيادة الرياضية كانت مرتبطة مع القيادة
الوطنية التقليدية التي كانت تعتبر الانتداب البريطاني حكماً في حل النزاع في
البلاد وليس خصماً أساسياً. هذه القيادة التي لم تكن حكيمة ومؤهلة فعلياً وقادرة
على تهيئة الظروف للاستفاة من الطاقات والمواهب التي كانت متوافرة لدى الشباب
العربي في تلك الفترة. وعلى صعيد عمل الأندية ضمن الاتحاد فقد خالفت العديد من الأندية النظام الداخلي
وتم شطب العديد منها. فعلى الرغم من المقاطعة التي اعلنت من قبل الاتحاد ، فقد
لوحظ أن بعضها وبالذات التي كانت تمثل الجمعيات والإرساليات الآجنبية كانت تتلاقى
والفرق اليهودية ، غير آخذة بالحسبان متطلبات الوضع في تلك الحقبة من الزمن . ولا
ننسى مشكلة أخرى هي ظاهرة التخلف الاجتماعي التي كانت تنعكس من خلال الفهم الخاطىء
لطبيعة النشاط الرياضي ودوره في خلق اجيال
قوية بدنيا ومعنويا. [10]
ومع هذا فقد وجدت في فلسطين منظمات واكبت
الحركة الرياضية ، حيث لعبت دوراً مهماً في صقل الشخصية الفلسطينية وشحنها بروح
الانتماء : الحركة الكشفية والشبابية اللتان كانتا تمثلان بمنظمتين كان نشاطهما
متداخلاً مع النشاط الرياضي وموازياً له في أكثر الحالات. لقد دعمت الحركة
الشبابية النشاط الرياضي منذ مؤتمرها الأول الذي عقد في يافا عام 1932 ، فقد تم
بحث مسائل عديدة تتعلق بالتعليم القومي ومشروع صندوق الأمة والحركات الرياضية
والكشفية ، وتم الاتفاق على وضع ميثاق وطني عام لشباب فلسطين الذين أعلنوا رفضهم
للتجزئة العربية.
أما المنظمات الكشفية التي كانت في بداية
تأسيسها في العشرينيات ، فقد عملت على تأسيس فرق خاصة بها وتبارت مع الفرق
الرياضية للأندية المختلفة. لقد أولت هذه المنظمة اهتماماً بالرحلات سواءًً مشياً
على الأقدام أو بالدراجات الهوائية وبالإعداد البدني الجيد الذي يؤهل الكشاف
لتأدية مهماته.
جاء في تقرير الحكومة الرسمي لسنة 1935 تحت
عنوان "عناصر الشباب" (كان من الظواهر التي لها مغزاها في الحركة
الوطنية العربية تقوية جماعات الكشافة ونوادي الرياضة المختلفة ودخول الشباب على
وجه اعموم في مؤسسات منتظمة تحت أسماء مختلفة ، ولم يكد آخر العام يجيء حتى كانت
عناصر الشباب قد وطدت مركزها . [11] فقد كان أعضاء الأندية الرياضية وفرقها الكشفية
يقومون دائما بواجبهم الوطني من خلال مساهمتهم في المظاهرات ضد الانتداب أو في نقل
الجرحى والقتلى أو في حراسة الشواطىء لمنع تهريب الصهاينة.فبعد مظاهرة أبو كبير في
يافا عام 1933 تألفت على الأثر فرقة من الكشافة التجولة الإسلامية ، وكشافة نادي
الشبيبة الأرثوذكسية ، وكشافة النادي الرياضي الإسلامي تعلو زنودهم شعارات عليها
الصليب يعانقه الهلال. وقد قامت هذه الفرقة بأعمال مجيدة في نقل الجرحى والمصابين
إلى عيادات الأطباء والمستشفيات. [12]
وعلى الرغم من اعتراف الحكومة بتفاقم الهجرة
اليهودية غير الشرعية وخطرها ، فانها لم تقم بوسائل فعالة لمنع التهريب والحيلولة
دونه ، حيث دفع ذلك العديد من الأندية أمام إهمال الحكومة وتغاضيها إلى أن يقوم
أعضاؤها بحراسة سواحل بلادهم . وفي 13 تموز 1934 عقدت اللجنة التنفيذية لمؤتمر
الشباب العربي الفلسطيني جلسة خاصة قررت فيها أن يقوم الشباب أنفسهم بحراسة
السواحل والحدود بالمناوبة ، لمنع تهريب اليهود تحت اسم لجنة حراسة السواحل
والحدود.
وبعد تأسيس الاتحاد كان الاتجاه الوطني يعكس من خلال الصحافة الرياضية في
فلسطين ، الرقابة على الصحافة من قبل الاتحاد ومن دعوة الاتحاد إلى تأجيل
المباريات بمناسبة الذكرى السنوية لوعد بلفور الشؤوم وتضامنه مع مختلف الهيئات
استنكاراً لهذا الوعد الجائر. ودعوة اللجنة المركزية للاتحاد الأندية الرياضية
والرياضيين إلى مشاطرة الاتحاد السوري لكرة القدم والسوريين آلامهم في النكبات
التي اصيب بها السكان في سورية بارسال مبلغ من المال إلى الاتحاد السوري لتصرف على
منكوبي الاضطرابات. وقد طلب الاتحاد من الأندية الفلسطينية أن تساهم بقدر المستطاع
في دعم القطر السوري الشقيق بإرسال تبرعات ، وقد لبت العديد من الأندية هذا النداء
، حيث أقيمت عدة مباريات ورصد ريعها لهذا الغرض. (عندما احتل الفرنسيون دار
البرلمان السوري وحاولو عرقلة الحياة الدستورية بالحديد والنار).[13]
وكان الاتحاد يوجه أحياناً التهاني إلى بعض الرياضيين بعد خروجهم من المعتقل ، حيث
كانت الملاعب تحرم منهم لمدة طويلة بسبب نشاطهم الوطني. ودعماً للجرحى والأسرى
الذين سقطوا في الحرب فقد دعا الاتحاد إلى تقديم ريع المباريات لمساعدتهم ، عن
طريق الصليب الأحمر.
هناك سمة أخرى اتسمت بها هذه الحركة بعد إعادة
الاتحاد إضافة إلى السمة الوطنية والتنظيمية وهي الاجتماعية ، فقد حاول الاتحاد الاعتماد على المشاركة الفعالة
من قبل قطاع واسع من المواطنين والوجوه
الاجتماعية المعرفين بنشاطهم التطوعي لدعم الأندية ولجان الاتحاد ، من خلال
التبرعات المالية وتقديم الكؤوس والجوائز للمساهمين في المباريات أو القيام
بنشاطات عملية كالتدريب والتحكيم وغيرها.
جرت هناك من قبل الاتحاد اتصالات عديدة مع
البلديات والمؤسسات الاجتماعية والطلب منها تقديم الدعم المالي ، حيث أصبح الكثير
منها يقترح تقديم الجوائز تشجيعاً منها للرياضة والاتحاد ، ففي بطولة فلسطين في
كرة القدم عام 1945 بين فريقي النادي الإسلامي ونادي الاتحاد الأرثوذكسي في القدس
قدم درع هذه البطولة من قبل بنك الأمة العربية تحت رعاية أحمد حلمي باشا. وفي كانون
الأول عام 1947 أقام المعهد الأولمبي بيافا حفلة للمصارعة والملاكمة حيث رعى هذه
الحفلة الدكتور يوسف هيكل رئيس بلدية يافا. وغيرها من عشرات المباريات والمنافسات
" وهذا الدكتور عزت طنوس المعروف بنشاطه في حقل الحياة الاجتماعية والسياسية
وبروحه الطيبة الوثابة يقوم بواجب المساعدة في تأسيس بناء النهضة الرياضية . قرأ
ما كتبناه في هذا الباب موجهاً إلى الاتحاد الرياضي بضرورة تقديم درع فضي للفرقة
التي تفوز في اللعبة. فتدخل وكتب إلينا يبدي إعجابه بالفكرة الطيبة واستعداده
لتقديم هذه الدرع الفضي. [14]
إضافة إلى الفرق الرياضية للأندية المنظمات
الكشفية كانت هناك الرياضة المدرسية والفرق التي كانت ممثلة بالاتحادات العمالية
وفرق "الانتداب البريطاني" مثل فريق البوليس والجيش ، حرس الشواطيء ،
الهندسة الملكية وغيرها. وقد كانت هذه الفرق تلتقي في مباريات مع الفرق العربية
والصهيونية ، وفرق الجمعيات الإرسالية في فلسطين ومع فرقها المماثلة في الأقطار
الأخرى. كانت لقاءات المنتخب الفلسطيني (العربي) لكرة القدم تجري مرة واحدة كل عام
مع منتخب الجيش البريطاني في فلسطين.
كانت دائرة المعارف تشرف على حوالي الخمسمائة
مدرسة ما بين ابتدائية وثانوية منتشرة في أنحاء البلاد، ولم يكن فيها غرفة
لاستخدامها صالة للتدريب ولا ملعب مجهز بمرافق صحية ورياضية . كانت تشرف على سبعين
ألف طالب ولا تعين لتدريبهم سوى اختصاصي فني واحد ، ولم تفكر في إرسال بعثات
للتخصص في هذه المادة. لقد كانت الحفلات الرياضية في المدارس الحكومية دون تغيير
أو تعديل منذ عام 1922 وحتى عام 1947 مع خلوها من الرياضة الحقة المشمولة بالروح القومية.
وعندما تقدم بعض الوطنيين في دائرة المعارف بآراء واقتراحات حول النهوض بالرياضة لم
يفلحوا. يكتب حسين حسني في صحيفة "فلسطين" (ومن الطبيعي ما من مجيب لأن
المشرفين السابقين سيطروا على هذه الناحية. أيضاً لعبت السياسة الاستعمارية دورها
وضللت العقول. فاوهمت البسطاء أن العلم هو حشو الأدمغة بالمعلومات وحشو النظريات
العلمية في عقول النشء. لا يا جناب المدير فلئن صحت هذه السياسة في الماضي فإنها
أصبحت عتيقة تجوز حتى على عقول النشء ...
ونحن نرجو أن يكون لدائرة شؤون التربية والرياضة منهج رياضي قومي وأن توجه الطلاب الوجهة
الصالحة بلا لف ولا دوران). [15]
المراجع:
[10] عصام الخالدي
، السمات الاساسية للاتحاد الرياضي الفلسطيني ، البيادر السياسي ، القدس ، العدد
33 ، ص 55- 58.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment