عصام الخالدي
يلاحظ المطلع على تاريخ الحركة الرياضية في
فلسطين أن الصهاينة حاولوا تهميش العرب والتفرد والهيمنة على الحركة الرياضية ،
فهم أرادوا أن يمثلوا فلسطين على أنها "يهودية" ليوعزوا للعالم أنها
جاهزة لتكون وطنهم القومي اليهودي. وفي آن واحد عندما كانوا يمثلون فلسطين (تحت
اسم فلسطين) كانوا يحملون الجنسية الفلسطينية . فهل هذا يؤهلنا بالاعتراف
بإنجازاتهم على أنها كانت في نهاية المطاف تصب في مصلحة فلسطين في الوقت الذي كان
الصهاينة يسخرون الرياضة من اجل تحقيق أهدافهم . [1]
إن هذا يذكرني بما أشار إليه الدكتور أحمد جميل العزم في مقال له بعنوان "كأس
العالم .... مشهد فلسطيني"قصة الشهيد ياسر عرفات ومقابلة تلفزيونية على "سي. إن. إن" ومعه الراحل
الملك الحسين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، الذي حاجج عرفات انه ولد في
القدس وأحبها، فحاججه الأخير بقوله "ولكنك كنت فلسطينيا حينها" وجنسيتك
فلسطينية. [2]
لا أحد ينكر أنه كان هناك تقدم ملحوظ في
مستوى الرياضة اليهودية التي كانت تسبق في مستواها التنظيمي الرياضة العربية
، فالمهاجرون اليهود قد هاجروا إلى فلسطين من دول صناعية متطورة حاملين معهم خبرة
وثقافة من ضمنها الرياضية . وحول هذه المسألة يشير وليد الخالدي إلى أن الصهاينة
كانوا ينتمون إلى مجتمع غربي صناعي اشتراكي، ذي مركزية التنظيم وقد قادت هذا
المجتمع نخبة من الإداريين الفعالين والملتزمين الذين كانوا يملكوا الثقة العالية
بكفاءتهم نحو طبيعة الأمور.[3] كما ان وعي القيادات الصهيونية لأهمية
الرياضة في تحقيق اهدافها المرجوة في فلسطين كان يفوق ما هو عند القيادات العربية،
ناهيك عن الدعم الخارجي ودعم القيادة الصهيونية للرياضة والتعاون والدعم الانجليزي
للرياضة اليهودية بمجموعه اعطى دفعة قوية لتطور الرياضة اليهودية .
لم يهاجر اليهود إلى فلسطين من اجل التعاون
مع العرب وإقامة كيان مشترك بل هم كانوا صهاينة وأتوا لفلسطين من أجل إقامة الوطن
القومي ، وكما يشير ادوارد سعيد أن أكبر خطيئة ارتكبها الصهاينة هي تجاهل للعرب.
وهناك تشابه بين الانتداب (الاستعمار) البريطاني في فلسطين والحركة الصهيونية في
فلسطين فكلاهما كان يستند إلى عقيدة التفوق العرقي ، وإلى الهيمنة
السياسية والقانونية وإخضاع الفلسطينيين للتبعية الاقتصادية
والسياسية، وعدم المساواة العرقية والثقافية المؤسسية. ومن
مظاهر الشعور بالتفوق كما كان واضحا هوالنظرة الفوقية من المهاجرين الصهاينة تجاه
العرب والتي كانت واضحة حتى المجال الرياضي في فلسطين.
نعم
كانت هناك العديد من اللقاءات الرياضية في كرة القدم والملاكمة التي كانت تعكس حسن
النية لدى الطرفين ، وكانت فارغة من أي كراهية أو حقد ، إلا إن تفاقم الأوضاع
السياسية بشكل عام التي نجمت عن زيادة الهجرة اليهودية وسياسة الانحياز البريطاني
للمشروع الصهيوني أدت إلى تردي العلاقات بين الطرفين التي من ضمنها الرياضية. من
المعروف أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم تأسس في عام 1928 من اليهود والأنجليز
والعرب ، وفورا بعد تأسيسه بدأت الهيمنة الصهيونية وإبعاد العرب عنه ، هذا ما أدى
إلى أن تقوم مجموعة من الشباب في عام 1931 بقيادة الدكتور داود الحسيني بتأسيس الاتحاد
الرياضي الفلسطيني (العربي) . وتعبيرا عن روح الحقد والسخط والإصرار على عدم التعاون مع
الطرف الصهيوني بسب ممارسته الخبيثة في السيطرة على الحركة الرياضية فقد تم
الإشارة في القانون الداخلي إلى عدم
التعاون مع الأندية الرياضية الصهيونية وعدم تعيين حكام يهود لإدارة المباريات بين الفرق العربية.
ففي إحدى المباريات بكرة القدم بين فريق نادي الشبيبة الأرثوذكسية بيافا والنادي
الرياضي بالقدس حدث خلاف بينهما حول إصرار الأخير تعيين حكم يهودي للمباراة مما
أدى إلى أن هدد النادي الأرثوذكسي بتقديم استقالته وانسحابه من الاتحاد حيث اعتبر
تعيين حكم يهودي منافيا لغاية الاتحاد ولم يتم قبوله مطلقا.[4]فتحت
عنوان (حكم يهودي لمباراة عربية) جاء في صحيفة (فلسطين) "كثر اللفظ في البلدة
لاسيما في الأندية الرياضية حول مباراة القدس الأخيرة بين فريق النادي الأرثوذكسي
اليافي والنادي العربي وقد رأى مندوبنا أن يتصل بالسيد مشيل عازر رئيس النادي
الأرثوذكسي فاخبره بأنه استلم تحريراً من سكرتير الاتحاد يوم 14 الجاري جاء فيه
أنه قد "عين السيد شكري حرامي حكماً للمباراة المذكورة " وعند البدء
بالمباراة لم يكن المذكور حاضراً وعندما رشح فريق النادي العربي الأدون بيير شبيرو
ورفضه رفضاً باتاً لأنه ينافي غاية الاتحاد ولا يمكن قبوله مطلقاً حتى ولو قبله
اللاعبون من الفريقين وقد أكد لنا بأن الأدون بيير شبيرو وسبق للنادي العربي أن
رشحه حكماً بتحرير لسكرتير الاتحاد الرياضي. أما السيد حرامي فقد حضر كمتفرج واخبر
بأنه لم يستلم تحريراً من سكرتير الاتحاد ليكون حكما وأما الأدون بيير شبيرو فقد
اظهر بأنه لا يصلح أن يكون حكماً حتى لمباراة أطفال مدارس وقد احتج فريق النادي
الأرثوذكسي ضد أحكامه غير العادلة أثناء اللعب وقد كان بودهم أن ينسحبوا لكنهم
اكتفوا أن يقدموا الاحتجاج للاتحاد حرصاً على راحة المتفرجين وإتباعا للروح
الرياضية". [5]
وكانت صحيفة (الكرمل) قد انتقدت لقاءات
الفرق العربية مع نظيرتها الصهيونية حيث اوردت خبر بعنوان (النوادي الرياضية) "بلغنا
بأن فريق نادي الاتحاد الأدبي الحيفاوي قد تبارى في يومي السبت والأحد الماضيين مع
فريق الهابوعيل الرياضي [كان يتبع
الهستدروت – منظمة عمالية صهيونية] في تل أبيب وقد ساءنا جدا خروج هذا الفريق على
كلمة الأندية العربية التي تقول أن من العار على أي فريق عربي منازلة الفرق
الصهيونية ونحل هذا النادي على فريق نادي
معاوية الدمشقي الذي عدل عن منازلة الفرق الصهيونية نزولا على إرادة الفرق العربية
كما بلغنا بأن الفرق الصهيونية قد هزمت الفريق العربي في المباراتين وفي حالة مثل
هذه يقع اللوم على الهيئة الإدارية لهذا النادي التي استغربنا كيف جاز لها أن
تتورط فيما عاد على النادي بالفشل والهزيمة وعلى كل نأمل أن تكون صدمة هذا النادي
درس للمستقبل."[6]
يشير رشيد الخالدي إلى أن
الفلسطينيين لم ينظروا إلى المهاجرين اليهود إلى فلسطين في المقام الأول كلاجئين هاربين
من الاضطهاد، كما كان ينظر إليهم من قبل معظم بقية العالم. بدلا من ذلك كانوا
ينظرون إليهم كمتطفلين أوروبيين متغطرسين غير قابلين
بالفلسطينيين كشعب أو أنهم (الفلسطينيون) كان لهم حقوقهم
الوطنية في بلدهم، بل كانوا يعتقدون أن فلسطين كانت ملكا لهم،
وكانوا مصممين ببرود لجعل هذا الاعتقاد
واقعا ملموسا. كان هناك مزيد من الإصرار العنيد من جانب معظم
العرب على رؤية اليهود كأعضاء في طائفة دينية وليس كمجموعة وطنية (وكان هذا الموقف قد استمر طويلا في أوساط
العرب عموما لعدة عقود). وهكذا فإن محاولة التوصل إلى نوع من
التسوية مع الصهيونية قد تكون حكمة دبلوماسية ، إلا أن مصيرها كان الفشل المحتوم بسبب دوافع الحركة
الصهيونية للهيمنة على فلسطين، والمقاومة الطبيعية لهذه الدوافع من السكان الأصليين.[7]
في كانون الأول 1945 اصدرت الجامعة العربية قراراً يقضي
بمقاطعة البضائع اليهودية المُنتجَة في فلسطين ،[8]
وقد شملت هذه المقاطعة مجالات عديدة كان من ضمنها المقاطعة في المجال الرياضي. ومن
المعروف أن المجموعات السياسية العربية في فلسطين كانت تُمثل في مجلس الجامعة العربية.
تحت عنوان "المقاطعة" نشرت صحيفة (البالستين
بوست) في آذار 1946 : إن المشاكل التي خلقتها المقاطعة المعادية للصهيونية قد
تعومل معها في مقالة رائدة في صحيفة "لورينت" من قبل محررها
السياسي السيد م. لبكة بشأن قرار نادي تل
ابيب للتزلج عدم زيارة لبنان. فقد اوضح النادي أنه بسبب العداء للصهيونية فأنه
يفضل التزلج في قبرص. ويذهب السيد لبكة قائلا ان مقاله كتب خصيصا للقاهرة وبغداد
ودمشق لكي يعرفوا أن المقاطعة قد ادت إلى تضرر لبنان أكثر من فلسطين. فلبنان لم
يكن زبون كبير للصناعة الفلسطينية ولكنه كان موردا . وقد توقف لبنان عن الحصول من
فلسطين على كيماويات ومنتوجات الصيدلة التي لا يمكن الحصول عليها من أوروبا او
امريكا. إن تهريب البضائع الفلسطينية كانت مستمرة بأي شكل ، وبالطبع اصبحت نوع من
المؤسسة الوطنية . وكانت مؤسسة مكلفة محكوم عليها بالفشل . ويطالب المقال أن تقوم
الجامعة العربية بالنظر في دفع تعويضات لتغطية الخسائر اللبنانية وان تختم بالسؤال
لماذا كانت كلفة الطاعة اللبنانية للجامعة العربية قليلة جداً. من الواضح أن وجهة
نظر "لورينت" مفهومة على نطاق واسع. [9]
حاولت هذه الصحيفة (بالستين بوست) التي كانت
تخدم الأهداف الصهيونية أن تقلل من قيمة هذه المقاطعة بالادعاء أن لها تأثير سلبي
، وكان ذلك من خلال احد الأخبار عن احتفال
مدرسة (الفرندز) السنوي الذي كان مليئا كالعادة بالمفاجآت والفقرات المشوقة مثل
العاب القوى . فتشير هذه الصحيفة إلى "أن "المقاطعة" التي ذكر
بأنها كانت معلنة ضد الرياضة بدأت ترى نتيجتها العكسية ، حيث أقبل عدد من الناس
ليرى كيف أثرت المقاطعة على الرياضة. ونتيجة لذلك فقد يبدو أن هناك مزيداً من
الناس كانوا حاضرين اكثر من المعتاد ، فكل خيمة كانت مليئة بينما الاسوار المحيطة
في الملعب كانت متراصة مثل علب السردين .....
القنصل الأمريكي العام السيد ل. س. بنكرتوناستقبل بتصفيق حاد عندما ظهر في
الملعب بينما قوبلت السيدة بنكرتون بهتافات من القلوب بعد ان قدمت الجوائز والدروع
في نهاية الحفل." [10]
رغم الدعم الكبير الذي قدمه البريطانيين
للصهاينة في كل المجالات التي منها الرياضي واستغلال الثاني للرياضة في تحقيق
اهدافه السياسية في فلسطين التي من ضمنها تهميش وإبعاد العرب عن الساحة الرياضية ،
إلا أننا كنا نرى بعض الصحفيين اليهود يدعو العرب للتعاون الرياضي مع الجانب الصهيوني
. فمن المعروف الصهاينة كانوا يستغلون الرياضة من اجل اهدافهم السياسية إذا كانت
تخدم مصالحهم وفي آن واحد عنما كانت تتهدد مصالحهم كانوا يتهمون العرب بأنهم
يخلطون بين الرياضة والسياسة : "علينا أن نجد أولا مجموعة صغيرة من الرياضيين
العرب التي ستستمع لنا ولدعواتنا أن الرياضة والسياسة يجب ان لا يخلطا معا وأن
العلاقات الجيدة والمتبادلة بين رياضيي كلا الطرفين ممكن ان تجلب تحسن الصداقة
بشكل عام."[11]
استمر
عمل الاتحاد الرياضي الفلسطيني حتى نهاية الثلاثينيات مما اضطر بعض الفرق العربية
للانضمام للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي كان يهيمن عليه اليهود. وفي عام 1943
بدأت هذه الفرق بالانسحاب من هذا الاتحاد لتعيد تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني في
عام 1944 الذي استمر نشاطه حتى 1948.وقد تضمن القانون الداخلي لهذا الاتحاد بندا ينص
على منع أي فريق أو ناد من التباري مع الفرق اليهودية هذا ما أدى إلى القطيعة
التامة بين العرب واليهود في المجال الرياضي بعد تفاقم الأوضاع السياسية في
فلسطين. [12]
ومن بين الأندية التي انضمت إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم من حيفا (نادي شباب
العرب ، الترسانة ، النادي الرياضي الإسلامي) ، يافا (النادي الرياضي الإسلامي) ، القدس
(النادي الأرثوذكسي والنادي المسيحي). ويجب أن لا يغيب عن البال أنه كان هناك
اتحادين للملاكمة احدهما كان تابعا للاتحاد الرياضي الفلسطيني والآخر محترف مستقل
استمر باللقاء مع الفرق اليهودية حتى نهاية 1945 أي بعد إعادة تأسيس الاتحاد
الرياضي الفلسطيني في أيلول 1944.
بالطبع لم تقتصر هذه اللقاءات على كرة القدم
بل شملت أيضا كرة السلة والملاكمة والتنس الأرضي، ناهيك عن أنه هناك مؤسسات مثل
جمعية الشبان المسيحية في القدس كانت تضم
لاعبين عرب ويهود وانجليز وأرمن. وهذه امثلة عن عشرات اللقاءات بين الفرق العربية
واليهودية من الصحف العربية واليهودية.
اجريت مباراة بين فريق "كاديما"
وفريق عربي منتقى وكانت النتيجة 3 إلى واحد لصالح الفريق الأول. [13]
وتحت عنوان (العرب يفوزون بمباراة كرة القدم)جاء في صحيفة بالستين بيولتين في أيار
1928 أنه كانت نتيجة المباراة بين فريق المكابيوالفريق العربي يوم السبت بعد الظهر
فوز الفريق العربي باثنين إلى واحد. [14]ولم
تذكر الصحيفة اسم النادي العربي. وتحت عنوان العرب ضد هاشموناي نشرت صحيفة بالستين
بيوليتين في عام 1930 هذا الخبر : "سوف يتقابل النادي الرياضي العربي مع فريق
الهاشموناي لكرة القدم على ملعب الثاني غدا بعد الظهر."[15]"جرت
مباراة هامة بكرة القدم على ملعب البصة بيافا بين منخب المعهد الأولمبي وفريق
البيتار اليهودي وهو من اقوى الفرق اليهودية في كرة القدم بتل ابيب وقد تغلب فريق
المعهد بإصابة واحدة للاشىء للفريق الآخر" [16]"تبارت
فرقة النادي الرياضي القومي (سابقا النادي الرياضي الإسلامي) في الساعة الرابعة من
بعد ظهر أمس على ملعب البصة بيافا مع فرقة هابوعيل ملبس على كأس كرة القدم بفلسطين
وقد تغلبت فرقة النادي بأربع إصابات مقابل إصابتين للفرقة الثانية وكان اللعب
حماسياً."[17]وفي
نيسان 1940 نشرت صحيفة بالستين بوست خبرا مفاده أنه لأول مرة في فلسطين يتقابل
فريق يهودي وفريق عربي في الهوكي في مباراة بين بوليس تل أبيب والمدرسة الأميرية
في يافا على ملعب البصة . حيث فاز فريق البوليس 2 – 1. [18]
وفي كرة السلة كانت تجرى هناك مباريات هامشية
في الثلاثينيات أما المشاركة الفعلية فكانت عندما شارك النادي الأرثوذكسي في
البطولة التي أقامها الاتحاد الرياضي الفلسطيني (اليهودي) للعام 1941/42 وتبارى مع
الأندية اليهودية بالإضافة إلى جمعية الشبان المسيحية ونادي الهومنتمن والهويتشمن
الأرمنيين.
أما في الملاكمة فقد كانت هناك لقاءات عديدة
خاصة في الثلاثينيات بين الملاكمين العرب واليهود شارك بها الملاكمون الفلسطينيون
من أمثال أديب كمال وسنحاريب صليبا وأديب الدسوقي وجورج نجار ومحمد الشامي. في احد
اعدادها في عام 1934 وصفت صحيفة البالستين بوست (ذات اتجاه داعم للصهيونية) احد
اللقاءات بين الملاكم الفلسطيني سنحاريب صليبا والملاكم اليهودي إميل افيناريتحت
عنوان (هزيمة بطل سوري) متجاهلة هويته الوطنية ومكان ميلاده مع العلم أنه فلسطيني
من مواليد بيت لحم واسمه الحقيقي عزيز عبدالله :
بالرغم من أن الملاكم السوري كان يزن فقط
رطلين [two pounds
أي حوالي كيلوغرام] اكثر من خصمه فهو كان يبدو انه من فئة الوزن الثقيل اكثر من
الوزن الوسط. حافظ إميل على سمعته بفوزه اربع جولات من ستة ، ولكن ليس بسهولة .
وكما كان متوقعا أنها مباراة تكنيك ضد قوة بدنية. في الجولة الأولى قام الرجل المحلي
[إميل] بهجوم مستمر وفي الجولة الثانية استخدم قبضته السريعة موجها لكماته إلى وجه
السوري مسببا نزيف من انفه. وهذا لم يقهر صليبا بل ازعجه فخلال دقائقه الشديدة قام
بارتكاب خطأ بأن لم يدافع جيدا عن نفسه وأبقى وجهه مكشوفا ليستغل ذلك إميل ويسدد
لكماته له. ولم يعط اللاعب السوري انطباعا بعد ذلك، حيث كان يسدد لكماته إلى جسد
خصمه بدون نتيجة. وليس غريبا أن ترى اللاعب السوري ينتعش في الجولة الأخيرة.[19]
في عام 1945 التقى فريق الملاكمة في المعهد
الأولمبي بيافا مع نظيره هابوعيل حيفا في كل الأوزان حيث فاز الثاني بثمان نقاط
مقابل اربع نقاط للمعهد الأولمبي. [20]
وفي آن واحد لم تكن هذه اللقاءات تخلو من المشاحنات
والحزازات كما أن الجو السياسي العام ومحاولة الفرق اليهودية رفع الأعلام
الصهيونية كان دائما يستفز مشاعر العرب. في إحدى المباريات بين فريق النادي
الأرثوذكسي في يافا والمكابي ، أخذ قسم من المتفرجين اليهود بإبداء مظاهر السرور
بصورة استفزت شعور من حضر المباراة من أبناء العرب بعد فوز فريقهم ، مما أدى إلى
اشتباك كل من الفريقين في الضرب واللكم إلى أن حضرت من يافا قوة كبيرة من البوليس
في السيارات . [21]وفي
مباراة أخرى بين فريق الهابوعيل اليهودي والنادي الرياضي الإسلامي بيافا استاء
العرب من تصرفات أحد الحكام الصهاينة لتحيزه لفريق نادي الهبوعيل اليهودي الذي كان
متفوقا على النادي الإسلامي بيافا ، ولكن كما صرح أحد القياديين فيه فقد كان من
الممكن له لما أظهره لاعبوه من المهارة والحنكة أن يتغلب على النادي اليهودي لولا
التحيز الواضح الذي أبداه الحكم اليهودي إذ ذاك فقد أدخلت الكرة مرتين إلى شبكة
الهابوعيل وفي كل مرة كان يخرجها الظهير بسرعة فائقة ويواصلون اللعب كأنها لم تدخل
والحكم يشجعهم على ذلك بعدم الصفير.
في أيار 1929 جاء في صحيفة (فلسطين) خبر تحت عنوان
"إهانة علم الهابوعيل في دمشق" "سافرت فرقة الهابوعيل بتل أبيب
التي سبق لها أن حازت على بطولة فلسطين لسنة 1928 إلى سوريا ولبنان لتباري فرقهما
الرياضية. ففي 4 الجاري تبارت مع أقوى فرقة للجامعة الأمريكية ببيروت ونالت
إصابتين ضد ثلاثة للجامعة التي حل أفراد الفرقة ضيوفا عليها. وفي اليوم الثاني
دعيت لتباري فرقة النهضة في بيروت فغلبت بثلاث إصابات ضد خمس. وقد سافرت منذ يومين
إلى دمشق لتباري نادي بردى فتغلبت عليه بإصابتين ضد واحدة ونالت بذلك النصر الأول
في تلك البلاد. وبعد المباراة أحيطت هذه الفرقة ببعض أصدقائها . وأخذوا يغنون
ورفعت الفرقة علمها وهو العلم الصهيوني ، فأساء هذا العمل الشباب الوطنيين
الدمشقيين فلما رفضت الفرقة إنزال العلم ، واعتزمت أن تسير به في الشوارع استعمل
بعض السوريين الوطنيين القوة فتبادل الفريقان اللكمات ، وكانت النتيجة أن مزق
العلم الصهيوني . وقد أسرع البوليس فاخمد هذا الشجار البسيط."
أيضا فقد ورد هذا الخبر في صحيفة (فلسطين) "في ميناء بيروت رسى مركبان شرعيان يخفق فوقهما العلم الصهيوني ...
وهما يقلان الأربعة عشرة عضواً من أعضاء فرقة المكابي البحرية في تل أبيب وهم
يرتدون لباس البحارة المعروف وهم من مدرسة (شيشيب) يتخرج منها البحارة. وقد رفضت
السلطات اللبنانية دخولهم بعد أن عوينت جوازاتهم وجد بها نقص اوجب منهم من الدخول.
وقد ادعى رئيسهم أن الرياضيين في العالم كله يتزاورون ولا جناح عليهم لأنهم ابعد
الناس عن السياسة."[22]
في مباراة بين فريق الاتحاد السكندري ومنتخب
الهابوعيل في تموز 1932 والهاشموناي شكا فريق الاتحاد السكندري من التحيز الذي
أظهره الحكم اليهودي مما جعل الشعب يصخب وينتقم ويشتم كما أن الفريق اليهودي اختار
للمباراة ملعبا صغيرا مملوء بالحصى وكل هذا بقصد التغلب على الفريق المصري أو
التعادل وإياه.
بعد إعادة تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني
(عام 1944) وفي الوقت الذي لوحظ به تطور ملموس في الرياضة العربية في فلسطين وفي
أداء الفرق الكروية نشرت صحيفة (فلسطين) في 20 كانون الثاني 1946 خبر مفاده أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جذب هذه
الفرق والأندية بأن عرض عليها العضوية فيه. وقد استجابت بعض الأندية لهذا العرض
مؤكدة أنها ملتزمة بعضويتها مع الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي) ، ومُصرة على
عدم الانتماء لهذا الاتحاد الصهيوني. لذلك فقد طلب الاتحاد العربي من الأندية
العربية أن يرسلوا ردود مشابهة . أيضا فقد اعدت اللجنة المركزية للاتحاد الرياضي
الفلسطيني هذه الردود ووزعتها على الأندية لكي ترسلها الثانية إلى الاتحاد
الصهيوني.
كانت هذه اللقاءات سواء أكانت في كرة القدم أم في الملاكمة تعتمد بشكل عام على
العلاقات الرياضية بين الطرفين فقد مرت هذه اللقاءات في أربع مراحل ، أولا: العشرينيات
وحتى تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني في عام 1931 حيث لوحظ في هذه الفترة بعض
اللقاءات في الملاكمة وكرة القدم. ثانيا: 1931 –
1937 توقفت اللقاءات بين الطرفين بسبب توتر العلاقات بينهما ومنع الاتحاد
الرياضي الفلسطيني أي فريق من التباري مع الطرف اليهودي. ثالثا: 1937 – 1943
تزايدت اللقاءات بين الطرفين بسبب الوضع شبه المشلول للاتحاد الرياضي الفلسطيني وانضمام
الأندية العربية للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي كان يهيمن عليه الصهاينة.
رابعا: 1944 – 1947 توقفت اللقاءات بالكامل بسبب الحقد المتزايد على الطرف الصهيوني
وإعادة تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي دعا في قانونه الداخلي إلى عدم
التباري مع الجهات الصهيونية. وبشكل عام كانت العلاقات الرياضية في تلك الفترة تخضع للظروف السياسية التي عملت على تأزم العلاقات بين الطرفين وذلك بسب الأخطار الصهيونية وتمادي الطرف البريطاني في تقديم العون للخصم الصهيوني.
المصادر والملاحظات:
[1] من اجل التعرف على
الرياضة الفلسطينية في فترة الانتداب ، أنظر: www.palestinesports.net
[2] أحمد جميل العزم ، كأس
العالم ... مشهد فلسطيني ، موقع افكار ومواقف ، 26 حزيران 2014 ،
http://www.alghad.com/articles/810844
[3] انظر: Khalidi, Walid. Palestine Reborn,
London , I.B. Tauris and Co,.1992
[4] بدأ هذا الخلاف في كانون الثاني 1933 واستمر حتى أيار من
ذلك العام عندما تقدم النادي الأرثوذكسي بتقديم استقالته من الاتحاد ولكن طلبه هذا
قوبل بالرفض. وقد قرر فريق التحكيم التابع للاتحاد إعادة المباراة التي تم الخلاف حولها
في السابق ، إلا أن النادي الأرثوذكسي امتنع عن المشاركة في هذه المباراة بعد أن كان قد طلب من الحكام تأجيل
موعدها بعد أن تكون لجنة الاتحاد قد فصلت في أمر المباراة الأولى المختلف عليها . ولكن الحكام
اعتبروا هذا فوزا للنادي الرياضي العربي . هذا مما أدى إلى تدخل مكتب
اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشباب العرب بين نادي الشبيبة الأرثوذكسية بيافا ولجنة
الاتحاد الرياضي الفلسطيني لفض هذا الخلاف وقد أرسل رئيس اللجنة كتابا إلى رئيس
النادي يطلب إليه فيه تنازله عن حق النادي في هذا الخلاف حباً بالمحافظة على كيان
الاتحاد ، وقد وافق النادي الأرثوذكسي على تنازله عن حقه بقبوله اعتبار النادي
الرياضي العربي فائزاً في درع مؤتمر الشباب حيث اعتبر هذا التنازل من طرفه فوزاً
أدبيا وتضحية هائلة في سبيل المصلحة العامة. ورد هذا الخبر في صحيفة (فلسطين) في
20 أيار 1933.
[5] صحيفة (فلسطين) 21 كانون ثاني 1933.
[6] صحيفة (الكرمل) 10 تشرين
الأول 1932
[7] Khalidi Rashid,The Iron Cage, (Boston: Beacon, 2006), p. 120
[8] صحيفة (نيويورك تايمز) ، 4 كانون الثاني 1945.
[9] صحيفة (بالستين بوست) ، 15
آذار 1946
[10] صحيفة (بالستين بوست) ، 27
أيار 1946.
[11] Shimon Samet, Ha'aretz, April 17, 1936. Quoted
in Haggai, Harrif, Galily, Yair, “Sport and Politics in Palestine, 1918-48:
Football as a mirror reflecting the Relations between Jews and Briton”. Soccer
and Society, Vol. 4, No.1, Spring, 2003, pp.41-56
[12] الاتحاد الرياضي الفلسطيني ، القانون الداخلي ،
1946.
[13] صيفة (بالستين بوليتن) 13 تموز 1927.
[14] صحيفة (بالستين بوليتين) ، 21 أيار 1928
[15] صحيفة (بالستين بولتين) ، 24 كان الأول 1930
[16] صحيفة (فلسطين) ، 11 كانون الثاني 1941.
[17] صحيفة (فلسطين) ، 12 كانون الأول 1941
[18] (بالستين بوست) ، 12
نيسان 1940
[19] (بالستين بوست) ، 26 كانون الثاني 1934.
[20] (بالستين بوست) ، 22 آب 1945
[21] صحيفة (فلسطين) ، نيسان 1926 .
[22] صحيفة (فلسطين) ، 29 أيار 1931
No comments:
Post a Comment