عصام الخالدي
من المعلوم أن كثير من أنواع الرياضة في
فلسطين بدأت مع دخول البريطانيين إلى فلسطين ، إلا أنه كانت تتواجد هناك أنواع رياضية
قبل دخولهم مثل كرة القدم والمصارعة التي تعززت وأخذت شكلاً متطوراً وانتشرت بعد دخولهم . ولا أحد ينفي بأن
البريطانيين أحضروا معهم رياضات مختلفة لم يفرضوها على فلسطين بل فرضوا انتدابهم
الذي ساعد في تحقيق الحلم الصهيوني
فلسطين. وقد كان وجود الفرق الرياضية العسكرية البريطانية يعمل
لصالح الانتداب أولاً ثم لصالح الفرق اليهودية التي كانت زعاماتها مرتبطة بمصالح
جمة مع الانجليز.
من المعروف أن رياضة سباق الخيل كان لها مكانة هامة في بريطانيا والغرب بشكل عام بين أنواع الرياضات الأخرى ، كما أنها كانت سائدة في المستعمرات البريطانية . والذي ميز سباق الخيل أنها كانت تعتمد على المراهنات التي هي بمثابة قمار كان لها بعض الأحيان عواقب وخيمة على المواطن الفلسطيني الذي كان محاطاً في ذلك الوقت بمشاكل سياسية واقتصادية جمة.
تحت عنوان سباق الخيل الرابع في يافا في نيسان
1923 ورد خبر في صحيفة (فلسطين) مفاده أنه سيقام سباق للخيل في سلمة نهار الأربعاء
الواقع في 11 نيسان سنة 1923 ويبتدئ في الساعة الثانية بعد الظهر. ويتضمن هذا
الخبر الأشواط الستة مواعيدها ومقدار جوائزها ورسوم الدخول فيها ومسافتها. وقد ورد في
نهاية هذا الخبر أن "كل من يريد أن يدخل عضواً في لجنة السباق عليه أن يرسل اشتراكه
مائة غرش للسكرتير الشرفي وهذا الاشتراك يخوله حق الدخول إلى ساحات السباق مجانا
بشرط أن يحمل في عروته زر لجنة السباق. الاشواط 2، 3 ، 4، 5 يلبس المتسابقون فيها
ثيابا ملونة يعلنونها عند الدخول وعليهم أن يذكروا اوزانهم وأن يكونوا حاضرين في
الوقت المعين.[1]
قام
الانجليز في بداية العشرينيات بتأسيس ناد خاص لسباق الخيل أسموه بنادي (الجمخانة)
، حيث كان البوليس وجاندرمة فلسطين وموظفو الإدارة البريطانية هم الذين يمارسون
هذا النوع من الرياضة. في نيسان 1928 تقرر
تغيير اسم هذا النادي إلى "نادي السباق اليافي" بعد أن أصبح يضم أعضاء
من العرب يشاركون في إدارته منهم أنطون كسار ، الياس برتقش ، جبرا العيسى وايليا عبد النور. أصبح يعرف فيما بعد بنادي الاتحاد اليافي وقد
أقام أول حفلة له صرفند في نيسان من ذلك العام. وكما جاء في صحيفة (فلسطين) أن إقبال الوطنيين على
حضورها كبيرا جدا بالنسبة إلى عددهم في الحفلات السابقة التي كان يقيمها نادي
الجمخانة الفلسطيني. ولا عجب في ذلك فقد بذلت إدارة هذا النادي كل جهد لراحة
المتفرجين وذهابهم إلى صرفند ورجوعهم منها بواسطة سيارات خاصة اعدتها لهذا الغرض.
وقد حضرت السباق الأخير عدة عائلات فسرت كثيرا من مشاهدة الجياد في ميدان السباق .
وقد ربح من الوطنيين الخواجا إيليا عبد النور مبلغ 14 جنيها في سباق واحد بطريق
المراهنة. [2]
في عام 1926 تأسس (نادي تشجيع الرياضة) في
مدينة عكا ، ففي السنة الأولى من تأسيسه قام بحفلة رياضية كبيرة ومسابقات في الخيول
والدراجات والركض وشد الحبل والقفز. وكما تشير الوثائق التاريخية إلى أنه وفيما
بعد ، تحول هذا النادي إلى مركز للمراهنات في سباق الخيل ، حيث بدأت تظهر في نهاية
العشرينيات وأوائل الثلاثينيات سلسلة من المقالات للأديبة أسمى طوبى من عكا
والكاتب اللبناني مصطفى العريس ومن محرر صحيفة (فلسطين) أيضا حول فواجع القمار
المشينة من المراهنات في سباق الخيل في بيروت وغيرها. ففي إحدى المقالات التي وردت
في هذه الصحيفة في أيلول عام 1931 التي تعكس هذا الاستياء الشعبي من هذا النادي
" ولو أن هذا النادي الموقر [نادي تشجيع الرياضة] يسعى حقيقة لتشجيع الرياضة
وفي مقدمتها سباقات الخيل لكنا حمدنا صنعه ولكنه على ما ظهر يريد أن يكون له من
وراء ذلك تجارة مادية يملأ من ورائها صندوقه . ومن يملأ هذا الصندوق أيها القارئ الكريم .... إنني
اعتقد أنه لو كانت غاية هذا النادي الوحيدة هي تشجيع الرياضة لكان أعار تلك
الكتابات حول " فواجع سباق الخيل" شيئا من الأهمية والاعتبار فألغى
المراهنات ودعا الناس إلى حفلاته للتفرج وليس للمراهنات والغريب أنه يعلن في سباقه
"الثامن" أن قيمة الجوائز ستكون خمسين جنيها. فمن أين يدفع النادي هذه
الخمسين جنيها ياترى؟ أتنزل إليه من السماء؟ أم أنه يلتقطها من الأرض؟ أم تقذف به
شواطئ البحر؟ ".[3]
وحول هذا النادي ورد خبر في صحيفة (الكرمل) في
أيار 1932 "جاءنا من نادي تشجيع الرياضة في عكا أن سباق الخيل التاسع سيعقد
في ساحة السباق يوم الاحد الواقع في 21/6/ 1932 وأنه سيقدم جوائز للرابحين بمبلغ
خمسين جنيه فلسطيني وسينقل المتفرجين قطار خاص من حيفا بأجرة مخفضة. [4]
وفورا وتحت عنوان (سباق عكا) انتقدت صحيفة (الكرمل) هذا السباق موضحة أن "من جملة وسائل ابتزاز الأموال من الاهلين
الذين اصبحوا لا يملكون إلا الدفع هذه السباقات التي يقيمها نادي تشجيع الرياضة في
عكا فإنه لا يمضي شهر واحد إلا ويأتينا بأخبار سباق جديد. فقد اقيم السباق التاسع
في شهر حزيران وها هو بعين اليوم ال 17 من الشهر الحالي للسباق العاشر وهكذا
دواليك. فهل في فلسطين من راحة البال وسكون الفكر في هذه المرتبة حتى تصرفهم مثل
هذه الألعاب إلى صرف اموالهم عليها بين شهر وآخر. والعادة المتبعة في السباقات أن
يكون في السنة أو في احدى مواسم السنة مرة وهذا يكفي." [5]
في نهاية العشرينيات تأسس نادي (السبق في صرفند) الذي انحل في بداية الثلاثينيات بعد أن ذهبت الأرض من الأعضاء . وعندما تأسس (نادي السبق اليافي) قرب قرية سلمة الذي افتتحه فريق من الشبان اليافيين . في تشرين أول 1934 عرض أعضاء النادي الأول فكرة دمج الناديين والعمل معا في ارض النادي اليافي الجديد.[6] واندمجا معا فيما بعد تحت اسم نادي السباق الفلسطيني نزولاً على إلحاح كثيرين من الشبان. وقد ألف هذا النادي في تشرين الأول عام 1935 شركة مساهمة برأس مال قدره 2500 جنيه فلسطيني تقسم إلى 2500 سهم ثمن السهم الواحد جنيه فلسطيني. [7]
وتحت عنوان (سباق الخيل في صرفند) جاء في
صحيفة (فلسطين) في تشرين الثاني هذا الخبر: "أقام نادي السباق اليافي سباقه
السادس عشر في صرفند في الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر امس وقد حضره فخامة المندوب
السامي والمستر سبايسر مدير الأمن العام والمستر كويكلي مدير قسم المباحث
والجنائية عدد كبير من الأهلين وضباط ورجال البوليس وقد جرت ستة اشواط جعل الأول
والسادس منها للعموم وخصصت الأربعة الباقية لبدو غزة وبئر السبع والجنوب. وقد
اشترك في الشوط السادس فرسان من فلسطين
وسوريا وعدد من ضباط وأفراد البوليس لنوال جائزة فلسطين فنال الجائزة
الاولى البوليس جوردون ونال الجائزة الثانية احد البدو ونال الجائزة الثالثة المستر
سبايسر قومندان البوليس العام. على أنه نظرا لرداءة الطقس كان الإقبال على السباق
هذه المرة دونه في المرات الماضية ."[8]
في
أيار 1943 نشرت (فلسطين) هذا الخبر مفاده أن في يازور كان هناك ميدان لسباق الخيل
وكان مجلس إدارة الميدان مؤلف من أعضاء بينهم عربي واحد [الباقي من اليهود] . ولكن
المسؤولين عن المشروع قرروا أن يكون مجلس الإدارة مؤلفا من أربعة اعضاء اثنان منهم
من العرب واثنان من غير العرب [اليهود] ، ويرأس المجلس عربي والذي يمول المشروع
ثري كان قد سبق ان اشتغل في ميادين السباق في اليونان ورومانيا وغيرهما. وقد استقر
الرأي على أن يفتتح الملعب في أخر شهر حزيران القادم، وسيجري السباق فيه مرتين في
الأسبوع وسيكون نصف موظفيه من العرب ، كما سيباح لكل صاحب جواد في البلاد أن يشترك
حسب اللائحة الداخلية للملعب ومما يذكر أن قطعة الأرض التي تقرر أن ينشأ عليها
الملعب قريبة من الشارع العام.[9]
كانت
كثير من السباقات تقام على أرض البصة في يافا وكان يحضرها شخصيات حكومية بما فيها
المندوب السامي. وكانت هذه السباقات تضم أيضا قفز الخيول العالي والعريض ولعب
السيف ولعب الرمح.
لم تكن
للاتحاد الرياضي الفلسطيني (تأسس في عام 1931 وأعيد تأسيسه في عام 1944) أي لجنة فرعية تابعة له أو أي نشاط له في هذا
المجال ، ولم يدعمه ، ولم تكن له أي اتصالات مع منظمي هذا النوع من الرياضة الذي كان
يعتمد منظموه على المراهنات والمقامرة. ولكن رغم ذلك كانت تورد بعض الأخبار صحيفة (فلسطين)
مثل هذا الخبر الذي نشرته هذه الصحيفة في الخامس والعشرين من تشرين الأول عام 1946
من مراسلها في غزة يعلمها عن تأجيل سباق الخيل " جاءنا من السيد أحمد أديب
العلمي صاحب مشروع سباق الخيل لمنفعة العائلات المنكوبة في حادث فندق الملك داود
بالقدس [عندما قامت العصابات الصهيونية بتفجيره] أنه نظراً لتأخير إجراء الترتيبات
لهذا السباق فقد تأجل إلى الربيع القادم."
وفي
الختام فإن هذا النوع من الرياضة كان مقتصرا على أفراد الجيش والبوليس البريطاني
في فلسطين من جهة ، ومن جهة أخرى على الشركات التي كانت ترى في هذا السباق وسيلة
للربح من خلال المراهنات (القمار) التي كان يدفعها المواطن العادي. وتعتبر أيضا هذه الرياضة أول رياضة احتراف في فلسطين كان هدفها الأول والأخير هو الربح ، هذا بعكس الرياضات الأخرى التي كانت تتميز بالهوايات. ولم يلعب سباق الخيل أي دور في تنمية القدرات والمهارات البدنية لدى المواطن وفي تشكيل الوعي الرياضي لديه . وقد تمثل هذا النوع من الرياضة بالعروض التي اعتمدت على المنافسة والمراهنات التي كان لها جانب سلبي على المواطن خاصة من فئات الطبقة الوسطى والفقيرة.
المصادر:
[1] صحيفة )فلسطين( 21 آذار
1923.
[2]
صحيفة )فلسطين(
20 نيسان 1928.
[3] صحيفة )فلسطين( 22 أيلول
1931.
[4] صحيفة )الكرمل( 18 أيار
1932.
[5] صحيفة )الكرمل( 9 تموز
1932.
[6]
صحيفة )فلسطين(
6 تشرين الثاني 1931
[7] صحيفة )الدفاع( 22 تشرين الأول 1934.
[8] صحيفة )الدفاع( 6 تموز 1935.
[9] صحيفة )الدفاع( 25 أيار
1943.
This comment has been removed by a blog administrator.
ReplyDelete