عصام الخالدي
كان
التعاون البريطاني الصهيوني في المجال الرياضي جزء من الدعم البريطاني الشامل لتنفيذ المخطط الصهيوني في فلسطين. هذا الدعم
الذي لم يكن يقتصر على المجال السياسي فحسب بل تعداه إلى جميع المجالات مثل الهجرة والاقتصاد والتعليم والثقافة (بما فيها الرياضة) . وكان وعد بلفور هو حجر
الأساس لهذا التعاون الذي جعله الإنجليز قاعدتهم
الأساسية التي ينطلقون منها إلى تهويد فلسطين.[1] وجعلت بريطانيا جميع
الأنظمة والقوانين التي أسرفت في سنها ووضعها في خدمة المصلحة الصهيونية والإضرار
بمصلحة العرب وكيانهم . [2] ولم تتدخل حكومة الانتداب في تشكيل هيئات
الحكم الذاتي التي جرى انتخابها من قبل المستوطنين فقط . [3]
ومع بدء الانتداب البريطاني على فلسطين ، وإحضارها العديد من أنواع الرياضة
الجديدة بالإضافة إلى الخبرة في طرق تنظيمها ، أخذ النشاط الرياضي الصهيوني بالنمو
مستغلا ذلك ومستفيدا من الظروف الملائمة ومن
الدعم البريطاني لأجل تحقيق نجاحاته ، كما وأن الدعم البريطاني في الهجرة اليهودية
إلى فلسطين ، والتي منها هجرة الكوادر الرياضية ، سهل في نقل الخبرات في المجال الإداري والتنظيمي
الرياضي ، والذي كان له أثر كبيراً في تفوق الصهاينة رياضياً.
وكانت إدارة الانتداب تأخذ موقفا متعنتا من الرياضة
العربية بما فيها تأسيس الأندية وترفض أو
تعرقل طلبات تأسيسها ، ففي ذلك الوقت كانت هناك مخاوف من الأندية الاجتماعية العربية في فلسطين (والتي كانت الأندية الرياضية جزء منها) ، فقد أرادت حكومة الانتداب من خلال بيان أذاعته في آذار 1926 تسجيل كل جمعية أو
ناد يؤسس في فلسطين مهما كانت الغاية خيرية أو سياسية . وكان هناك أيضا تخوف من
عناصر الشباب ، فقد جاء في تقرير الحكومة
الرسمي لسنة 1935 تحت عنوان "عناصر الشباب" "كان من الظواهر التي لها
مغزاها في الحركة الوطنية العربية تقوي جماعات الكشافة ونوادي الرياضة المختلفة ودخول
الشباب على وجه العموم في مؤسسات منتظمة تحت أسماء مختلفة ولم يكد آخر العام يجيء حتى
كانت عناصر الشباب قد وطدت مركزها وأصبحت عاملاً قد يكون منه أن يتحدى نفوذ من هم اكبر
من الشباب من زعماء فلسطين."[4]
وفي نفس الوقت كانت هذه الإدارة تسمح بإنشاء نوادٍ [رياضية]
وجمعيات ومنظمات [صهيونية] سرية شبه عسكرية مثل "المكابي"
وترمبلدور" و"حماة إسرائيل" و"البيتار" وغيرها. [5] وكانت تغض النظر عن رقابة النشاطات السياسية لهذه الأندية التي كانت
تستغل الرياضية كغطاء لنشاطاتها السياسية
، وحول المغزى الحقيقي لطبيعة الأندية الرياضية الصهيونية تشير الموسوعة الصهيونية
إلى دور منظمة المكابي (تأسست عام 1912) "لقد كانت المكابي نشيطة على الساحة
الثقافية فهي ناضلت من أجل الاعتراف باللغة العبرية ونشرها ، وبمجال النشاط العمالي
والدفاع عن النفس". [6] استطاعت هذه المنظمة تجنيد ستمائة من أعضائها
ضمن خمسة آلاف متطوع يهودي لمساندة ودعم الجيش الإنجليزي تحت اسم الفيلق اليهودي Jewish Legion عام 1918 لمحاربة
الأتراك (في كانون أول كان الجنرال ألنبي
قد دخل القدس على رأس الجيش الإنجليزي).
يقول أحد أعضاء منظمة المكابي الرياضية في فلسطين واصفاً هذه التجمعات
الرياضية في المستعمرات قبل الحرب العالمية الأولى أنه بالإضافة إلى تعليم العبرية
والتاريخ والأدب فإنها كانت طليعة للدفاع ضد الجيران المعادية [أي العرب].[7]
أيضا لا بد إلى ذكر منظمة البيتار Betar التي قام بتأسيسها
جابوتنسكي القيادي الصهيوني المتطرف عام 1923 في مدينة ريجا والتي مازالت حتى وقتنا الحاضر
لها شأن كبير ، وقد كان وجودها يهدف إلى تغطية أعمال التدريب العسكري تحت غطاء
الأندية عندما تظاهرت السلطات البريطانية بتشديد الرقابة على نشاطات الأندية رأى
جابوتنسكي أن هذه الوحدات يجب أن تؤلف ويمكن تغطيتها بستار الرياضة والنوادي
للشبان في أنحاء مختلفة على أن يكون هؤلاء الشباب في كل لحظة مستعدين لتأليف وحدة كاملة
التدريب والترتيب. [8]
وكل ذلك كان تحت اعين البريطانيين حتى أن أعضاؤها انخرطوا في منظمة الهستدروت
العمالية ومنظمتي الهاغانا وأرغون تسفي ليئومي الإرهابيتين، حيث عملوا معاً بشكل
مجموعات عسكرية سميت بمجموعات التعبئة في القرى والمستعمرات الصهيونية.
بعد فرض انتدابها على فلسطين قامت بريطانيا
بتشكيل العديد من الفرق الرياضية التابعة لها ، وقد مارست هذه الفرق العديد من
الرياضات مثل كرة القدم والملاكمة والدراجات الهوائية والكريكيت والرجبي والهوكي والتنس الأرضي
والبولو وكرة القاعدة. ولا احد ينكر أن الانجليز ساعدوا في إدخال الحداثة إلى فلسطين - التي كانت الرياضة شكلا منها - فهم لم يفرضوا هذه الرياضات على السكان بل فرضوا
انتدابهم الذي كان داعما للهجرة اليهودية وللمخططات الصهيونية في فلسطين . في عام 1921
قامت إدارة الانتداب بإنشاء نادي القدس الرياضي الذي كان مخصص للجنود والضباط
البريطانيين، وقد أقام هذا النادي دوري منذ عام 1924 - 1927 حمل اسمه ،
وفازت القوة الجوية الملكية بالكأس لكل السنوات. كما وأقاموا دوري الدوائر الحكومية وهو أول دوري لكرة القدم في فلسطين في مدينة
القدس . لاحقا في عام 1925 توقف هذا الدوري بسبب الانخفاض في عدد العاملين في
الدوائر المختلفة.[9] كان فريق البوليس الفلسطيني يلعب في دوري
(الزهرة) الذي بدأ في عام 1923 وحتى بداية الثلاثينيات وكان يضم روضة المعارف ،
والنادي الرياضي العربي وفرق يهودية .[10]
من المعروف أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم تأسس عام 1928 وحاول فورا
الانضمام إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم ، إلا أن الثاني اشترط وجود أعضاء عرب
وانجليز بالإضافة لليهود في هذا الاتحاد ، لذا دعت المكابي عضواً عربياً من أجل ان
توحي للفيفا أن هذا الاتحاد يضم أعضاء عرب ، ولكن فيما بعد تم تهميش العرب
وإبعادهم عن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. وبسبب هيمنة الصهاينة عليه قرر
العرب ترك هذا الاتحاد وشكلوا في عام 1931 الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي عمل حتى
نهاية الثلاثينيات ، وتوقف عن العمل بسبب الأوضاع السياسية ، وفيما بعد في عام
1944 تم إعادة تأسيسه وعمل بجد ونجاح حتى نهاية عام 1947. وقد كان موقف الانجليز
من قضية الصراع العربي الصهيوني على الصعيد الرياضي مماثلاً لمواقفها من القضايا
الأخرى السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها .
في عام 1929 قدم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم تقريراً للاتحاد الدولي لكرة
القدم (لفيفا) شارحا به أن هناك ثلاث تقسيمات: 10 فرق في الأولى ، 20 في الثانية
(5 منهم عرب) ، 39 في الثالثة (6 منهم عرب) ، إلا أنه على ما يبدو أنه لم تلعب أي
بطولة دوري رسمي حتى عام 1932 (كانت هناك منافسات كأس فقط 1928 - 1930). [11]
بدأت البطولة التي نظمها الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عام 1931/1932 فاز بها فريق
البوليس الفلسطيني [بعد خلاف حدث بينه وبين الهابوعيل التابعة لمنظمة الهستدروت العمالية] بعد إلغاء مباراة فاز بها هابوعيل حيفا ضد البوليس البريطاني 1- صفر ،
وكانت هذه البطولة تضم تسع فرق ، واستمرت حتى عام 1946/1947. [12]
وكانت تشارك بها الفرق اليهودية فقط.
ومن المعروف أنه بعد صدور الورقة البيضاء في
أكتوبر 1930 (التي حدت من الهجرة اليهودية إلى فلسطين) وتعبيراً عن مشاعر الكره
تجاه الفرق الإنجليزية والعربية فقد حدثت مصادمات بين المتفرجين اليهود والفرق
الإنجليزية وبين المتفرجين اليهود والعرب من كلا الطرفين . وعندما حدث تراجع في
السياسة البريطانية تجاه الهجرة اليهودية في شباط 1931 تجددت هذه اللقاءات الرياضية بين الفرق
اليهودية والانجليزية. [13]
يؤكد الباحثون الإسرائيليون أن نشاطات كرة القدم في فلسطين كانت تشكل مرآة
لتشخيص المناخ السيكولوجي للعلاقات الإنجليزية اليهودية في فترات الهدوء وفترات
الاحتكاك . هذا التعاون (الذي كان يعتمد على الأوضاع السياسية في فلسطين) أيضا،
كان يعتمد على المصالح الصهيونية التي كانت تحاول تسخير كل الأمور إلى جانبها ،
فاليهود كانوا يستغلون علاقتهم مع الانجليز وفي آن واحد ينتهزون الفرصة للتفوق على
الفرق الإنجليزية الرياضية ليبرزوا مشاعرهم القومية بالتفوق . ففي إحدى اللقاءات
بين احد الفرق الإنجليزية واليهودية في عام 1930 كان الفريق الإنجليزي يتقدم
بأربعة أهداف إلى ثلاث ولكن قبل انتهاء المباراة بقليل تعادل الفريقان ، هذا مما
أدى إلى أن يخرج الجمهور اليهودي إلى شوارع تل أبيب في مظاهرة تعبيراً عن فرحتهم
بهذا النصر. [14]
يدعي هريف وجليلي أن "الفرق
الإنجليزية في (أرض إسرائيل) أعطت دفعة قوية لنمو كرة القدم في البلاد. هذه الفرق
الإنجليزية في معظم الحالات كانت معتدلة المقدرة وكانت بمثابة عامل تدريبي للفرق اليهودية ، وكان هناك فرق خاصة
تعلم منها لاعبونا الكثير .... إلا أن النزاعات والعراك بين الفرق اليهودية
والانجليزية [في بداية الثلاثينيات] أدى إلى إنهاء للمنافسات وإصابة فرقنا بعدوى
الترهل واللامبالاة." ويضيف احد أعضاء منظمة الهابوعيل في ذلك الوقت "من
يجب أن يلام ومن هو المسؤول عن توقف
العلاقات الرياضية بيننا وبين الانجليز ؟... اعتقد أنه خطؤنا لم نعرف كيف
نسمو فوق اعتبارات صغيرة ونتحكم بأعصابنا في الملاعب ... لقد استحسنت سلطات
الانتداب هذه اللقاءات كما أننا أيضا
استفدنا كثيرا منها".[15]
كانت
هناك عشرات المباريات واللقاءات الرياضية بين فرق الجيش البريطاني والفرق
الصهيونية ، كما وكانت الشخصيات الحكومية البريطانية ترعى العروض والاحتفالات
الرياضية والوطنية وكانت دائما تُرفع الأعلام الصهيونية بجوار الأعلام البريطانية.
أيضا، فقد ساعدت السلطات البريطانية الأندية في تنسيق عملها التنظيمي وبينت لها
الطرق الصحيحة في تنظيم المنتخبات والدوري الكروي والاتحادات والمشاركة معها في
المنافسات . وكان بعض المسؤولين البريطانيين رؤساء للأندية الصهيونية (فخريون وغير
فخريون) ، فعلى سبيل المثال كان الميجور برودهيرست رئيسا لفريق المكابي لكرة
القدم في تل أبيب ورئيسا لاتحاد الرياضيين الهواة في فلسطين [اتحاد الأندية
الرياضية في فلسطين]. وفي بداية عام 1932 رافق فريقه إلى مصر
والتقى مع الأرسنال والنادي الهيليني في كل من القاهرة والإسكندرية . وذكرت صحيفة
(بالستين بوليتين) في تموز 1928 أنه "بالتنسيق مع الإنجليز وبمساعدة اللورد
ملشيت تقرر تشكيل منتخب لفلسطين من 18 لاعب (معظمهم من اليهود) للتباري مع الفرق
الكروية في إنجلترا ، وسوف يرتدون الزي الأزرق والأبيض وسوف يحملون معهم الأعلام
الوطنية اليهودية . "[16]
إن الاهتمام الرياضي اليهودي في
فلسطين والتعاون البريطاني الصهيوني في المجال الرياضي كان منصبا على تحقيق
الأهداف الصهيونية واهمها إبراز الهوية القومية ومثال على ذلك أنه في عام 1930 شُكل فريق كرة قدم من
ستة لاعبين يهود وتسعة من الانجليز سمي بمنتخب "ارض إسرائيل" قام بزيارة مصر وزار عدة مدن هناك ، كان فريقه يرتدي
زي رياضي وضع عليه حرف P أي Palestine فلسطين بشكل واضح وحرفان صغيران LD أي (الاحرف الأولى بالعبرية لأرض إسرائيل Land of Israel) في الأسفل ، والسبب في
ظهور هذان الحرفان بشكل مصغر هو الخوف من
إغضاب المصريين . وقد مني هذا الفريق بالهزيمة مع فريق القاهرة بخمسة إلى صفر، ومع
فريق الإسكندرية هزيمة اثنين إلى صفر ، ومع فريق عسكري من القاهرة هزيمة خمسة إلى
اثنين. انتقدت صحيفة (دافار) و(دوار هيوم)
في 15 ابريل 1930 هذه الرحلة والهزيمة "إننا نقدر عاليا هذه اللقاءات بين بلدنا والدول المجاورة . بالطبع
إن الرياضة تستطيع أن تساهم في تطوير مثل هذه العلاقات. مرة أخرى ذهب فريق من (أرض
إسرائيل) إلى مصر للتباري هناك ولم يكن زيه أبيضاً وازرقاً [وفقا للعلم الصهيوني] بل اسوداً وابيضاً
وشعارهم ليس في العبرية وإنما حرف P (بالإنجليزية) وحرفان LD صغيران . [17]
وتستمر الصحيفة بالقول أن هذا ما كان يعكس قبول الفريق بتسوية مذلة مع
السكان المصريين فقط وليس مع العسكريين [الانجليز الذين رافقوا الفريق] الذين
يسافرون هنا وهناك والذين وجودهم مؤقتاً في البلاد (في فلسطين) ، وهم لا يستطيعون أن
يكونوا ممثلين لبلدنا."[18] في
الوقت الذي كان البريطانيون يدعمون الصهاينة ، فهم [الصهاينة] كانوا على ثقة بأن
وجود الإنجليز مؤقتاً في فلسطين ، وبأن الإنجليز ليسوا ممثلين عنهم أيضا ، وهذا ما
يدل على مقدرة الصهاينة حتى في تلك الفترة على التأثير في إخضاع الإنجليز لخدمة
مصالحهم تماما مثل هذا التأثير الذي يتمتع به يهود الولايات المتحدة اليوم .
ارتفع عدد اليهود الذين يخدمون في البوليس في فلسطين من 365 عام 1935 إلى 682
عام 1936 ، وفي أواخر ذلك العام أذنت الحكومة بتجنيد 1240 يهوديا كبوليس
إضافي مسلح ببنادق حربية ، وارتفع العدد بعد شهر إلى 2863 مجندا . ولعب ضباط
بريطانيون دورا بارزا في قيادة مجموعات يهودية للهجوم على قرى عربية. [19]
أما على الصعيد الرياضي فقد زاد عدد الأعضاء اليهود في البوليس الفلسطيني الذين كان
بينهم رياضيون يلعبون مع فرق البوليس في مدن مختلفة . ولما نشبت الثورة الفلسطينية ضد التقسيم سارعت بريطانيا وقواتها
المسلحة في فلسطين إلى مساندة اليهود واضطهاد العرب والبطش بهم ومحاولة تقويض
ثورتهم. فكانت القوات البريطانية ترافق القوافل اليهودية لحمايتها، وتنقل المؤن
والأسلحة والذخائر لليهود المحاصرين في القدس وغيرها، وتشترك مع قوات الهاغانا
والمنظمات اليهودية السرية الإرهابية في مقاتلة المجاهدين العرب. [20]
لقد ضعفت في هذه الفترة (أواخر
1937 - أوائل 1939) سيطرة القوات البريطانية البريطاني على فلسطين ووصلت هيبة الاستعمار إلى الحضيض ،
وأصبحت سمعة الثورة ونفوذها هما القوة الأساسية في البلاد . إلا أن ما حدث في هذا
الوقت أيضا هو ازدياد قناعة بريطانيا بأن عليها الاعتماد على القوى الصهيونية إن
هي أرادت سيطرة طويلة الأمد على الوضع ، وقد أعطاها الصهاينة حالة فريدة لم تكن
لها في أي من مستعمراتها . هذه الحالة هي توفر قوة محلية لها مع الاستعمار
البريطاني قضية مشتركة ، ومشحونة حتى أقصى الحالات ضد السكان المحليين. [21]
استغلت القيادة الصهيونية
الرياضية أحداث 1936 لتوطيد علاقاتها الرياضية مع الانجليز. فمنذ اندلاع ثورة عام
1936 قام الصهاينة بمنافسات رياضية في مجال السباحة وكرة القدم والكرة المائية
والهوكي مع الفرق الإنجليزية من أجل جلبهم إلى المستوطنات الصهيونية. يشير احد قيادات المكابي ناحوم شيت "إن ما
يهم الإنجليزي هو النساء والرياضة . فالأول ليس من اختصاصنا أما الرياضة فهي الحقل
الوحيد الذي نستطيع أن نجد لغة مشتركة مع الشباب الإنجليزي ومعظم الجيش الإنجليزي
. فنحن نتمنى أن تقام علاقات وثيقة مع الانتداب في وجه الثورة العربية".[22]
لذا فقد دفعت مذكرة شيت إلى أن تقوم الوكالة اليهودية بتعيين جورج فلاش (انجليزي)
كمنصب منسق ومنظم للعلاقات الرياضية بين المنظمات اليهودية الرياضية والجيش
الإنجليزي في "ارض إسرائيل".[23]
في كانون أول 1937 أجريت فورا مباراتان مع
الجيش الإنجليزي حيث عمدت القيادات الرياضية الصهيونية إلى استضافة وتكريم فرق
الجيش . بالطبع حاولت
الوكالة اليهودية أن تضع كل ثقلها وإمكانياتها من اجل الوقوف بجانب الانجليز في
حربهم مع ألمانيا. لذلك فان العلاقات الرياضية في تلك الفترة شكلت عاملاً هاماً من
اجل تحقيق هذه الأهداف ، هذا ما عكسته مذكرة المكابي في فلسطين فوراً بعد بدء
الحرب العالمية "عندنا الفرصة الآن بأن عشرات الآلاف من الجيش البريطاني من
مختلف الدول سوف يزورون البلاد بعضهم سوف يلعب دوراً مهما في السياسة البريطانية
وعلينا أن نؤثر عليهم ونكسب صداقتهم من خلال اللقاءات الرياضية ، هذه هي مهمتنا
ليكون عملنا على أحسن وجه".[24]
وقد اقترح المكابي أن يقيم مكتبا له قرب
الوكالة اليهودية تكون مهمته تنظيم اللقاءات من الفرق العسكرية الإنجليزية . وقد
كانت إجابة الوكالة اليهودية بالرد الإيجابي مدركة أهمية وضرورة وجود مثل هذا المكتب من أجل تشجيع اللقاءات
الرياضية بين الجيش (خاصة الاسترالي) والفرق الرياضية المختلفة في البلاد.[25]
لقد آتت زيارة فريق "الوندرز" البريطاني لكرة القدم تتويجا لهذا
التعاون الصهيوني الإنجليزي في عام 1941 و 1943 و 1944 . وبهذا الصدد تشير صحيفة
(فلسطين) إلى أنه "سيقوم اتحاد كرة القدم في فلسطين [الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم
الذي كان تحت الهيمنة الصهيونية] بكافة التدابير اللازمة وسيكون هو المسؤول عن
اختيار اللاعبين الذين سيكونون من قوة بوليس فلسطين ومن القوات البريطانية ومن
لاعبي الفرق العربية واليهودية الممتازين".[26]
ولكن في الحقيقة فإن هذا (الاتحاد) أراد
تشكيل فريق من اليهود للتباري مع الفريق الضيف
، ولكنه اضطر تحت ضغط الانجليز أن يشكل فريقاً مختلطاً ، فبسرعة تم تشكيل فريق
مكون من ستة لاعبين يهود وثلاثة من الإنجليز وعربي واحد ويوناني . فأمام 1200
متفرج في تل أبيب هزم هذا الفريق 8 إلى ثلاثة وكان هذا فشل مدمر. وقد كانت النتيجة
في النصف الأول ثمانية إلى صفر ولم يتم أي تقدم إلى عندما تم تبديل حارس المرمى
العربي بيهودي". [27]
وهذا ما يدل على وقاحة الجانب اليهودي ومحاولته القصوى تهميش العرب والتعامل معهم بشكل فوقي.
ساءت العلاقات اليهودية
الإنجليزية بعد الحرب العالمية بسبب استياء اليهود من ممارسات الانجليز بعدم
السماح لليهود الألمان دخول البلاد. هذا مما أدى بدوره إلى سوء العلاقات الرياضية
بين الطرفين. وبسبب قيام المجموعات اليهودية المتطرفة بأعمال إرهابية فقد رفضت
الفرق العسكرية الإنجليزية اللقاءات مع الفرق اليهودية . وقد أعلنت هذه المقاطعة
في ابريل 1945. في آب 1947 أعلنت السلطات البريطانية أن حركة "البيتار"
(Beitar) الرياضية هي محظورة
وغير مشروعة ذلك مما دفع هذه المنظمة إلى أن تغير اسمها إلى "نورديا" [نسبة إلى ماكس
نوردو احد معاوني هرتسل] فيما بعد تعهدت هذه المنظمة عدم القيام بأعمال هجوم على
الانجليز.[28]
كان الصهاينة يسعون دائما إلى إيجاد افضل الوسائل
من اجل إدخال المزيد من المهاجرين إلى فلسطين ، فكما يشير عيسى السفري أن "
الصهاينة استنبطوا منذ عام 1924 حيلا جديدة لإدخال المزيد من المهاجرين اليهود إلى
البلد ، فلجئوا إلى التهريب والخديعة ، وتظاهروا بالرضوخ للقيود التي ينص عليها
قانون الهجرة وتحويل العديد من طالبي الدخول إلى فلسطين ، ثم إخفائهم في
المستعمرات . وكانت احدى هذه الوسائل
"المكابياد" مهرجان رياضي على
نسق الألعاب الأولمبية ، دعت له القيادات الصهيونية عام 1929 [أقيم في عامي 1932 و
1935] ، كانت تشارك به الشبيبة الصهيونية من كافة أنحاء العالم حيث يبقى جزء كبير
منهم بلا عودة..... دخل فلسطين سنة 1935 ستة آلاف مهاجر من هذا النوع وسلموا
جوازات سفرهم الى الحكومة ودفعوا التأمينات المطلوبة ، ظلوا في البلاد ولم يخرجوا
منها إلى الآن". كما يشير أيضا إلى
"أنه هناك ثلاث طرق رسمية تستغلها الجمعيات الصهيونية في تهريب اليهود
إلى فلسطين نذكرها فيما يلي المكابياد : نسبة إلى المكابي ، وهي اصطلاح يهودي
يقابله بالإفرنجية " المكابياد" يقيمها اليهود في كل سنتين مرة ، يدخل
فلسطين بواسطتها – عدا اللاعبين الرسميين وعددهم لا يتجاوز العشرات – الألوف من
غير اللاعبين الذين يبقون في البلاد" .[29]
شنت الصحافة العربية حملة إعلامية ضد هذا المهرجان حيث أنها ركزت على أمرين
الأول وهو افتتاحية المهرجان أي العروض التي كانت مشابهة للعروض العسكرية، والثاني
الهجرة غير المشروعة ، كما أنه وتحت حجة تقوية فريق (فلسطين) للسباحة ببعض السباحين المهاجرين من أوروبا
(وذلك بسبب ضعف هذا الفريق وعدم أدائه أداء جيدا في مكابياد 1932) فقد طلبت
الإدارة الرياضية من الوكالة اليهودية الحصول على شهادات هجرة من اجل هؤلاء
السباحين.
تشير المصادر الصهيونية إلى أن اللورد ملشيت
ذكّر كل المشاركين في المكابياد بهذا الوعد الذي قطعوه على أنفسهم بأن يغادروا
البلاد قبل أن ينتهي موعد إقامتهم "إنا على علم ويقين أن الأوضاع في أوروبا
وأن الرغبة في الهجرة هو كبير جدا ، ولكن ليكن بالعلم أن هذا المهرجان لا يمكن أن
يستمر إذا كان هذا الحدث سوف يكون سببا لخرق القوانين في فلسطين ، لذلك أنا أطلب
من كل واحد شخصيا أن يتذكر هذا الوعد وأن يبين الالتزام والانضباط في هذه الحركة
المكابية." لقد كان اللورد ملتشيت على يقين ومعرفة تامة بعدد الذين بقوا في
البلاد بعد المكابياد. وعندما سئل أحد المسؤولين اليهود في دائرة الهجرة حول هذا
العدد الهائل من المهاجرين بالعلاقة مع المهرجان كان الجواب "من المستحيل فإن
اللورد ملشيت أعطى ضمانة بنفسه."[30]
حول هذه القضية برز في الصفحة الأولى لجريدة
(فلسطين) في العشرين من آذار 1935 أي قبل افتتاح المهرجان بعدة أيام تحت عنوان
"(10 آلاف يهودي رياضي بأي حق تسمح لهم الحكومة بالقدوم؟ ) "..... والذي
نعلمه أن هؤلاء الشباب الرياضيين لا يملكون أموالا تخولهم حق الدخول إلى فلسطين
كسياح والوكالة اليهودية لم تمنحهم شهادات هجرة إلى فلسطين فكيف سمحت الحكومة
بإدخالهم ؟ وهل اتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان عودتهم إلى بلادهم . إن دورة
المكابياه الأولى قد علمتنا أن معظم من اشتركوا فيها قد أتوا إلى فلسطين واختبأوا
في المستعمرات اليهودية . فلماذا تريد الحكومة تكرار ذلك الحدث. قد تزعم الحكومة
أنها سمحت لهم بالدخول بحجة تشجيع السياحة إلى فلسطين ولكن هذا الزعم باطل لأن
المقصود من تشجيع السياحة هو أن يكون السياح من الممولين الذين يصرفون نقودا في
البلاد تساعد على تحسين الحالة الاقتصادية ، أما هؤلاء الشباب الذين يأكلون مجانا
من مطاعم الجمعيات الصهيونية فلا يعدون سياحا وفوق ذلك فإن معظمهم لا ينتمون إلى
جمعيات المكابي كما تصرح بذلك الصحف اليهودية نفسها."
وكما اشير سابقاً لقد كانت الشخصيات الحكومية للانتداب البريطاني تشارك
بنفسها الاحتفالات الرياضية والوطنية فقد عرضت المكابي على [المندوب السامي] السير
واكوب المشاركة في هذا المهرجان ، وكان رده المشاركة ولكنه أراد أن يعطي اعتبارا
لمسألة الرعاية. فهو أراد دعوة الإنجليز والعرب معاً. يشير جورج أيسين (George Eisen)أن الدعوة كانت بمثابة مناورة مدروسة لجذب
الإنجليز وتوطيد العلاقة معهم لأن الدعم السياسي والدبلوماسي الإنجليزي له قيمة في
الوقت الذي كانت به الحكومة البريطانية تتحرك بعيدا عن القضية الصهيونية. في رسالة
إلى أرلوزورف أشار المندوب السامي البريطاني "أنا افهم أن الاشتراك في
المهرجان من قبل الجيش الإنجليزي وآخرين مثل البوليس الفلسطيني والفرق العربية سوف
يرحّب به. "[31]
فهو أراد أن يكون واضحا أن مشاركة الجميع يجعله يعطي موافقته في المشاركة ورعاية المهرجان . ومن المعروف أن الرياضيين والفرق الرياضية الفلسطينية لم تشارك في كلا المهرجانين ، ولكن شارك بعض الرياضيين من دول عربية مجاورة في المهرجان الأول عام 1932.
وفي الختام فإن استخدام الجانب الصهيوني للرياضة في فلسطين لأجل أهداف عسكرية وفنية وتنظيمية لم يكن يتحقق دون الدعم الكامل من الجانب البريطاني . من الواضح أن العلاقات البريطانية الصهيونية في المجال الرياضي كانت تخضع بعض الأحيان إلى الظروف والمتغيرات السياسية في فلسطين ، فهي كانت تسير في خط ثابت نسبياً، والسبب في أنها لم تخضع بالكامل لهذه المتغيرات يرجع إلى وعد بلفور ، فقد كرّس الإنجليز التزامهم الكامل بإقامة الوطن القومي اليهودي ، واستمروا بالوفاء بوعودهم هذه مع العطاء الكامل حتى عام النكبة.
وفي الختام فإن استخدام الجانب الصهيوني للرياضة في فلسطين لأجل أهداف عسكرية وفنية وتنظيمية لم يكن يتحقق دون الدعم الكامل من الجانب البريطاني . من الواضح أن العلاقات البريطانية الصهيونية في المجال الرياضي كانت تخضع بعض الأحيان إلى الظروف والمتغيرات السياسية في فلسطين ، فهي كانت تسير في خط ثابت نسبياً، والسبب في أنها لم تخضع بالكامل لهذه المتغيرات يرجع إلى وعد بلفور ، فقد كرّس الإنجليز التزامهم الكامل بإقامة الوطن القومي اليهودي ، واستمروا بالوفاء بوعودهم هذه مع العطاء الكامل حتى عام النكبة.
المراجع:
[1] بريطانيا والقضية
الفلسطينية ، الموسوعة الفلسطينية.
[2] بريطانيا والقضية الفلسطينية
، الموسوعة الفلسطينية.
[5] بريطانيا والقضية الفلسطينية
، الموسوعة الفلسطينية .
[6]Encyclopedia
Judaica, vol. 15, Jerusalem. 1972, p.
293
[7]Eisen, George. “The Maccabiah
Games: a history of the Jewish Olympics”, Diss., UM, 1979.p 53
[8]
صحيفة (فلسطين) 6 نيسان 1939 .
[9] ظهر هذا المقال
تحت عنوان كرة القدم في فلسطين في النشرة الرسمية للاتحاد الدول لكرة القدم في
الثامن والعشرين من كانون الثاني 1931.
وكتبت من قبل جوزيف ياكوتيلي (رئيس اتحاد المكابي الرياضي) وبيرسي س. سبيد. المصدر: الاتحاد الدولي لكرة القدم ،
زيوريخ ، سويسرا.
[10] صحيفة (بالستين بوليتين) 26
أكتوبر 1932.
[11]Israel –
List of Champions, http://www.rsssf.com/tablesi/israchamp.html
[12]Israel –
List of Champions, http://www.rsssf.com/tablesi/israchamp.html
[13] Harif, H; Galily, Y. “Sport and Politics in Palestine, 1918-1948: Football
as a Mirror Reflecting the Relations between Jews and Britons” . Soccer and Society, Vol. 4, no. 1, (Spring
2003), p. 41-56.
[14]Yekutieli and Tidhar, The Maccabi Album, p. 82.
[15]نفس المصدر.
[16]
صحيفة (بالستين بوليتين) 24 تموز 1928.
[17]Lipa Livistan,
‘The Group of the “Land of Israel” “P” in Egypt”, DoarHayom, 10 April 1930. Quoted fromHarif, H;
Galily, Y.
“Sport and Politics
in Palestine, 1918-1948: Football as a Mirror Reflecting the Relations between
Jews and Britons” . Soccer and Society, Vol. 4, no. 1, (Spring
2003), p. 41-56.
[20]http://www.palestinapedia.net
[21] كنفاني ، ص 69.
[31]Eisen, George.
“The Maccabiah Games,
No comments:
Post a Comment