لا شك بإن كل شعب يقدم التضحيات من أجل تحقيق
اهدافه الوطنية ، كما أن المجهود النضالي له انعكاساته على تطور العديد من
النشاطات والتي منها النشاطات الثقافية التي كانت الرياضة جزء لا يتجزأ منها ، فقد
دفعت الحركة الرياضية ثمنا باهظا خلال نضال شعبنا من أجل الدفاع عن فلسطين من شرور
الانتداب البريطاني والتغلغل الصهيوني في فلسطين. وتمثل هذا التأثير في الوضع شبه
المشلول الذي وصلت إليه الحركة الرياضية في نهاية الثلاثينيات حتى أن بعض الأندية
اضطرت أن تشارك في البطولات التي كان يقيمها اتحاد كرة القدم الفلسطيني (اليهودي)
، فمن المعروف أنه في عام 1931 تأسس الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي) الذي جاء كرد
على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي تأسس في عام 1928 وقام اعضاؤه اليهود فيما
بعد بتهميش العرب والتفرد في إدارته. أقام هذه الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي اول
بطولة للأندية العربية في فلسطين وعزز علاقته مع مؤتمر الشباب ومع الحركة الكشفية
في فلسطين وأقام مهرجانينرياضيين كشفيين في عام 1934 و1935 ، واستمر في نشاطه إلى
أن اندثر في الفترة بين عامي 1938 - 1939 بسبب الظروف التي مرت بها فلسطين جراء
ثورة 1936. ورغم الظروف التي كانت تمر بها فلسطين في تلك الفترة إلا ان مباريات
كرة القدم استمرت حتى أن بعض الفرق العربية كانت تتبارى مع فرق الانتداب ولكن بشكل عام لوحظ تراجع كبير في رياضة كرة
القدم ، أما الرياضة التي كانت تعتمد على الجهد الفردي مثل الملاكمة ورفع الأثقال
فقد استمر رياضييها في النشاط إلى ان كانت النتيجة في نهاية الثلاثينيات تراجع في
كرة القدم بسبب اعتمادها على الاتحاد الرياضي الفلسطيني وتطور في الملاكمة
والمصارعة ورفع الأثقال ، ولكن بشكل عام كما ذكر سابقا أن احداث الثورة كان لها
تأثير في عرقلة مسيرة الحركة الرياضية.
الرياضة هي
جزء من الثقافة البدنية التي بدورها جزء من الثقافة العامة للمجتمع ، لذا فإن
النشاطات العديدة التي كانت تمارس في الأندية كانت وما تزال جزء من الثقافة العامة
للشعب الفلسطيني . وبالطبع من الصعب الفصل بين هذه النشاطات فمن المعروف أن
الكثيرون من اعضاء الأندية كانوا يمارسون مجموعة من النشاطات في آن واحد بما فيها
النشاط الرياضي ،فقد كانت نشاطات الأندية متداخلة فيما بينها وكان لكل نشاط تأثير
على الآخر ، وهذا ما اعطى النشاط الرياضي في هذه الأندية في فلسطين زخما وجعله
يتميز بميزات وطنية وفكرية واجتماعية.وبدون شك أنه كان للانتماء الوطني دورا في
دفع وتعزيز النشاط الرياضي ، ومن الواضح
أنه كانت هناك في تلك الفترة علاقة متبادلة بين تربية الأجيال وطنيا وبدنيا .
في كتابه
(قصة حياتي في فلسطين والكويت) يكتب خير الدين أبو الجبين الذي عمل محرراً لزاوية الدفاع الرياضية في الأربعينيات عن لقائه مع الملاكم
الفلسطيني المعروف أديب الدسوقي أن الأخير قال عن مشاركته في ثورة 1936: "في أحد الليالي
اشتدت المعارك في يافا وكان القائد الراحل الشيخ حسن سلامة يتنقل بين الجبهات...
التقى بي وأنا أعمل مع عدد من المجاهدين قال لي بالحرف الواحد : يا أديب عندنا
الآلاف لتحمل البندقية والقنبلة ولكن لا يوجد عندنا من يحمل قفازات الملاكمة ويمثل
فلسطين .. غدا تسافر إلى مصر عند المفتي وتعمل هناك في ميدانك الرياضي !"[1] وهذا ما يعكس وعي هذا القائد لدور الرياضة
في إبراز وجه فلسطين كسلاح من نوع آخر له قيمته الوطنية والمعنوية.
عندما
اندلعت الثورة في نيسان 1936 توقف النشاط الرياضي وأصيب بالشلل الكامل، حتى أن بعض
الأندية تعرضت للإغلاق وتعرض أعضائها للاعتقال، ومنها من وقع في قبضة سلطات
الانتداب وتحول إلى مقر له مثل النادي الأرثوذكسي. وهنا كتاب النادي الرياضي الإسلامي إلى نادي
الشبيبة الأرثوذكسية بيافا يعبر عن دعمه ومساندته للنادي الأرثوذكسي "فيما يلي صورة الكتاب الذي بعثتها هيئة
إدارة النادي الرياضي الإسلامي بيافا إلى نادي الشبيبة الأرثوذكسية بمناسبة قرار
السلطة اتخاذ نادي الشبيبة مسكنا للجند كما ذكرنا ذلك في (الدفاع) أمس: حضرات
الإخوان الأفاضل رئيس وأعضاء نادي الشبيبة الأرثوذكسية تحية واحتراما، وبعد تأسف
هيئة إدارة النادي الرياضي الإسلامي يافا لقرار الحكومة باتخاذ دار ناديكم الموقر
مسكنا للجنود الأمر الذي يحول دون متابعة جهودكم الموفقة في حلبة الثقافة
والرياضة. إن نادي الشبيبة الأرثوذكسية الذي كان لنا شرف التعاون معه في الحركة
الرياضية والثقافية والذي ولا شك له المكانة السامية والمنزلة الرفيعة بين الأندية
الوطنية في فلسطين حرام أن يقضى عليه بمثل هذا القرار الذي اتخذته الحكومة. وقد اجتمعت
هيئة ادارة النادي وقررت الاحتجاج لدى حاكم اللواء الجنوبي على هذا القرار وأرسلت
احتجاجها إليه . إن النادي الرياضي الإسلامي يرحب بجميع الإخوان أعضاء نادي
الشبيبة ويرجو أن يعتبروه نادياً لهم ولهم جميع امتيازات الأعضاء وحتى تتمكن إدارة
ناديكم من متابعة أعمالها وجهودها ومشاريعها فقد قررت هيئة إدارة النادي تخصيص
غرفة لاجتماعات هيئة إدارة ناديكم الموقرة. وستوضع تحت تصرفكم في إي وقت شئتم .
وتفضلوا..... ". [2]
وبعد عدة أيام من هذا الحادث
داهمت قوة كبيرة من الجند والبوليس البريطاني دار النادي الرياضي الإسلامي في الثغر
– يافا على أثر إخبارية وردت بأنه يوجد في دار النادي قنابل وأسلحة ! وقبل أن
يصعدوا إلى دار النادي أمروا الجنود بتطويقها من جميع الجهات ومنع المارة من
الدخول إليها أو الخروج منها...... وبعد انتهاء التفتيش اعتقل البوليس جميع من كان
في النادي كما أقفلوا الأبواب ووضعوا عليها الشمع والأختام .[3]
لقد ضعفت سيطرة القوات البريطانية على فلسطين أواخر 1937 - أوائل 1939) ووصلت هيبة الاستعمار إلى الحضيض ، وأصبحت سمعة الثورة
ونفوذها هما القوة الأساسية في البلاد . إلا أن ما حدث في هذا الوقت أيضا هو
ازدياد قناعة بريطانيا بأن عليها الاعتماد على القوى الصهيونية إن هي أرادت سيطرة طويلة
الأمد على الوضع ، وقد أعطاها الصهاينة حالة فريدة لم تكن لها في أي من مستعمراتها
. هذه الحالة هي توفر قوة محلية لها مع الاستعمار البريطاني قضية مشتركة ، ومشحونة
حتى أقصى الحالات ضد السكان المحليين. [4] ارتفع عدد اليهود الذين يخدمون في البوليس في
فلسطين من 365 عام 1935 إلى 682 عام 1936 ، وفي أواخر ذلك العام أذنت الحكومة
بتجنيد 1240 يهوديا كبوليس إضافي مسلح ببنادق حربية ، وارتفع العدد بعد شهر إلى
2863 مجندا . ولعب ضباط بريطانيون دورا بارزا في قيادة مجموعات يهودية للهجوم على
قرى عربية. [5] ومن المعروف أن فرق البوليس الفلسطيني كانت
موزعة على كل المدن في فلسطين ، كما وكانت هذه الفرق من أقوى الفرق الرياضية في
فلسطين ، ويعود ذلك إلى اهتمام سلطات الانتداب بهذه الفرق وإلى التعاون الوثيق بين
الجانبين البريطاني والصهيوني.
استغلت
القيادة الصهيونية الرياضية أحداث 1936 لتوطيد علاقاتها الرياضية مع الانجليز.
فمنذ اندلاع ثورة عام 1936 قام الصهاينة بمنافسات رياضية في مجال السباحة وكرة
القدم والكرة المائية والهوكي مع الفرق الانجليزية من أجل جلبهم إلى المستوطنات
الصهيونية. يشير احد قيادات المكابي ناحوم
شيت "إن ما يهم الانجليزي هو النساء والرياضة . فالأول ليس من اختصاصنا أما
الرياضة فهي الحقل الوحيد الذي نستطيع أن نجد لغة مشتركة مع الشباب الانجليزي ومعظم
الجيش الانجليزي . فنحن نتمنى أن تقام علاقات وثيقة مع الانتداب في وجه الثورة
العربية".[6] لذا فقد دفعت مذكرة شيت
إلى أن تقوم الوكالة اليهودية بتعيين جورج فلاش (انجليزي) كمنصب منسق ومنظم
للعلاقات الرياضية بين المنظمات اليهودية الرياضية والجيش الانجليزي في "ارض
إسرائيل".[7]
[1] خير الدين أبو الجبين ، قصة حياتي في فلسطين والكويت
، دار الشروق ، 2000
[2] صحيفة الدفاع 25 تشرين أول 1936.
[3]
صحيفةالدفاع 27 آب 1936. تضيف هذه الصحيفة أيضا تحت عنوان (إغلاق النادي الرياضي)
وقد صعد ضابطان مع بعض أنفار البوليس مشهرين مسدساتهم إلى قاعة النادي. وكان أول
عمل قام به أحد الضابطين أن أطلق من مسدسه رصاصة في الهواء إرهاباً. وأمر الجميع
بأن لا يتحركوا من أماكنهم. وأن يرفعوا أيديهم إلى فوق لتفتيشهم وقد جرى التفتيش
في غرف النادي جميعها، وقلبها الجنود رأساً على عقب، كما فتشوا الشبان الموجودين.
وأخيراً عثروا على قنبلتين لم يعلم أحد كيف أحضرتا!
[6]:Harif, H.
GalilyYair, Sports and Politics in Palestine, 1918-48: Football as a Mirror
Reflecting the Relations between
Jews and Britons, Soccer and Society, Vol. 4, No.1 (Spring 2003),
pp.41-56.
No comments:
Post a Comment