عصام الخالدي
من
المؤكد أنه لا يكتب لأي حركة وطنية النجاح دون الاعتماد على عامل الشباب ، وإن
تاريخ فلسطين شاهد على ذلك ، فقد قدم شباب فلسطين (وما زالوا) أرواحهم
وجهودهم ووقتهم ومالهم في صراعهم مع سلطات الانتداب والصهيونية ، وكانت الحركة الشبابية جزء من الحركة الوطنية
وداعمة لها. في كتابه (فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية - يافا ، 1937) يكتب
عيسى السفري "لا يسع مؤرخ الحركة الوطنية في فلسطين إلا أن يفرز فصلاً
خاصاً يبحث فيه بإسهاب حركة الشباب العربي الفلسطيني ، وذلك لأن هذه الحركة هي أول
عمل منظم يقوم به شباب فلسطين ، ليس في فلسطين وحدها، بل وفي الأقطار العربية
الشقيقة. ولأن على هذه الحركة تتوقف نتائج هامة ، لها علاقتها بمستقبل الأمة ومصير
البلاد.[1]
وقد شهد تاريخ
فلسطين ثلاث حركات كان عمادها الشباب وهي الرياضية والكشفية والشبابية ، هذه الحركات التي من الصعب
فصل بعضها عن بعض بسبب هذا القاسم المشترك بينها ، فنشاطها كان دائماً متداخلًا
ومعتمداً اعتماداً كاملاً على عنصر الشباب . وقد عملت هذه الحركات الثلاثة على تهذيب
وتربية الأجيال وتقويتها جسديا ومعنويا ، وعلى تقوية أواصر الأخوة والصداقة بين
الشباب وعلى تعزيز انتمائهما الوطني
والقومي ولعبت دوراً هاما في مقاومة الانتداب والمطامع الصهيونية.
عقد مؤتمر الشباب مؤتمره الأول في يافا سنة
1932 برئاسة راسم الخالدي ، ضم شباب البلاد على اختلاف مبادئهم ونزعاتهم ، وبحث في
مسائل هامة كالتعليم القومي ، وتشجيع المصنوعات الوطنية ، ومشروع صندوق الأمة ،
وغيرها من المسائل التي تتعلق بشؤون البلاد الاقتصادية والاجتماعية والعلمية ،
وبنوع خاص الحركات الرياضية والكشفية. [2]
أما المؤتمر الثاني فقد عقد في حيفا سنة 1935 برئاسة يعقوب الغصين وكان من مقترحاته
العناية بالرياضة البدنية بالإضافة إلى المسائل الوطنية . [3] والجدير بالذكر أن هذا الدعم من مؤتمر الشباب
قد بدأ بعد تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني عام 1931 (الذي جاء كرد على هيمنة
الصهاينة على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي تأسسي عام 1928) من خلال تقديم
درعه للفرقة المتفوقة في مباريات كرة القدم ، ودوره الهام في تأسيس نادي شباب
العرب في حيفا، [4]
ودوره في تنظيم المهرجان الرياضي الفلسطيني في مدينة يافا في عام 1935 الذي جاء
كرد على المهرجان اليهودي – المكابياد الذي سيرد ذكره فيما بعد.[5]
يشير عبد الستار القاسم إلى أن مؤتمر
الشباب العربي الفلسطيني لم يكن حزباً سياسياً بقدر ما كان تجمعا للشباب من أجل
ممارسة بعض النشاطات التي تعود على الأمة بصورة عامة بالخير. اهتم الشباب بإقامة
المعارض الفلسطينية ، وعملوا على إنشاء فرقاً لمراقبة الشواطئ الفلسطينية ومنع المتسللين اليهود من الدخول ، وكذلك عملوا على إنعاش الحركة
الكشفية. لكن
الدفع الذي بدأ به المؤتمر لم يستمر ، فكما يبدو أن الحماس كان مؤقتا وما لبث أن
فتر. ففي المؤتمر الثاني الذي عقد عام 1935 تميزت الأعمال بمزايا النهج التقليدي
الذي يقوم على الاحتجاج والتظاهر والاستنكار.[6]
نعم ، لم يكن مؤتمر الشباب حزباً سياسياً ، ولكنه على الرغم من ذلك سعى من خلال دعمه
للحركة الرياضية والكشفية ونشاطات شبابية أخرى إلى تحقيق إنجازات وطنية لم يكن
بوسع الأحزاب السياسية - الوطنية الأخرى تحقيقها ، وبذلك يجب عدم التقليل من إنجازاته
هذه ، فمن المعروف أن الأهداف الوطنية لا تتحقق بدون تكامل واستخدام جميع الوسائل
والأشكال النضالية سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية (التي تشمل الرياضة
والكشفية).
يشكل الشباب شريحة اجتماعية تتميز بالسن والتكامل والإمكانيات البدنية
بالإضافة إلى القوة المعنوية والحماس والاستقلالية وحب التضحية ونكران الذات
وغيرها من الصفات التي تعمل على تغيير المجتمع ونبذ الظلم . إن مسألة استغلال
طاقات الشباب وإمكانياتها هي مهمة ملحة في جميع الحركات الوطنية التحررية ، ففكرة
مؤتمر الشباب ومسيرة ما يقارب خمس سنوات في محاولة تنظيم الشباب كانت فكرة رائدة .
وكان هناك عدة عوامل وراء توقف مؤتمر الشباب عن النشاط (بالإضافة إلى الاتحاد
الرياضي الفلسطيني الذي تأسس عام 1931 الذي توقف عمله إبان ثورة 1936 - 1936) أهمها أولاً: أنه لم يلاق دعما من القوى الوطنية
في البلاد، ثانيا: اشتعال ثورة 1936 - 1939 وحدوث اضطراب في البنية التنظيمية لهذا المؤتمر.
من المعروف أنه بعد وعد بلفور 1917 بدأ يلاحظ
هذا التسارع في تأسيس الأندية والجمعيات الخيرية والكشفية والنسائية ، وكان
تأسيسها مطلباً ملحاً من أجل الرد على الخطر الصهيوني. وكان نشاط الأندية في تلك
الفترة يأخذ طابعا وطنيا اجتماعيا،[7] فنشؤها
كمؤسسات اجتماعية سياسية كان يعكس سعي الفئات المثقفة من أجل التعبير عن حسها الوطني
المعادي للانتداب والصهيونية ، وفيما بعد بدأ يبرز الطابع الرياضي بالإضافة إلى
الاجتماعي والثقافي.[8] كما
ظهر العديد من الأندية في النصف الثاني من العشرينيات كرياضية ثم تبنت النشاط
الثقافي الاجتماعي. ومنذ بداية العشرينيات نشأت هذه
الأندية كمراكز لتجمعات الشباب والمثقفين ، تعكس مشاعرها الوطنية والقومية ، وهذا
ما أثار مخاوف سلطات الانتداب البريطاني خاصة في وقت تميز بانتشار الأندية
الاجتماعية ، وبهذا الصدد تشير صحيفة (بالستين
ويكلي) في بداية العشرينيات التي كانت تصدر باللغة الإنجليزية بشأن الاحتفال
بتدشين النادي الرياضي في القدس أن المستر ستورس محافظ القدس أصر على وجوب اشتراك
الجميع فيه بقطع النظر عن الدين والمذهب وذيلت على ذلك بقولها إن النوادي الرياضية
"المذهبية" كانت في مصر عاملاً من عوامل الاضطرابات فلا يجب أن يرتكب
مثل هذا الخطأ في فلسطين.[9]
كذلك
أرادت حكومة الانتداب من خلال بيان أذاعته في آذار 1926 تسجيل كل جمعية أو ناد
يؤسس في فلسطين مهما كانت الغاية خيرية أو سياسية .وكان هناك أيضا تخوف من عناصر
الشباب ، فقد جاء في تقرير الحكومة الرسمي لسنة 1935 تحت عنوان "عناصر الشباب" "كان من الظواهر التي لها مغزاها في الحركة الوطنية العربية تقوي جماعات الكشافة ونوادي الرياضة المختلفة ودخول الشباب على وجه العموم في مؤسسات منتظمة تحت أسماء مختلفة ولم يكد آخر العام يجيء حتى كانت عناصر الشباب قد وطدت مركزها وأصبحت عاملاً قد يكون منه أن يتحدى نفوذ من هم اكبر من الشباب من زعماء فلسطين . [10]
كان أعضاء
الأندية الرياضية وفرقها الكشفية يقومون دائما بواجبهم الوطني من خلال مساهمتهم في
المظاهرات ضد الانتداب أو في نقل الجرحى والقتلى أو في حراسة الشواطئ لمنع تهريب
اليهود. فبعد مظاهرة أبو كبير في يافا عام 1933 تألفت على الأثر فرقة من الكشافة
المتجولة الإسلامية ، وكشافة النادي الرياضي الإسلامي ، وكما يصفهم السفر
"تعلو زندهم شعارات عليها الصليب يعانقه الهلال" ، وقد قامت هذه الفرقة
بأعمال مجيدة في نقل الجرحى والمصابين إلى عيادات الأطباء والمستشفيات.[11] بالرغم
من اعتراف الحكومة بتفاقم الهجرة اليهودية غير المشروعة وخطرها ، فإنها لم تقم
بوسائل فعالة لمنع التهريب والحيلولة دونه . حيث دفع ذلك العديد من الأندية
العربية أمام إهمال الحكومة و تغاضيها إلى أن يقوم أعضاؤها بحراسة السواحل. وفي 13
تموز 1934 عقدت اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشباب العربي الفلسطيني جلسة خاصة قررت
فيها أن يقوم الشباب أنفسهم بحراسة السواحل والحدود بالمناوبة، لمنع تهريب اليهود
تحت لجنة حراسة السواحل والحدود.[12]
عندما اندلعت
الثورة في نيسان 1936 توقف النشاط الرياضي والكشفي وأصيبا بالشلل الكامل، حتى أن
بعض الأندية تعرضت للإغلاق وتعرض أعضائها للاعتقال، ومنها من وقع في قبضة سلطات
الانتداب وتحول إلى مقر له مثل النادي الأرثوذكسي. وهنا كتاب النادي الرياضي الإسلامي إلى نادي
الشبيبة الأرثوذكسية بيافا يعبر عن دعمه ومساندته للنادي الأرثوذكسي "فيما يلي صورة الكتاب الذي بعثتها هيئة
إدارة النادي الرياضي الإسلامي بيافا إلى نادي الشبيبة الأرثوذكسية بمناسبة قرار
السلطة اتخاذ نادي الشبيبة مسكنا للجند كما ذكرنا ذلك في (الدفاع) أمس: حضرات
الإخوان الأفاضل رئيس وأعضاء نادي الشبيبة الأرثوذكسية تحية واحتراما، وبعد تأسف
هيئة إدارة النادي الرياضي الإسلامي يافا لقرار الحكومة باتخاذ دار ناديكم الموقر
مسكنا للجنود الأمر الذي يحول دون متابعة جهودكم الموفقة في حلبة الثقافة
والرياضة. إن نادي الشبيبة الأرثوذكسية الذي كان لنا شرف التعاون معه في الحركة
الرياضية والثقافية والذي ولا شك له المكانة السامية والمنزلة الرفيعة بين الأندية
الوطنية في فلسطين حرام أن يقضى عليه بمثل هذا القرار الذي اتخذته الحكومة. وقد
اجتمعت هيئة إدارة النادي وقررت الاحتجاج لدى حاكم اللواء الجنوبي على هذا القرار
وأرسلت احتجاجها إليه . إن النادي الرياضي الإسلامي يرحب بجميع الإخوان أعضاء نادي
الشبيبة ويرجو أن يعتبروه نادياً لهم ولهم جميع امتيازات الأعضاء وحتى تتمكن إدارة
ناديكم من متابعة أعمالها وجهودها ومشاريعها فقد قررت هيئة إدارة النادي تخصيص
غرفة لاجتماعات هيئة إدارة ناديكم الموقرة. وستوضع تحت تصرفكم في إي وقت شئتم .
وتفضلوا..... ". [13]
وذكرت صحيفة (الدفاع)
ان قوة من الجند والبوليس طوقت امس النادي الرياضي الإسلامي في يافا ودخلته بصورة
مفاجئة وارهابية وفتشته ، وانها عثرت على علبتين من التنك صفيرتين مملوءتين
بالبارود في غرفة الألعاب ، وأنها بناء على ذلك القت القبض على 35 شابا كانوا في
النادي واخذتهم الى دائرة البوليس معتقلين وأغلقت النادي . والظاهر ان وشاية وصلت
الى السلطات ، فكانت هذه المفاجأة وقد كان لهذا الحادث اثر توتر الجو في يافا.[14]
وفي خبر آخر مشابه ذكر أنه بعد عدة أيام من هذا الحادث داهمت قوة
كبيرة من الجند والبوليس البريطاني دار النادي الرياضي الإسلامي في الثغر – يافا
على أثر إخبارية وردت بأنه يوجد في دار النادي قنابل وأسلحة ! وقبل أن يصعدوا إلى
دار النادي أمروا الجنود بتطويقها من جميع الجهات ومنع المارة من الدخول إليها أو
الخروج منها...... وبعد انتهاء التفتيش اعتقل البوليس جميع من كان في النادي كما أقفلوا
الأبواب ووضعوا عليها الشمع والأختام.[15]
وحول مشاركة الرياضيين في ثورة 1936 يذكر
الملاكم المشهور أديب الدسوقي حادثة تعكس الوعي لأهمية والدور الفعال للرياضة : في
أحد الليالي اشتدت المعارك في يافا وكان القائد الراحل الشيخ حسن سلامة يتنقل بين
الجبهات... التقى بي وأنا أعمل مع عدد من المجاهدين قال لي بالحرف الواحد : يا
أديب عندنا الآلاف لتحمل البندقية والقنبلة ولكن لا يوجد عندنا من يحمل قفازات
الملاكمة ويمثل فلسطين .. غدا تسافر إلى مصر عند المفتي وتعمل هناك في ميدانك
الرياضي !.[16]
كانت هناك بعض الاخبار والمقالات تنشر في الصحف الفلسطينية عن الشباب
والرياضة والوعي لجوانبها الوطنية ، فتحت عنوان (جزى الله الرياضة كل خير) جاء هذا
الخبر: "هذه هي القصيدة الرائعة التي ألقاها الشاب المصري الأديب محمد أفندي
عبد الكريم أبو شقة من طلبة السنة النهائية في الحقوق في احدى جامعات القاهرة في نادي الشبيبة الأرثوذكسية الثغر [يافا] في
الحفلة:[17]
جزى الله الرياضة كل خير تربينا على كرم النضال
وتسقينا رحيق الود كأسا من الكافور طاهرة الزلال
دعاة السلم لو فطنوا إليها لكان مر أمام الرجال مثال
شباب النيل قد حكم المعلى ومصر بنسلكم أم الرجال
حملتم في محبتها عظيما من الأعباء يوهي بالجبال
كما وأوردت صحيفة (الدفاع) مقال عن الشباب
وقوتهم البدنية ودورهم في نهوض الأمة ومقارعة الاستعمار لفلسطيني تحت عنوان (رسالة
إلى الشباب) بقلم سامي سعد الدين:
"الشباب – وما أجمل هذا الاسم – هم عماد الوطن ودعائمه . هم السياج
والقلاع والحصون . هم المعاول للهدم والبناء. على الشباب ترتكز الأمة وبهم وحدهم
تنهض وتعلو . بالسواعد المفتولة وبالإرادة الحديدية وبالعاطفة الملتهبة التي
للشباب تتحد الأمة وتستقل ...... أريد: شباباً سادتهم محبة الوطن والحرية. أريد
شبابا صلب المبدأ قوي الإرادة علي الهمة أبي النفس طامحاً. أريد شباباً يقارع
الاستعمار والمستعمرين .... ويجندل الظلم بقلوب كلها فولاذ لا تعرف للراحة طريقاً
ولا تتخذ للذل سبيلاً. أريد شباباً عامر الإيمان . راسخ الاعتقاد . غنياً بما عنده
طامحاً للشهرة – متحد الكلمة – وقاطعوا ما يرد إليكم من البلاد الأجنبية." [18]
شهدت فترة
1943- 1947 تحسناً ملحوظاً في الصحافة الرياضية ، حيث كان هناك ترابط بين الصحافة
والشباب والأندية والشخصيات الرياضية وذلك بفضل وجود الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تأسس في عام 1931 وأعيد تأسيسه عام 1944 ، هذا ما أدى إلى طرح سؤال من خلال صحيفة (فلسطين) على أحد رؤساء
النوادي حول "كيف يجب أن يكون الشباب الفلسطيني ؟ “، فرد قائلا أحب أن يكون
الشباب اليوم متحليا بالأخلاق القويمة التي هي أساس متين للصداقة البريئة، ولما
كانت الرياضة دعامة لمثل هذه الأخلاق فأصبحت الرياضة والصداقة ترتبطان برباط واحد
وهو الخلق الذي يدعو إليه الشعور بالواجب والوفاء والتضحية". وتحت عنوان "توجيهات قومية للشباب العربي في
فلسطين" تلقت صحيفة (فلسطين) من السيد رشيد الحاج إبراهيم توجيهات
وطنية للشباب العرب الذين يعرفون مكانته ويقدرون إخلاصه وينصتون إلى أقواله
الرشيدة – "نريد شبابا مؤمنا بقوميته عاملاً على رفع مستوى وعيه القومي ،
نريد شبابا رياضيا محافظا على صحته وسلامة بدنه."[19]
وحول
الدور الطليعي للأندية الرياضية في صقل الإنسان الفلسطيني يبرز الأستاذ حسين حسني دور هذه المنظمات الشبابية والكشفية التي ترمي
إلى إعداد الشباب بالرياضة البدنية [20]"
ولا ريب أن الملعب ميدان قتال منظم مصغر ففيه يتعلم الفرد أول مبادئ القيادة
والتعاون والسرعة والتفاني في صالح المجموع . وفي الملعب يتعلم الإنسان الصبر
والجلد، والرجل الرياضي أبعد ما يكون عن حياة الترف والنعيم وكثيرا ما نرى
الرياضيين الموسرين يعشقون المعسكرات على ما فيها من شظف وحرمان. وفي الملعب تكتسب
(الروح الرياضية) التي تهزأ بالأعصاب ولا تكسرها الهزيمة ويسودها التفاؤل ….. كل
هذه الميزات من خواص المقاتل الباسل وللرياضة الفضل الأول في تزويد الشباب بها
فمتى تنظر إلى الرياضة نظرة جدية وتعمم الملاعب وصالات التدريب".[21]
إنه لمن الجميل أن نرى الزاوية الرياضية في صحيفة (فلسطين) والمشاركات العظيمة من
قبل الأستاذ حسين حسني توجه بعض الأسئلة إلى الرياضيين القدامى في كانون ثاني 1947
الذين مضى على نشاطهم حوالي ربع قرن طالبة منهم أن يجيبوا عليها لنشرها في أعداد
قادمة مستفسرة عن الألعاب التي مارسوها والمباريات التي شاركوا بها والتي كان لها
انطباع عميق في أذهانهم وعن الرياضة بين الماضي والحاضر الخ.[22]
لقد استخدمت الرياضة
كأداة في دعم الحركة الوطنية وقد تمثل هذا في التنسيق بين الشباب والأندية
الرياضية حتى أن ناد مثل النادي الرياضي الإسلامي لم يتوقف عند شحن همم الشباب
بالروح الوطنية بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قام بتأسيس فرقة النجادة. لذا فإن
تأسيس هذه المنظمة هو إثبات على ترابط الحركة الشبابية مع الرياضة عندما اتخذ مجلس
إدارة النادي الرياضي الإسلامي بيافا في ربيع عام 1944 قرارا بتأليف فرقة رياضية
في النادي على غرار منظمة النجادة اللبنانية . وكانت أول منظمة عسكرية على نمط
المنظمات الصهيونية الشبه عسكرية. وكان أعضاء النادي الرياضة الإسلامي متحمسين
للفكرة أيضا. لهذا اتخذ الاتحاد قرارا بتأييد النجادة وأصبح مكتوبا على بطاقة هوية
لاعبي الاتحاد أنه يمكن اعتبارهم أعضاء في الفرق الرياضية وشبه العسكرية
(النجادة). ولما كان الاتحاد كما ذكرنا يضم معظم الأندية التي تعج بالشباب
الفلسطيني فقد كان من السهل انتشار فكرة النجادة بين شباب تلك الأندية فسارعوا إلى
الانضمام للنجادة الأمر الذي أدي إلى انتشار النجادة في معظم مدن وقرى فلسطين.[23]
ويضيف أبو الجبين في كتابه (قصة حياتي في
فلسطين والكويت) إلى أنه وفي أول أيام عيد الفطر في عام 1944 جرى أول استعراض
محلي للنجادة في يافا حيث قام نجادة النادي الرياضي الإسلامي باستعراض كبير في
شوارع المدينة استمر ساعتين وكانوا يرتدون زي النجادة شبه العسكري وقد قوبلوا من
الجمهور بالترحاب ولفتوا الأنظار إليهم وبعدها زاد الإقبال على الانتساب للنجادة
من داخل النادي وخارجه. أسس النادي الرياضي الإسلامي في حيفا فرقة مماثلة بقيادة
يونس نفاع رئيس النادي وجمال محمد الحاج خليل سكرتيره. ثم تبعها تأسيس فرق للنجادة
في العديد من المدن الفلسطينية مثل غزة وصفق والحولة والرملة ونابلس وأصبح المقر
الرئيس للنجادة فيما بعد في مدينة يافا. في أواخر عام 1944 وبعد أن ازداد عدد
أعضاء فرقة النجادة في النادي رأى قادتها أنه حان الوقت للانفصال عن النادي الرياضية
الإسلامي وأعلن عن تأسيسها رسميا في أيار 1945. أراد حزب المفتي الحزب العربي
الفلسطيني أن يكون هذا التنظيم تابعا له ولكن قيادته (النجادة) رفضت ذلك مما أدي
إلى أن يقوم جمال الحسيني إلى تأسيس فرقة الفتوة في أكتوبر عام 1946 التي أصبحت
منافسا للنجادة ثم فيما بعد توحدت الفرقتان (شكلياً) تحت اسم منظمة الشباب التي
قاتل أعضاؤها أثناء نكبة عام 1948.
بعد إعادة تأسيسه في عام 1944 دعا
الاتحاد من خلال صحيفة (فلسطين) إلى تأجيل المباريات بمناسبة الذكرى السنوية لوعد
بلفور المشؤوم وتضامنه مع مختلف الهيئات استنكاراً لهذا الوعد الجائر . وفي تشرين الثاني عام 1937 أقامت جمعية العمال العربية
حفلة ملاكمة ومصارعة ورفع أثقال تبارى بها أعضاء من هذه الجمعية والنادي الرياضي
الإسلامي ونادي شباب العرب والنادي الأرثوذكسي ونادي العروبة ، خصصت ريع التذاكر
التي تباع في هذه الحفلة لإعانة منكوبي الفيضانات في سوريا.[24]
أيضا فقد دعت اللجنة
المركزية للاتحاد الأندية الرياضية والرياضيين إلى مشاطرة الاتحاد السوري لكرة
القدم والسوريين آلامهم في النكبات التي أصيب بها السكان في سوريا بإرسال مبلغاً
من المال إلى الاتحاد السوري لتصرف على منكوبي الاضطرابات . وقد لبت العديد من
الأندية هذا النداء ، حيث أقامت عدة مباريات ورصدت ريعها لهذا الغرض (عندما احتل
الفرنسيون دار البرلمان السوري وحاولوا عرقلة الحياة الدستورية بالحديد والنار في التاسع والعشرين من شهر أيار عام 1945). كما كان الاتحاد أحيانا يتوجه بالتهاني إلى بعض الرياضيين بعد خروجهم من
المعتقل بعد أن كانت تحرم منهم الملاعب لمدة طويلة بسبب نشاطهم الوطني.
يلاحظ المتتبع لنشاطات الأندية أن معظم
المؤسسين والعاملين كانوا من جيل الشباب فمثلا يشير مصطفى العباسي أن عدد الأعضاء
المؤسسين للنادي الرياضي الإسلامي في صف 12 عضوا ، تراوحت أعمارهم بين عشرين وثلاثين
عاما . وكان خير الدين ابو الجبين في بداية العشرينات عندما تولى تحرير زاوية
الدفاع الرياضية ، وعبد الرحمن الهباب كان أيضا في بداية العشرينات عندما
كان ناشطا واداريا في النادي الرياضي الإسلامي في يافا (تأسس سنة 1926) .
لقد قدمت الحركة الرياضية بالإضافة إلى
الإنجازات العظيمة على الصعيد الرياضي زخما معنويا ووطنيا هائلا ، فقد رفع الشباب
الرياضي السلاح دفاعا عن وطنه في وجه التآمر البريطاني الصهيوني واستشهد الكثير
منهم راويين بدمائهم تراب الوطن . وكانت السمة الوطنية التي تميزت بها الحركتان
الرياضية والكشفية تعتبر برهانا حقيقيا لهذا الترابط العضوي بين الرياضة والكشاف والوطن ،
فالنشاط الرياضي في تلك الفترة استطاع أن يلبي الاحتياجات الاجتماعية وأن يلعب
دورا فعالاً ليس فقط في مبدأ " العقل السليم في الجسم السليم " بل وفي
" الوطن السليم في العقل السليم في الجسم السليم ". من هنا فإن الصحافة
استطاعت أن تعكس هذا التلاحم بين الاتحاد وبين الجمهور وأن توضح له طبيعة ومجريات
النشاط الرياضي حتى عام النكبة فلم تتوان الصحافة بشكل عام عن إبراز الدور الطليعي
للأندية الرياضية الكشفية ومساهمة أعضائه في النضال والدفاع عن فلسطين.
وفي عام النكبة (1948) وقف الكثير من أعضاء
الأندية الرياضيين وغيرهم للدفاع عن وطنهم واستطاعوا أن يثبتوا أن الوطن السليم في
الجسم السليم واستشهد الكثيرون منهم وكانت هذه النزعة الوطنية هي الأسمى التي
تميزت بها الحركة الرياضية والأندية في فلسطين.
تحت عنوان (اجتماع كبير لمنظمة الشباب العربي بيافا امس الانخراط في مختلف
الفرق والتسجيل يوميا) ، نشرت صحيفة (فلسطين) هذا الخبر :
"دعا مجلس قيادة منظمة الشباب العربي في يافا أعضاء المنظمة إلى
اجتماع كبير بعد ظهر امس حضره جمع غفير من أعضاء المنظمة في المدينة وقد افتتح
الاجتماع بكلمة من قائد المنظمة المحامي الأستاذ عبد الرحمن السكسك نوه فيها
بضرورة تعزيز وسائل الدفاع عن المدينة وتجنيد جميع عناصر الأمة للعمل في هذه
المرحلة من النضال."[25]
في يناير 1948 قتل اللاعب
المعروف والجناح الأيسر لمنتخب فلسطين وعضو النادي الرياضي الإسلامي في يافا زكي
الدرهلي من جراء عبوة ناسفة كانت قد زرعتها العصابات الصهيونية في عمارة السراي في
يافا (التي جرت فيها الانتخابات البلدية في عام 1946).[26] كما
واستشهد لاعب النادي الرياضي الإسلامي فخر قرة نوح الذي قتله اليهود غدرا في حي
المنشية في يافا. واستشهد أيضا محمد نفاع حارس مرمى إسلامي حيفا مدافعا عن مدينة
عكا. ولم يستطع المصارع الفلسطيني سليمان البيبي أن ينجو من جراحه التي حملها طيلة
عشرين عاما عندما أصيب في مدينة عكا في عام النكبة ليتوفاه القدر بعد حوالي عشرين عاما (
في عام 1967).
إنه من أسمى معاني
الشرف أن نجد نعي هؤلاء الأبطال الشهداء الذين مارسوا نشاطا حميداً في صحيفة
(فلسطين) تحت عنوان (استشهاد شاب مناضل في ريعان عمره) "نادي الاتحاد القروي بالقدس ينعي
بمزيد الحزن والأسى عضوه العامل والرياضي الكبير الشهيد عارف النعمان ، وقد وافاه
الأجل المحتوم في مستشفى الحكومة بالقدس إثر إصابته في ميدان الشرف بعد أن أبلى
بلاء حسناً ."[27] وفي
نعي آخر "تنعي اللجنة الرياضية لنادي الشبيبة الإسلامية بيافا بمزيد الحزن
والأسى احد أعضائها العاملين الرياضي المرحوم محمد أحمد الناقة الذي استشهد بينما
كان يقوم بواجبه الوطني بمعركة أبي كبير الأخيرة عن عمر يناهز الثانية والعشرين
ربيعا."[28]
وفي الختام كان للرياضة (سواء أكانت في الإعداد
البدني العام للشباب أم في نشاط الأندية والاتحاد الرياضي الفلسطيني) وعنصر الشباب
في فلسطين دور في العملية النضالية في فلسطين . ومن الصعب فصل الرياضة عن الشباب
وعن الوطن فقد استطاعت الرياضة أن تكون عنصرا ثقافيا لا بأس به في
دعم الحركة الشبابية ووسيلة ناجحة في المسيرة النضالية لشعبنا الفلسطيني.
ولكن للأسف أن الحركة الوطنية التي كانت منشغلة في صراعاتها الداخلية لم تستطع
استغلال عنصر الشباب وتجنيده تجنيدا جيدا ولم تولي انتباها كافيا إلى هذا الترابط
العظيم بين الحركة الرياضية والكشفية والشبابية ولم تستغلها استغلالاً كافيا
لتحقيق الأهداف الوطنية المرجوة في ذلك الوقت.
الملاحظات والمراجع:
[1] عيسى
السفري ، فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية ، مكتبة فلسطين الجديدة ، يافا ،
الكتاب الأول ، ص. 194
[2] السفري ، مصدر سابق ، ص 195
[3] السفري ، مصدر سابق ، ص 194 - 200.
[4] في 30 أيلول 1934 تأسس نادي الشباب العرب في حيفا وكان يترأسه سعيد حاويلة.
ومن الجدير بالذكر أن هذا النادي انبثق عن النادي الساليسي (الساليزيان) الذي كان
قد تأسس في العشرينيات وكان يضم نخبة
مختارة من شباب حيفا المثقفين وقد أحرز هذا النادي (الساليسي) الفوز الباهر في
دورة كرة القدم التي نظمها مؤتمر الشباب ونال درع مؤتمر الشباب لعام 1933 – 1934،
وقد قامت مجموعة من الشباب بالانفصال عن هذا النادي لأسباب (قومية) وشكلت نادي
الشباب العرب تحت رعاية مؤتمر الشباب الذي أراد أن يعزز الروابط بين الشباب. كان
السبب الرئيسي وراء هذا الانفصال هو أن المحامي يعقوب الغصين رئيس مؤتمر الشباب
العربي شارك برعاية مباراة في كرة القدم . وكان أن أحرزها فريق السالزيان ، لكن
حين تقدم الفريق الفائز نحو منصة الاحتفال لتسلم الكأس أشار المسؤول عن الفريق إلى
اللاعبين أن يتقدموا ويصافحوا القنصل الإيطالي أولا ثم يعقوب الغصين ، وما كان إلا
أن رفض معظم الفريق هذا الطلب مما أدى إلى تشكيلهم فريق شباب العرب.
[5] عصام الخالدي ، الاستعراض
الرياضي - الكشفي (15 تموز 1935) بين المابياد الصهيوني وتناحر الأحزاب في فلسطين
، انظر : www.hpalestinesports.net
[6] عبد الستار قاسم
القيادة الفلسطينية قبل عام 1948 وأثرها في النكبة. مكتبة الرسالة، نابلس
1992 ص 16-17
[7] تشير الموسوعة
الفلسطينية إلى أنه حركة إنشاء النوادي والجمعيات العربية في فلسطين كانت مظهراً
من مظاهر النشاط السياسي والثقافي الذي
شهدته فلسطين بين سنتي 1918 – 1920 وظاهرة من ظواهر الحركة الوطنية الفلسطينية
وأداة من أدواتها". الموسوعة الفلسطينية، المجلد الرابع، دمشق 1984، ص 425.
[8] عصام
الخالدي ، "المكابياد" مجلة العربي ، العدد 548 ، يوليو 2004 ، ص 94 -
98.
[9] صحيفة
(فلسطين) 12
نيسان 1921.
[10] السفري ، مصدر سابق ، الكتاب الأول ، ص 195.
[13]صحيفة )الدفاع( 25 تشرين أول 1936.
[14] صحيفة (الدفاع) 8 آب 1936.
[15] صحيفة )الدفاع( 27 آب 1936. تضيف هذه الصحيفة أيضا تحت عنوان
(إغلاق النادي الرياضي) وقد صعد ضابطان مع بعض أنفار البوليس مشهرين مسدساتهم إلى
قاعة النادي. وكان أول عمل قام به أحد الضابطين أن أطلق من مسدسه رصاصة في الهواء
إرهاباً. وأمر الجميع بأن لا يتحركوا من أماكنهم. وأن يرفعوا أيديهم إلى فوق
لتفتيشهم وقد جرى التفتيش في غرف النادي جميعها، وقلبها الجنود رأساً على عقب، كما
فتشوا الشبان الموجودين. وأخيراً عثروا على قنبلتين لم يعلم أحد كيف أحضرتا!
[17] صحيفة (فلسطين)17 شباط 1931.
[18] صحيفة (الدفاع) 10 أيار 1934.
[19] صحيفة (فلسطين) 10 آذار 1944.
رشيد الحاج إبراهيم من حيفا كان يعد أحد زعماء المدينة
قبل النكبة . عمل
بنشاط ضمن صفوف الحركة الوطنية والقومية المناهضة للاستعمار والاستيطان اليهودي في فلسطين.
تولى مناصب تجارية مهمة في المدينة إضافة إلى كونه عضواً في قيادة حزب الاستقلال العربي . مثّل حيفا في المؤتمر السوري العام في اجتماعاته في دمشق عامي 1919 و1920.
[20] حسين حسني (من مصر) حضر
إلى فلسطين في أوائل الثلاثينيات ، وعمل في عدة مدارس منها روضة المعارف في القدس
، كان ناشطا رياضيا في الاتحاد الرياضي الفلسطيني خاصة بعد اعادة تأسيسه عام 1944.
ساهم في زاوية الألعاب الرياضية في صحيفة (فلسطين) ، وكانت كتاباته تعمل على توعية
وتحفيز النشاط الرياضي في فلسطين.
[21] صحيفة (فلسطين) 22 نيسان 1946.
[22] كان المحرر الرياضي في جريدة فلسطين جميل الطاهر بالإضافة إلى سكرتير تحرير
الجريدة إبراهيم سكجها
[23] أبو الجبين ، مصدر سابق ، ص. 469- 495
[24] صحيفة (الدفاع) 6 تشرين ثاني 1937.
[25] صحيفة (فلسطين) 29
كانون ثاني 1948.
[26] أبو الجبين ، مصدر
سابق ، ص 87.
[27] صحيفة (فلسطين) 10
كانون الثاني 1948.
[28] صحيفة (فلسطين) 14 شباط 1948.
No comments:
Post a Comment