Friday, February 13, 2015
الاستعراض الرياضي - الكشفي (14 تموز 1935) بين المكابياد الصهيوني وتناحر الاحزاب في فلسطين
عصام الخالدي
للمرة الأولى استطاعت الحركة الشبابية والرياضية
والكشفية أن تستخدم العروض الرياضية والكشفية في مهرجان 14 تموز عام 1935 ضمن نظامها الفكري– الثقافي من أجل أهداف وطنية سياسية كما كانت تستخدمها
الحركة الصهيونية.[i]
الرياضة هي المرآة التي تعكس الأوضاع
السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فهي لم تكن بمعزل عن الظروف التي كانت تمر بها
فلسطين منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى النكبة . منذ بداية الهجرة اليهودية إلى
فلسطين استغلت الصهيونية الرياضة بالإضافة إلى كل العناصر الثقافية الأخرى من اجل
تحقيق احلامها في إقامة الوطن القومي في فلسطين . وكان للرياضة تفسير مميز في العقل
الصهيوني ، وبصفتها عنصراً ثقافياً وشكلاً من أشكال الوعي الاجتماعي فقد استخدمت كوسيلة
من اجل إعادة بناء الحس القومي وخلق "رياضة يهودية" ، تقوم بتحويل
المشاعر والمفاهيم الدينية التاريخية إلى قومية صهيونية (مثل المكابي والبيتار
وبار كوخبا) .[ii]
وكانت (الرياضة) بنظر الصهاينة وسيلة من
أجل بعث حياة جديدة بدنياً بالإضافة إلى كونها وسيلة من أجل بناء الوطن القومي
واستعادة اللغة والأدب والتاريخ ، كما وكانوا يدركون أيضا أن هدف إقامة دولة إسرائيل لا يتحقق إلا
إذا سبقه إعداد بدني وروحي ومعنوي للأجيال التي كان عليها تحقيق هذا الهدف .
لقد أدركت القيادات الصهيوينة
أهمية العروض والمهرجانات الرياضية وتأثيرها في
شحن المشاعر القومية لدى الفئات المختلفة من اليهود بما تحتويه من نشاطات
مثل الموسيقى (الوطنية) ورفع الأعلام والخطب الحماسية. ولا بد للإشارة هنا لما
قاله الزعيم الصهيوني ثيودور هرتسل بعد حضوره احدى المهرجانات الرياضية في
تشيكوسلومفاكيا بأن عرض مثل هذه العروض يضاهي مائة خطاب.
وحول احد هذه العروض ظهر في صحيفة
(فلسطين) في نيسان 1913 مقال تحت عنوان (الاستعراض الصهيوني الكبير) (ومن المعلوم
أن المنظمات الصهيونية كانت قد بدأت الاستعراضات العسكرية منذ عام 1908 – مع زيادة
الهجرة الصهيونية، وتأسيس العديد من الأندية الرياضية في المستعمرات) "....
وأمام هذا المعرض خصصت ساحة كبيرة للألعاب الرياضية .... سار موكب الاحتفال، طاف
في شوارع المستعمرة ووقف هناك فألقى الرئيس على الجمع خطابا طويلا بالعبرانية فهمت
من شدة مقاطعته بالتصفيق أن الاستحسان له كان كبيرا..... ثم وقفت الجماهير في ساحة
الألعاب فقام عدة خطباء تكلموا بحماس وقوبلوا بتصفيق الاستحسان. وبعد ذلك ابتدأ
اللعب فكان يخيل لي أن هنالك جيشا منظما أحسن تنظيم ومدربا أحسن تدريب لما في
حركاتهم من الفنون العسكرية .... ثم باشروا الألعاب الرياضية ورفع الأثقال ثم سباق
الخيل وأكثرهم بالملابس البدوية فكنت تحسبهم من فرسان العرب".[iii]
منذ نهاية العشرينيات بدأت منظمة
(المكابي) الرياضية بالإعداد لمهرجان رياضي كشفي تستطيع من خلاله جلب عدد كبير من
الرياضييين والمشجعين والسائحين وإبقائهم في فلسطين بشكل غير شرعي. كان الصهاينة
يسعون دائما إلى أيجاد أفضل الوسائل من أجل إدخال المزيد من المهاجرين إلى فلسطين
، فكما يشير عيسى السفري أن "الصهاينة استنبطوا منذ عام 1924 حيلا جديدة
لإدخال المزيد من المهاجرين اليهود إلى البلد ، فلجئوا إلى التهريب والخديعة ،
وتظاهروا بالرضوخ للقيود التي ينص عليها قانون الهجرة وتحويل العديد من طالبي
الدخول إلى فلسطين ، ثم إخفائهم في المستعمرات . وكان احد هذه الوسائل
"المكابياد" مهرجان رياضي على
نسق الألعاب الأولمبية ، دعت له القيادات الصهيونية عام 1929 كانت تشارك به
الشبيبة الصهيونية من كافة أنحاء العالم حيث يبقى جزء كبير منهم بلا عودة..... دخل
فلسطين سنة 1935 ستة آلاف مهاجر من هذا النوع وسلموا جوازات سفرهم إلى الحكومة
ودفعوا التأمينات المطلوبة، ظلوا في البلاد ولم يخرجوا منها إلى الآن". كما
يشير السفري أيضا إلى أنه "هناك ثلاث طرق رسمية تستغلها الجمعيات الصهيونية
في تهريب اليهود إلى فلسطين نذكرها فيما يلي المكابياد : نسبة إلى المكابي ، وهي
اصطلاح يهودي يقابله بالإفرنجية " المكابياد" يقيمها اليهود في كل سنتين
مرة ، يدخل فلسطين بواسطتها – عدا اللاعبين الرسميين وعددهم لا يتجاوز العشرات –
الألوف من غير اللاعبين الذين يبقون في البلاد....."[iv]
رداً على مهرجاني المكابياد الذين أقيما في عام
1932 و 1935 فقد قرر الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تأسس عام 1931 بالتنسيق مع
مؤتمر الشباب (تأسس عام 1931 وعقد مؤتمره الأول في عام 1932 والثاني في 1935) إقامة مهرجان رياضي كشفي على ملعب البصة في مدينة يافا في 14 تموز 1935(أي
بعد حوالي أربعة أشهر فقط على إقامة المكابياد الثاني الذي أقيم في شهر نيسان في تل أبيب) .
وقد شكل الاتحاد لجنة خاصة لتنظيم هذا الاستعراض وكانت تتألف من الدكتور داود
الحسيني سكرتير الاتحاد الرياضي العام والدكتور حقي مازين و إبراهيم مراد ومصطفى
الطاهر وممدوح النابلسي وحسين حسني – استمرت
هذه اللجنة تشتغل بجد وصمت طيلة ثلاثة أشهر حتى نضج المشروع وقد لاقت صعوبات كثيرة
جداً من دوائر مختلفة ولكنها تخطتها بعزيمة وهمة وإخلاص. [v]
بالطبع كان على القائمين
على هذا المهرجان أن يحصلوا على تصريح من سلطات الانتداب التي كانت دائما متخوفة من
عقد هذا النوع من المهرجانات والتجمعات الشبابية. ففي 29 حزيران 1935 أرسل قائمقام
يافا إلى سكرتير الاتحاد الرياضي الفلسطيني العام كتابا يطلب فيه من الأخير أن يقدم طلباً
يذكر فيه برنامج الاستعراض الرياضي وكل ما يتعلق به. فأجابه بكتاب مؤرخ في 30
حزيران 1935 يعلمه فيه أن الاتحاد الرياضي
قرر إقامة هذا الاستعراض بين الأندية الرياضية التابعة له والرياضيين الآخرين،
والفرق الكشفية في فلسطين وأن الفرق ستخرج بلباسها الكشفي والرياضي للمعلب [في
يافا] من دار مكتب الشباب مارة بساحة الشهداء فشارع إسكندر عوض فشارع بسترس
فالملعب.[vi]
كان ينبغي
أن يقام هذا المهرجان على ملعب البصة بيافا وكانت لجنة الألعاب الرياضية للاتحاد
الرياضي ترغب رغبة صادقة ومن صميم فؤادها أن تتخذ من البصة مكاناً للاستعراض ، وعزمت على تسويره مؤقتا
ريثما تنتهي الحفلة غير أن البلدية والحكومة عارضتا في
ذلك كل المعارضة ، حتى كادت هذه الفرق تمنع من أداء تمريناتها الأولية ، وهكذا
اضطرت اللجنة لاستئجار الملعب من صاحبه (أبو
غوص) العربي بصورة استثنائية جداً لأنه
كان مؤجر للهابوعيل (منظمة يهودية عمالية رياضية تأسست عام 1926)، وقد حاول
أعضاء الهابوعيل منع أبو غوص من تأجير الملعب لكي يعرقلوا إقامة المهرجان إلا أن (أبو
غوص) أصر على رأيه وأنذرهم بإخراجهم من أرضه فرضخوا للتهديد وسلموا له بما أراد. [vii]
قرر
الاتحاد أن يكون اللباس الرياضي لكل الفرق المشتركة الأبيض، وأن يرفع كل نادٍ علم
ناديه الخاص وعلم آخر لتعليقه حول الساحة مع أعلام الأندية العربية.[viii] ويشير
عيسى السفري إلى أن خمسة آلاف شاب اشترك
في هذا الاستعراض وتنافسوا في العدو والوثب وتباروا في ألعاب القوى.[ix]
قسم
الاتحاد الرياضي الألعاب التي جرت إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول
: العاب النوادي العامة ضمت: ركض 100 ، 200 ، 400 ، 800، 1500 متر. ثانياً: الوثب
– القفز العالي والقفز العريض. ثالثا: رمي الرمح والجلة والصحن (القرص) رابعاً:
سباق الدراجات لمسافة عشر كيلومترات. القسم الثاني : العاب المناطق وهي ركض
المواصلات وشد الحبل. القسم الثالث : العاب النوادي الخاصة وهي: عرض قدمه
النادي الرياضي الإسلامي بيافا في المصارعة والملاكمة وشيش ورفع أثقال ، كما وقدم
نادي الروضة في القدس لعبة الكلتش والعاب رياضية فنية أخرى .[x] هذا بالإضافة
إلى فرقة الخيالة البدوية بقيادة الشيح شاكر أبو الكشك وقد كان لمنظر عرض الخيالة
ابلغ الأثر في النفوس.[xi]
كما وشاركت
(بأعلامها وموسيقاها) الفرق الكشفية والرياضية التالية: فرقة كشافة مجدل عسقلان
بقيادة السيد رشيد محمود الشريف وفرقة
كشافة أبي عبيدة بطولكرم بقيادة السيد
توفيق عبد الرازق وفرقة سعد بن أبي وقاص بقيادة السيد عوني بسيسو وفرقة كشافة عمر
الفاروق المتجولة بغزة بقيادة السيد خضر الجعفراوي . وجاء من القدس نادي الروضة
والفرقة الرياضية لكلية روضة المعارف ومن حيفا نادي شباب العرب بالإضافة إلى
النادي الرياضي الإسلامي في يافا ، ومن الرملة الفرقة العباسية بقيادة محمد علي الغصين ومن يافا
فرقة مدرسة الإصلاح الإسلامية بقيادة
السيد هاشم السبع وفرقة نسور الجزيرة بقيادة السيد شفيق الأنصاري وفرقة
مدرسة النهضة الإسلامية بقيادة السيد إسماعيل الطوباسي.[xii]
وقد اعتذرت فرقة مدرسة النجاح الوطنية في نابلس
عن الحضور بسبب عطلتها المدرسية وسفر قائدها إلى بيروت. وللأسف فإن بعض الفرق والأندية
وخاصة الرياضية لم تشارك في هذا المهرجان ولا تعرف الأسباب بالضبط ولكن ومن المحتمل أن يكون السبب في ذلك هو ضعف في
الاتصال والتنسيق مع الأندية من قبل الاتحاد الرياضي الفلسطيني ومؤتمر الشباب، ومن
المرجح أيضاً أن الكثير من الأندية تخوفت من أن يكون هذا المهرجان ذا طابعا سياسياً
فهي لم تكن تسعى لمناوشة الانتداب، فمن الملاحظ أن درجة الانتماء الوطني كانت
متفاوتة بين الأندية في تلك الآونة. إلا أن هذا الاستعراض بشكل عام كان إنجاز
عظيما يستحق التقدير والثناء ، حتى أن الصحف اليهودية بعد هذا المهرجان أعربت عن
تخوفها حيث وصفت محاولة تنظيمه بأنها "تنظيم لحركة شباب قوية من مختلف المدن
والقرى الفلسطينية".[xiii]
وحول العراقيل التي وضعتها سلطات الانتداب أمام
هذا المهرجان يكتب احد القراء في صحيفة (فلسطين) "لما فكر مؤتمر الشباب
منذ أشهر مضت بإقامة استعراض عام لفرق الكشافة العربية في فلسطين، اعترضته الحكومة
المنتدبة، وحظرت عليه ذلك ، وقد جرى يوم الأحد الماضي استعراض كشفي نظمه الاتحاد
الرياضي الفلسطيني العام، لم يقصد منه شيء مما فكر به مؤتمر الشباب. فلقد كان
الأول مقصودا منه إقامة معسكرات كشفية تستغرق نحو أسبوع وتضطلع بمظاهرات وطنية من
طراز مظاهرات المكابي، أما الآخر فلقد كان على روعته، استعراضا مدرسيا بسيطاً، لم
يستغرق غير ساعات ثلاث أو نحو ذلك، وحضره كثيرون من كبار موظفي الحكومة، ولكن على
الرغم من تقييد هذا الاستعراض وعدم تطلع المسئولين عنه إلى القيام بمظاهرات وطنية
عن سبيله، فلقد قاومته الحكومة المنتدبة أشد المقاومة. فحظر البوليس أن تسير الفرق
جماعات جماعات، وإنما أباح لها أن تسير إلى الميدان فرقة بعد أخرى من أماكن مختلفة
ولما انتهى الاستعراض حظر عليها كذلك أن تنصرف جماعات، وإنما حتم انصرافها
أفراداً. هذا ما تفعله الحكومة المنتدبة مع الكشافة العربية، وما تمنع به قيامها
بأية مظاهرة وطنية، لا يقصد منها سوى إثارة الروح الرياضية والحماسة لفضائلها
واليقظة للوعي الوطني العربي . وللقارئ أن يقارن هذا التعنت مع العرب بما تبديه
الحكومة المنتدبة من التسامح مع المكابي اليهود ، وأولئك أقوام يأتون من مشارق
الأرض ومن مغاربها ليجتمعوا في (أرض إسرائيل) ... جنوداً مستكملي التدريب على
الأساليب العسكرية ومتشجعين بفكرة بناء الوطن القومي على أنقاض مجد العرب وعلى
حساب حياتهم ومستقبل أبنائهم".[xiv]
وحول
أهمية هذا المهرجان وبكلمة جريئة تتحدى سياسة الانتداب في فلسطين وتوجه النقد لها
جاء في اليوم الذي تلى هذا المهرجان في (كلمة العدد) في صحيفة (الدفاع) "كل
ما نرمي إليه ، إنماء روح الرياضة والتربية العسكرية في الشباب والناشئة. الروح
التي تصعد بأصحابها من مستوى منخفض كالذي نعيش فيه – مع الأسف – إلى دنيا من السمو
الخلقي والجسمي ، ووثوب الروح نحو المعالي ، ومعارج الرجولة والكمال،...... حرموا
علينا التعليم العسكري، وحللوه لأنفسهم . أوصدوا دون ناشئتنا أبواب الرجولة،
والحياة المشرفة. هذه هي سياسة ستخرج لكم بعد ربع قرن امة ليس فيها من يقول : أنا ......
رجل ! وغداً يودع الجيل الذي شاهد كثيراً مما لم نشاهده، جيل الحياة التي دربت أبناءها
على السير مع سنن الزمن، ومقتضى الطبيعة الإنسانية. أنصرح أكثر ؟ غدا يموت جيل
الحرب العظمى..... ويبقى لنا جيل السواعد الناعمة ، والأجسام اللدنة ، والنفس
المذابة. وفتاة يهودية من هؤلاء المدربات تستطيع عندئذ هزيمة ابن الصحراء!".[xv]
بعد عشر سنوات كتب حسين حسني أحد
المنظمين لهذا المهرجان في الزاوية الرياضية في صحيفة (فلسطين) في حزيران عام 1945
حول هذا المهرجان "وكان هذا المهرجان رائعا وما زالت ذكراه عالقة في الأذهان
إلى اليوم، فهل يعيد التاريخ القريب نفسه". [xvi]
ومما
لفت الأنظار حضور السيدات وكان عددهن غير قليل ولم يكن تشجيعهن للاعبين بأقل من
تشجيع الرجال.[xvii]
وقد خصص لهن جناحاً خاص بين الحضور. وكان
من بين الحضور الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وجمال الغزي وراغب
أبو السعود والشيخ شاكر أبو الكشك وتوفيق الدجاني عضو محكمة مركزية حيفا وموسى نمر
حاكم صلح يافا وجودت بيبي مدير البنك العربي ونظمي العنبتاوي القائمقام الإداري
وجميل الخالدي وعلى الدباغ والدكتور نصوح النابلسي ، كما كان أيضا بين الحضور
أعضاء بلدية يافا وأعضاء من مؤتمر الشباب وشخصيات ووجوه اجتماعية أخرى.[xviii]
بالإضافة إلى العقبات التي وضعتها سلطات
الانتداب وعدم مشاركة كافة الأندية في هذا المهرجان ظهرت مشكلة أخرى تثير التعجب وتدل على اهتمام القيادات التقليدية
بصغائر الأمور وهي أن اللجنة المشرفة على هذا المهرجان أو قيادة مؤتمر الشباب قامت
بدعوة شخصيات سياسية اجتماعية دون غيرها، فتحت عنوان (الاتحاد الرياضي والحزبية)
كتب خليل مازين في صحيفة (فلسطين) "سمع الناس أن الاتحاد الرياضي قد وجه
الدعوة لكل من سماحة الحاج أمين أفندي الحسيني وسعادة راغب بك النشاشيبي رئيس حزب
الدفاع لحضور الاستعراض الكشفي العظيم الذي أقيم في يافا يوم الأحد الماضي فسروا
لابتعاد رجال الاتحاد عن النعرة الحزبية وتمكنهم من المحافظة على الروح الرياضية
الحقة ولكن دهشة الناس كانت عظيمة عندما علموا أن سعادة راغب بك لم يحضر هذا
الاستعراض. وقد قصدت يوم أمس إلى القدس واجتمعت بالسيد رشاد الشوا مدير حزب الدفاع
وسألته هل تلقى سعادة راغب بك بطاقة دعوة فنفى لي ذلك نفيا باتاً وفي المساء
اجتمعت براغب بك في يافا فكرر لي نفي مدير الحزب فما قول الاتحاد في ذلك؟".[xix]
وفي نفس العدد تحت عنوان (الاتحاد الرياضي
والحزبيات) ظهر في الصفحة الأولى لصحيفة (فلسطين) هذا التعليق "الاتحاد
الرياضي في فلسطين، أو في أي بلد آخر من بلدان العالم أولى الهيئات بالتجرد من أية
صبغة حزبية ، لأن الغاية الأخلاقية من الحركات الرياضية تتنافى وهذه الصبغة وأنت
تجد أن أشد الأمم تمسكا بالألعاب الرياضية كالانكليز مثلاً، هم أبعد الناس عن
الحزبية. ولما دعا الاتحاد الرياضي الفلسطيني إلى استعراضه العام الذي جرى يوم
الأحد الماضي استقبلته البلاد على أنه مظهر رياضي، بعيد عن الاتجاهات الحزبية،
ورحبت به الصحف كلها على اختلاف نزعاتها. ولكن الجامعة العربية خرجت للناس عدداً جامعياً .. في مساء الاثنين أوقفته
على الدعاية للمهرجان المجلسي ... الذي أقيم في يافا بعد ظهر الأحد للترحيب برئيس
المجلس، والتصفيق له، وتمزيق الحناجر بالهتاف باسمه، ولا يكاد يتبين فيه القارئ
شيئا عن المهرجان الرياضي... بعد جهد، وإرهاق نفس. وقد نشرنا في غير هذا المكان من
الجريدة كلمة وجهها السيد خليل مازين إلى الاتحاد الرياضي يأخذ فيها عليه اختصاصه
بدعوة بعض رؤساء الأحزاب دون البعض الآخر، ويسأل عن أسباب هذا التمييز الصادر عن
هيئة مفوض فيها البعد عن التورط في مثل هذه الاتجاهات الحزبية. وإنا لنرجو أن تعني
هيئة الاتحاد العليا بعد الآن بهذه المطالعات ، وأن تتقبلها على أنها صادرة عن
أناس يهمهم تجرد اتحادهم من أية نزعة حزبية، إذ ليس في ذلك ما يعود على الاتحاد
بخير".[xx]
نحن
ليس بصدد علاقة مؤتمر الشباب والاتحاد الرياضي الفلسطيني مع الحاج أمين الحسيني أو
مع راغب النشاشيبي (لقد دفع شعبنا ثمنا باهظا لهذه التناحرات بين القيادات التقليدية) بل
نوجه اهتمامنا إلى أمرين هو النجاح النسبي لهذا المهرجان وإلى عدم مشاركة ومساهمة
الكثير من الأندية في هذا المهرجان وهذا ما سنسعى للتمحيص فيه في المستقبل من خلال
بحث تاريخي وافٍ رغم صعوبة الوصول إلى الوثائق التي لها علاقة بهذا الموضوع ، لكن
من الواضح أن فكرة هذا المهرجان كانت مؤشرا لهذا الرقي في الوعي الذي وصل إليه
قادة الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تعزز وجوده وتنظيمه بوجود قيادة حكيمة ومؤثرة
مثل مؤتمر الشباب والاتحاد الرياضي الفلسطيني والحركة الكشفية، فهذه الحركات
الثلاثة رأت أنه يمكن أن يستخدم النشاط الرياضي والكشفي ليكونا قوتين فعالتين في
إبراز الحس الوطني والتصدي للهيمنة الصهيونية على الساحة الرياضية والكشفية
والثقافية في فلسطين.
قرر الاتحاد الرياضي الفلسطيني إجراء استعراض مشابه
في عام 1936، إلا أن الظروف التي كانت تمر بها فلسطين واندلاع ثورة 1936 المجيدة
لم تسمح بذلك ، حيث تعرضت الأندية إلى مضايقات واعتقالات من قبل سلطات الانتداب وتوقف
نشاط الأندية الرياضية كاملا، وبقيت الحركة الرياضية شبه مشلولة حتى إعادة تأسيس
الاتحاد الرياضي الفلسطيني في أيلول عام 1944.
بالإضافة
إلى أن هذا المهرجان كان بمثابة ردا على مهرجاني المكابياد إلا أنه أيضا كان تحد
لسلطات الانتداب التي كان لديها مخاوف من طبيعة هذه العروض وآثارها الوطنية ، فمنذ بداية العشرينيات في وقت
تميز بانتشار الأندية الاجتماعية حسبت سلطات الانتداب لهذه الأندية ألف حساب. تشير
صحيفة (بالستين ويكلي) الصهيونية في بداية العشرينيات
التي كانت تصدر باللغة الانجليزية بشأن الاحتفال بتدشين النادي الرياضي في القدس
أن المستر ستورس محافظ القدس أصر على وجوب اشتراك الجميع فيه بقطع النظر عن الدين
والمذهب وذيلت على ذلك بقولها إن النوادي الرياضية "المذهبية" كانت في
مصر عاملاً من عوامل الاضطرابات فلا يجب أن يرتكب مثل هذا الخطأ في فلسطين.[xxi]
كذلك أرادت حكومة الانتداب من خلال بيان أذاعته في آذار 1926 تسجيل كل جمعية أو
ناد يؤسس في فلسطين مهما كانت الغاية خيرية أو سياسية. كما كان هناك أيضا تخوف من عناصر الشباب ، فقد
جاء في تقرير الحكومة الرسمي لسنة 1935 تحت عنوان "عناصر الشباب" "كان من الظواهر التي لها مغزاها في
الحركة الوطنية العربية تقوي جماعات الكشافة ونوادي الرياضة المختلفة ودخول الشباب
على وجه العموم في مؤسسات منتظمة تحت أسماء مختلفة ولم يكد آخر العام يجيء حتى
كانت عناصر الشباب قد وطدت مركزها وأصبحت عاملا قد يكون منه أن يتحدى نفوذ من هم
اكبر من الشباب من زعماء فلسطين".[xxii]
الملاحظات والمراجع:
[i] بدأ الصراع في المجال الرياضي مع الصهيونية
عندما شكل العرب واليهود والانجليز الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في عام
1928 الذي دخل في عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم في حزيران عام 1929. فيما بعد رأت
الصهيونية في هذا الاتحاد وسيلة من أجل تمثيل فلسطين "يهودية" على
الصعيد المحلي والعالمي ، فبدأ اعضاؤه اليهود بتهميش العرب من هذا الاتحاد والاستفراد به لتحقيق
مآربهم. هذا ما أدي إلى شعور الطرف العربي بالإهانة لسلب حقوقه ودعاه لتأسيس
الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي) في عام 1931 والبدء فورا في تنظيم بطولات بين
الأندية العربية في فلسطين. شل نشاط هذا الاتحاد بسبب أحداث ثورة 1936 المجيدة
وأعيد تأسيسه في أيلول 1944. للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع انظر: www.hpalestinesports.net
[ii] أنظر: Khalidi, Issam. Body and
Ideology, A short history of athletics in Palestine 1900-1948 , Journal
of Jerusalem Studies , Quarterly, Fall 2006.
[iii] صحيفة فلسطين 20 نيسان 1913 . توقف هذا
المهرجان عام 1914 بسبب مقاطعة منظمة (المكابي) له معترضة على وجود حراسا وعمالا
عرب كانوا يعملون في هذه المستعمرة (رحبوت).
[xiv] صحيفة الدفاع 16 تموز 1935 ،
تعتبر منظمة المكابي من أوائل المنظمات الرياضية التي انتشرت في المستعمرات
اليهودية في فلسطين. كانت تمارس التدريبات العسكرية والرياضية في آن واحد.
[xvi] حضر الأستاذ حسين حسني إلى فلسطين من مصر في أواسط
الثلاثينيات وعمل مدرسا في عدة مدارس في
فلسطين حتى عام بداية النكبة ، وكان ناشطا في لجنة ألعاب القوى للاتحاد الرياضي
الفلسطيني ومشاركا في تحرير الزاوية الرياضية منذ نهاية عام 1944 وحتى نهاية عام
1947. وكان لمقالاته اهمية كبرى في توعية وتحفيز الرياضيين والمواطنين للنشاط
الرياضي.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
تحية طيبة
ReplyDeleteلدي صورة لأستعراض اندية فلسطين العربية الذي جرى في يافا يوم 15 تموز 1935 ، ان كنتم مهتمين ارجو اعلامي لأرسلها لكم ، مع تقديري و احترامي . لغرض اعلامي ارجو مراسلتي على البريد التالي
refaatalamin@gmail.com