عصام الخالدي
هناك مقولة كان يرددها دائما الصهاينة منذ عهد الانتداب وما زالوا يرددونها
حتى يومنا هذا وهي "لا علاقة للرياضة بالسياسة" ، ولكنهم في الواقع كانوا وما زالوا مع ربط
السياسة بالرياضة إذا كان هذا يخدم مصالحهم ، وضدها إذا كان يشكل خطراً عليهم ، فمن المعروف أن الحركة الصهيونية في فترة
الانتداب قامت باستغلال الرياضة من اجل تحقيق اهدافها من خلال الهيمنة على الحركة
الرياضية في فلسطين ، وإبعاد العرب وتمثيل فلسطين وكأنها يهودية على الساحة الرياضية
المحلية والإقليمية ، وفي آن واحد كانت وما زالت تقف أمام تطور الرياضة الفلسطينية
التي ترى بها سلاحاً من نوع جديد يعمل على تربية الشباب الفلسطيني بدنيا ، وعلى إبراز
الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال ظهور اسم وعلم فلسطين على الصعيد المحلي والعربي
والعالمي ، مدركة أن كل النجاحات التي حققها الفلسطينيون على الصعيد الرياضي كانت
بمثابة نجاحات على صعيد سياسي.[1] ولا نستطيع أن ننكر أن إدراك الخصم الإسرائيلي لهذه
الإنجازات التي حققتها الرياضة الفلسطينية نابع من إدراكه لمعنى الرياضة ووعيه للطاقة الكامنة في هذا النشاط الرياضي العظيم .
إن الذي ميز الرياضة الفلسطينية طيلة المئة عام الأخيرة هو خضوعها للظروف السياسية التي كانت تعصف بفلسطين وما زالت حتى يومنا
الحاضر ، فمنذ نشوئها في عشرينيات القرن الماضي لم تكن الرياضة بمعزل عن الأوضاع السياسية
فالحركة الرياضية كانت مرتبطة بالحركة الوطنية كما أن تأسيس الاتحاد الرياضي
الفلسطيني Palestine Sport
Federation
في عام 1931 جاء كرد على ممارسات الصهيونية من خلال محاولتها الهيمنة على الاتحاد
الفلسطيني لكرة القدم
Palestine Football Association الذي تأسس في عام 1928 ، وحاول إبعاد العرب عن الساحة الرياضية ، واحتكارها لها بهدف يصب في نهاية المطاف في إقامة الوطن القومي اليهودي.
واستمر نشاط هذا الاتحاد العربي PSFمتعاوناً مع
الحركة الكشفية ومؤتمر الشباب ، إلا أن توقف نشاطه في نهاية الثلاثينيات بسبب
الأوضاع التي نجمت عن ثورة 1936 – 1939 ،[2]
ومن ثم أعيد تأسيسه في ابريل عام 1944 واستمر حتى نهاية عام 1947. [3]
وقد حاول هذا الاتحاد بجهد أن يدخل في عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم متحديا
الاتحاد اليهودي في تكريس وجوده المطلق كممثل لفلسطين في الاتحاد الدولي ، إلا أن محاولته هذه باءت بالفشل بسبب نفوذ الآخر داخل الاتحاد الدولي.
أما بعد النكبة فقد تميزت الحركة الرياضية بالتشتت كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني ، لتصبح الرياضة وسيلة من أجل إثبات الهوية الفلسطينية ، والتصدي لمحاولات إسرائيل نفي وجودنا وإبعادنا عن الساحة الدولية. وكان إنشاء الاتحاد الرياضي الفلسطيني - لجنة كرة القدم في قطاع غزة عام 1962 نجاح كبير بالإضافة إلى تشكيل لجان لرياضات أخرى وانضمام بعضها ومحاولات انضمام البعض الآخر إلى الاتحادات الدولية. ثم شهدت الرياضة الفلسطينية فيما بعد انتقال مركز ثقل الحركة الرياضية من غزة إلى الأردن فلبنان وخضوعها للظروف الصعبة التي مرت بها المقاومة الفلسطينية منذ اشتعال الحرب الأهلية هناك وحتى خروجها في عام 1982. أما في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عام 197 فقد اصبحت الأندية الرياضية قلاع ضد الاحتلال الذي عمل على خنق الحركة الرياضية ، ورغم هذه الظروف التي كان يمر بها شعبنا تحت الاحتلال استطاعت القيادات الرياضية المناضلة من شعبنا تشكيل رابطة الأندية في الضفة وفي قطاع غزة التي كانت بمثابة وزارة للرياضة والشباب. وفي آن واحد كانت القيادات الفلسطينية في الخارج تطرق كل الأبواب من أجل انضمام الاتحادات الرياضية الفلسطينية إلى الاتحادات الدولية متحدية كل العقبات والأعذار "القانونية" بأن فلسطين تفتقد إلى "وضع دولة" ، بالإضافة إلى التحيز الذي ابدته الكثير من الاتحادات الدولية لرياضات أخرى تجاه الجانب الإسرائيلي ، إلا أنه في نهاية المطاف حققت فلسطين النصر العظيم عندما أصبحت عضوا في اللجنة الأولمبية الدولية عام 1995 والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عام 1998 بعد اربعة محاولات غير ناجحة ، وكان هذا النصر سياسيا أكثر منه رياضيا ، لأن الرياضة الفلسطينية كانت جزء لا يتجزأ من مسيرة النضال الوطني والسياسي الفلسطيني على مر عدة عقود .
أما بعد النكبة فقد تميزت الحركة الرياضية بالتشتت كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني ، لتصبح الرياضة وسيلة من أجل إثبات الهوية الفلسطينية ، والتصدي لمحاولات إسرائيل نفي وجودنا وإبعادنا عن الساحة الدولية. وكان إنشاء الاتحاد الرياضي الفلسطيني - لجنة كرة القدم في قطاع غزة عام 1962 نجاح كبير بالإضافة إلى تشكيل لجان لرياضات أخرى وانضمام بعضها ومحاولات انضمام البعض الآخر إلى الاتحادات الدولية. ثم شهدت الرياضة الفلسطينية فيما بعد انتقال مركز ثقل الحركة الرياضية من غزة إلى الأردن فلبنان وخضوعها للظروف الصعبة التي مرت بها المقاومة الفلسطينية منذ اشتعال الحرب الأهلية هناك وحتى خروجها في عام 1982. أما في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عام 197 فقد اصبحت الأندية الرياضية قلاع ضد الاحتلال الذي عمل على خنق الحركة الرياضية ، ورغم هذه الظروف التي كان يمر بها شعبنا تحت الاحتلال استطاعت القيادات الرياضية المناضلة من شعبنا تشكيل رابطة الأندية في الضفة وفي قطاع غزة التي كانت بمثابة وزارة للرياضة والشباب. وفي آن واحد كانت القيادات الفلسطينية في الخارج تطرق كل الأبواب من أجل انضمام الاتحادات الرياضية الفلسطينية إلى الاتحادات الدولية متحدية كل العقبات والأعذار "القانونية" بأن فلسطين تفتقد إلى "وضع دولة" ، بالإضافة إلى التحيز الذي ابدته الكثير من الاتحادات الدولية لرياضات أخرى تجاه الجانب الإسرائيلي ، إلا أنه في نهاية المطاف حققت فلسطين النصر العظيم عندما أصبحت عضوا في اللجنة الأولمبية الدولية عام 1995 والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عام 1998 بعد اربعة محاولات غير ناجحة ، وكان هذا النصر سياسيا أكثر منه رياضيا ، لأن الرياضة الفلسطينية كانت جزء لا يتجزأ من مسيرة النضال الوطني والسياسي الفلسطيني على مر عدة عقود .
ليست الرياضية نشاطا بدنيا تنافسيا وعلاقة تنشأ بين الناس من خلال هذا
التنافس فحسب ، بل هي أداة عظيمة من أجل تحقيق أهداف تربوية واخلاقية ووطنية
وايديولوجية ، ناهيك عن أن دورها يزداد يوما بعد يوم لتصبح وسيلة هامة من اجل إبراز
الهوية الوطنية لكل شعوب العالم وخاصة التي تعاني من الظلم والاستبداد. إن الذي
يميز علاقة السياسة بالرياضة في فلسطين في الوقت الراهن هو أنها (الرياضة) ليست
نشاطا تلقائيا عفوياً بل هي نظام أصبح يشكل جزء من النظام الوطني الأيديولوجي الذي
يعمل كقوة مؤثرة على الصعيد السياسي والتي تسمى بالعلوم السياسة القوة الناعمة.
وكما هو معروف في العلوم السياسية هناك تفاعل متبادل بين الدبلوماسية العامة
والرياضة (وهذا بالطبع يتماشى مع كل الأنشطة الثقافية الأخرى). لقد شكل انضمام فلسطين إلى اللجنة الأولمبية
الدولية وإلى الاتحاد الدولي وإرساء الرياضة على اسس تنظيمية واجتماعية وسياسية -
فكرية والتفاف فئات واسعة من شعبنا حولها ، ودعم قيادتنا السياسية الفلسطينية نقطة تحول في
الرياضة الفلسطينية لتصبح (الرياضة) قوة ناعمة يمكن استخدامها من أجل الوصول إلى عدة
أهداف وطنية وسياسية . ويجب ان لا تغيب عن البال حقيقة آخري هي ترابط وتفاعل
الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم مع الاتحاد الدولي الفيفا ، والدعم الذي قدمه الثاني
للأول والمواقف الرجولية لرئيسه - جوزيف بلاتر (والتي من المحتمل أنه دفع ثمنها لاحقا !).
لقد اصبحت الرياضة ساحة اهتمام من قبل الدبلوماسية العامة التي تسعى إلى زيادة قوتها الناعمة ، فمن المعروف أن الزيارات
الرياضية المنظمة هي جزء من الدبلوماسية العامة ، فالرياضة والدبلوماسية تطورت عبر آلاف السنين ، ولكن التفاعل المتبادل بينهما تسارع في المئة عام الأخيرة. كما أن
احدى الأهداف التي وضعها البارون دي كوبرتان الذي وجد الألعاب الأولمبية في عام
1896 ، هي أن تفتح آفاق الاتصال والتعاون بين الشعوب والقادة من دول كثيرة ، وإظهار
وإثبات أن العلاقات الدولية الودية ممكنة ، فخلال القرن الماضي كانت هذه المثل قد
تحققت إلى حد ما في بعض المناسبات .
لم تكن الرياضة أبداً بمعزل عما يدور في أي بلد أو مجتمع من أحداث سواء على الصعيد الاجتماعي أم الاقتصادي أم السياسي ، فمن المؤكد أن وجود الرياضة خارج حيز السياسية وبمعزل عنها هو أمر نادر ، وفي كثير من الحالات نرى تداخل بين الرياضة والسياسة بحيث يُستعصى فصل بعضهما عن بعض. من الواضح أن علاقة الرياضة الفلسطينية بالسياسة
خلال تاريخ فلسطين الرياضي تمثلت في مرحلتين ، الأولى: مرحلة تأثر الرياضة بالظروف السياسة
بشكل غير مباشر دون لعبها دورا سياسيا ، والثانية: مرحلة تأثرها بالظروف السياسية مع
استخدامها المباشر كقوة ناعمة . ودليل على ذلك فقد اصبحنا نسمع في الآونة الأخيرة
هذه العبارة "نجحت الرياضة فيما عجزت عنه السياسة" ، "سنسعى إلى الدخول
في المحافل الدولية من خلال الباب الخلفي" - أي من خلال القوى الناعمة
كالرياضة وغيرها. يشير أوكلي عالم الاجتماع الرياضي إلى أنه من المعروف أن الكثير من
الدول التي تفتقد إلى قوة دولية سواء سياسية أو اقتصادية الرياضة تستخدم الرياضي
من اجل السعي الشامل للاعتراف الدولي والشرعية ، فبالنسبة لها فإن الألعاب الأولمبية
والرياضات الدولية الأخرى كانت مراحل من أجل إظهار أن رياضييهم وفرقهم تستطيع أن
تصمد وفي كثير من الاحيان بمقدورها أن تهزم رياضيين وفرق من دول غنية وقوية. [4] ويضيف كوكلي أنه ما دامت هناك دول في العالم ما دام هناك حاجة للدبلوماسية ، وسيسعى السياسيون من أجل البحث عن خلق طرق واساليب جديدة لإيصال رسالتهم. في الماضي كانت الحرب هي الخيار
الأفضل. ولكن أن تقنع الطرف الآخر بما أنت تطرحه فهو ما يريده ، حتى لو كان ما تطرحه
يختلف تماما عن ما يرغبه الطرف الآخر فإن الشيء الجذاب في شكل هذا الطرح أفضل من
الشيء الذي تسعى إليه في الواقع القوى الكبرى والصغرى.
بالطبع يجب عدم المبالغة في الدور السياسي والدبلوماسي للرياضة فعندما تأتي
إلى المواضيع الجدية التي لها مصلحة قومية حيوية ، فإن الرياضة لم يكن لها تأثير
سياسي ، إن مسؤولي الدول لا يستخدمون الرياضة في مفاوضاتهم حول السياسات القومية
والدولية المهمة. إلا أنه عندما يدور الحديث عن الصداقة والتبادل الثقافي
والعلاقات العامة بين المسؤولين من دول مختلفة ، فإن الرياضة لها دور مفيدة في كثير
من الأحيان. لقد وفرت الرياضة الدولية الفرص للمسؤولين من دول مختلفة للالتقاء
والتحدث برغم أنها لا تؤثر على ما يتحدثون به ، أو على محصلة المحادثات.
بالطبع هذه الرياضات جلبت الرياضيين معا ليتعرفوا على بعضهم البعض ، إلا أن الرياضيين ليس لهم تأثير
على القرارات السياسية ، والعلاقة بين الرياضيين ليس لها اهمية سياسية. [5]
لربما أن علماء
الاجتماع الرياضي لا يدركون جيدا (أو أنهم يغضون النظر عن) دور الرياضة في تحرير الشعوب وعلاقة الرياضة بالسياسة في الحالة
الفلسطينية التي هي علاقة مميزة لأن تاريخ فلسطين الحديث هو تاريخ مميز ، وأكثر ما
يميزه هو الخطر الصهيوني (الذي ما زال حتى وقتنا الحاضر)، ثم النكبة التي حلت بشعبنا ، وتشتته وتشتت الرياضة معه. لذا
وليس من المبالغ به أن الرياضة كانت احدى الوسائل التي لعبت دورا في تنشيط القضية
الفلسطينية عالميا في العقود السابقة ، وفي رفع اسم وعلم فلسطين على الساحة
العربية والدولية منذ بداية الخمسينيات وحتى وقتنا الحالي. كما كانت
الرياضة وما زالت وسيلة فعالة من أجل فضح ممارسات إسرائيل
وجرائمها بحق رياضتنا ورياضيينا وشعبنا الفلسطيني ، لأن الاحتلال يدرك
جيدا - كما اشرنا سابقاً - أن التطور على الصعيد الرياضي خاصة في الحالة
الفلسطينية هو في نهاية المطاف نصر على الصعيد السياسي. ومن المؤكد
أنه كانت هناك رغبة وآمال لدى الكثيرين في أن يروا قرارا لطرد
إسرائيل من الفيفا ولو حدث هذا لكان بإمكان الرياضة الفلسطينية أن يكون
لها دوراً أكبر كقوة مؤثرة ومقاومة لسياسة الأبارتايد .
الملاحظات والمراجع
[1] من أجل التعرف على
تاريخ الرياضة الفلسطينية ممكن الاستعانة بهذا الموقع : www.hpalestinesports.net
[2]حتى أن نشوء ناد مثل شباب العرب في حيفا نجم
عن اسباب سياسية . أنظر: نادي شباب العرب في
حيفا www.hpalestinesports.net
[3]عصام الخالدي ، الحركة الرياضية في فلسطين .... دروس وعبر ، المجلة الثقافية ، الجامعة الأردنية ، العدد 53 ، 2001.
No comments:
Post a Comment