عصام الخالدي
في عام 1919 أسس الجمعية في بادئ الأمر في القدس المبشر
الأمريكي الدكتور هارت الذي أوفدته الجمعية الأم في أمريكا إلى القدس لهذه الغاية. أقام هارت في أول أمره في كوخ من خشب بالقرب
من شارع مـأمن الله. وكان بجوار هذا الكوخ عرصة [ساحة الدار] ضمها هارت إلى الكوخ، وجعل منها ملعبين لكرة
المضرب. وصار هارت ينفق على مشاريعه معتمداً على المساعدات والهبات التي كان
يتلقاها من الخارج، والتي مكنته من تسيير أمور الجمعية. كان هارت رجلاً نشيطاً ذا
خبرة واسعة في شؤون الجمعيات وإدارتها، مما ساعده على السير قدماً نحو إرساء قواعد
الجمعية في القدس، حتى بلغ عدد أعضائها ما بين 450 و500 عضو.[1] ولكن في عام 1928 بدأ العمل في بناء مبنى كبير يضم ملاعب
وبرك سباحة وقد تم افتتاحها في عام 1932 ، وكان قد تبرع ببنائه أحد الأثرياء
الأمريكيين بقيمة مليون دولار. يضم البناء مسكناً لنزول الزوار الغرباء
وإقامتهم، ومطعماً، ومدرسة ليلية لتعليم اللغات وفن المحاسبة والاختزال والطبع على
الآلة الكاتبة باللغتين العربية والإنكليزية. كما يضم مكتبة ضخمة تعد من أكبر
وأضخم المكتبات في الشرق الأوسط، وقاعة كبيرة تتسع لألف كرسي للاجتماعات
والمحاضرات والتمثيل وسماع الموسيقى وعرض الأفلام السينمائية. وفي هذا البناء قسم
للرياضة البدنية، ويشمل صالة كبيرة للتمارين البدنية ولعبة كرة السلة، ومسبحاً
للرجال والنساء، وملاعب لكرة المضرب وملعباً كبيراً لكرة القدم.[2] الذي اصبح واحداً من
أهم الملاعب في مدينة القدس وملعباً أساسياً لفريق "البيتار" المتطرف ، استمر
وجوده حتى عام 1991 ليتحول فيما بعد إلى مجمع سكني. [3]
من الصعب أن نغض النظر عن الدور الرياضي والاجتماعي الذي
لعبته هذه الجمعية التي أولت اهتماما بالغا بالنشاط الرياضي مثل كرة القدم وألعاب
القوى وكرة السلة والتنس الأرضي وتنس الطاولة والسباحة والكريكيت والبولو والسكواش حيث قامت بتنظيم عشرات البطولات في هذه الرياضات بمشاركة العديد من رياضيي الأندية العربية
واليهودية والفرق العسكرية والمدنية للانتداب البريطاني في فلسطين. وحول موقف الجمعية من الصراع
الدائر على الساحة السياسية بشكل عام وعلى الساحة الرياضية بشكل خاص فقد كان محايداً ، لأن
أهداف الجمعية في نهاية المطاف كانت تنصب على الأمور الثقافية والاجتماعية
والرياضية ، فهي كما كانت تدعي أنها لا تتدخل في الأمور السياسية والدينية ولا
تميز بين الأديان والمذاهب. وكان أعضاؤها ينتمون إلى الأديان السماوية الثلاثة.[4]
ومن الواضح أن الذي أعطى هذه الجمعية
طابعا وطنيا بعض الأحيان هو وجود أعضاء عرب فيها ، وكما تشير الموسوعة الفلسطينية
أنه كان يشرف على
الجمعية مجلس إدارة مؤلف من خمسة عشر عضواً ، تعاقب على رئاسته في أول الأمر
أمريكيون، ثم أدت الرئاسة إلى عربي، احتفظ بها إلى حين حدوث الكارثة في فلسطين. [5] وتدل الصور الفوتوغرافية أن هذه الجمعية كانت تحوي على فريق كشاف عربي كان يرتدي الكوفية ، وهذا ما يدل نسبياً على وجود الصبغة العربية الوطنية لهذه الجمعية.
حاول الجانب
القيادي الصهيوني جذب الجمعية للمشاركة في
مهرجان المكابياد الصهيوني الذي أقيم في تل أبيب في عامي 1932 و1935 - والذي كانت احدى
أهدافه جلب المزيد من اليهود إلى فلسطين كرياضيين وزائرين وبقائهم في فلسطين - إلا
أنها لبت مطالب الحركة الوطنية الفلسطينية بعدم المشاركة بهدين المهرجانين. [6] فتحت عنوان )مقاطعة الألعاب المكابية بتل أبيب الوطنية
تتغلب على الدسائس الصهيونية( نشرت صحيفة )فلسطين( الخبر التالي: "كنا نشرنا خبراً قلنا فيه أن
مجلس إدارة احدى الجمعيات في القدس [جمعية الشبان المسيحية] قرر الاشتراك في العاب المكابياد التي سيقيمها
الصهيونيون في تل أبيب مع معرضهم إلى آخر ما جاء في ذلك الخبر. ويسرنا أن نذيع
الآن أن الجمعية المقصودة سوف لا تمثل في تلك الألعاب على الاطلاق لأن بعض الأعضاء
الذين كانوا أبدو رغبة في الاشتراك بالألعاب المكابية قد عدلوا عن ذلك .... وهي [الجمعية]
بعيدة كل البعد عن الشؤون السياسية ، على أن لا دخل للرياضة في أي شأن آخر . "[7]
لم يكن غريبا على العرب أن يظهروا عدم رغبتهم في اللقاء مع الفرق الصهيونية
، فهم كانوا يرون في هؤلاء الرياضيين والفرق التي يتبارون معها مهاجرين يهود يسعون
لكي يأخذوا مكانهم في بلادهم. من المهم أن نفهم بهذا الصدد أن الفلسطينيين لم ينظروا
إلى المهاجرين اليهود إلى فلسطين بالدرجة
الأولى كلاجئين من الاضطهاد كما كان ينظر إليهم من قبل الكثيرين في هذا العالم ،
بل كانوا ينظرون إليهم كأوروبيين متكبرين متدخلين بدون داع ، الذين لم يقبلوا
الفلسطينيين كبشر لهم حقوقهم الوطنية في بلدهم ، وكانوا يؤمنون بأن فلسطين كانت
لهم ، مصممون ببرود أن يجعلوا من هذا
المعتقد واقع ملموس. [8]
من المعروف أن الاتحاد
الفلسطيني لكرة القدم تأسس عام 1928 من قبل اليهود والإنجليز والعرب ، ودخل في
عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1929 ، وفورا قام الصهاينة بالهيمنة عليه
وإبعاد العرب منه ، مما دفع العرب إلى تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني في عام
1931. والذي يثير الاستغراب هو أنه بالرغم من حضور السيد أوبرن المشرف الرياضي للجمعية والدكتور عزت طنوس عن جمعية الشبان
المسيحية في القدس الاجتماع التأسيسي لهذا الاتحاد بالإضافة إلى نصري الجوزي عن النادي الرياضي العربي في
القدس ، والدكتور داود الحسيني ومصطفى الهباب عن
النادي الرياضي الإسلامي في يافا ، إلا أن الجمعية لم تصبح عضواً في هذا
الاتحاد الذي اصبح يضم الأندية التالية :
النادي الرياضي العربي في القدس، كلية روضة المعارف ، النادي الرياضي الإسلامي
يافا ، النادي الأرثوذكسي يافا ، النادي الرياضي الإسلامي حيفا ، النجمة البيضاء
حيفا ، ونادي السالزيان حيفا. ومن المعلوم أن هذا الاتحاد عمل حتى نهاية
الثلاثينيات ثم توقف عن العمل ، وأعيد تشكيله في أيلول عام 1944. وقد نبه قانونه
الأساسي إلى عدم التقارب مع الفئات اليهودية ، ففي المادة (6) تأليف الاتحاد :
يتألف الاتحاد من الأندية والهيئات العربية وغير اليهودية في فلسطين ، ويشترط أن
تمارس لعبة واحدة من الألعاب الرياضية على الأقل وأن لا يكون يهودي بين أفراد
فرقها الرياضية ، وفي المادة مالية اللجنة
المركزية في البند (ب) يذكر أن احد مصادر التمويل للاتحاد هي الهبات والتبرعات
التي ترد من أشخاص رياضيين أو هيئات غير يهودية ، بالإضافة إلى ذلك دعا القانون
الأساسي الفرق العربية لاختيار أي حكم تريده لتحكيم المباريات بشرط أن لا يكون
الحكم يهوديا.[9] وفي
الجلسة الثامنة للاتحاد في كانون أول 1944 قرر الاتحاد أنه يجوز إقامة مباريات
ودية بين الفرق المشتركة في الاتحاد مع فرق الدوائر والشركات والمدارس غير
اليهودية بعد أخد موافقة لجنة المنطقة المختصة ، وبخصوص تباري الأندية المنتمية
للاتحاد مع الفرق اليهودية فقد استثنيت جمعية الشبان المسيحية في القدس من الفقرة
الشرطية الثامنة من المادة (35) من قانون الاتحاد ، على أن يطلب قرار الجمعية خطياً بواسطة المناطق
ويتوقف تنفيذ هذا الاستثناء على موافقة اللجنة المركزية. [10]
وبالرغم من هذه
المادة التي نصت على استثناء الجمعية إلا أن صحيفة (فلسطين) في تشرين الأول عام
1945 - أي بعد إعادة تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني - أوردت خبرا مفاده أن مؤسسة
اجنبية في القدس [أي جمعية الشبان المسيحية] أقدمت على تأليف فرقة رياضية تمكنت من
ان تضم إليها خيرة اللاعبين العرب التابعين لمختلف النوادي العربية في القضاء ،
وفي هذا العمل ما فيه من إضعاف لفرق نوادينا ، ذلك لأن ضم خيرة لاعبيها في فرقة
تلك المؤسسة الأجنبية يحول دون لعبهم مع فرقهم. هذا وتضم تلك الفرقة الجديدة بعض
اللاعبين اليهود ، وأنها على استعداد للمباراة مع الفرق اليهودية ، وهذا ما يتعارض
مع الشعور القوي والمبدأ الوطني ، ولذلك جئت في هذه الكلمة ألفت نظر اخواني
الرياضيين العرب إلى الضرر الذي سيلحق بنوادينا العربية بسبب انضمام بعض لاعبيها
للفرق المذكورة كما الفت نظرهم إلى ما وصل إلى علمي من وجود بعض اللاعبين اليهود
في فرق تلك المؤسسة الأجنبية التي ذكرتها ، وإلى استعدادها للمباراة مع الفرق
اليهودية. وقد اعذر من انذر. [11]
ومن الواضح أن كاتب هذا المقال لم ينتبه إلى ما أورده القانون الداخلي للاتحاد الرياضي
الفلسطيني السابق الذكر عن قضية استثناء الجمعية.
في عام 1923 تشكل اتحاد الزهرة لكرة القدم وكان يقدم
درعاً قيماً لكل منافسة في فلسطين ، في عام 1932 أصبح يتألف هذا الاتحاد من جمعية
الشبان المسيحية والنادي الرياضي العربي وروضة المعارف وشركة شل ونورديا وأوفير
وهنوأر هعفيد (الفرق الثلاثة الأخيرة يهودية).[12]
النشاطات الرياضية وبطولات الجمعية
في عام 1931 بدأت بطولة سنوية في التنس الأرضي، وفي عام 1933
بدأت البطولة السنوية في عبر البلاد cross country ، في عام 1937 بدأت
البطولة السنوية في ألعاب القوى ، وكانت الجمعية تستضيف على ملعبها بطولات العاب القوى
للفرق العسكرية مثل الجيش والقوات الجوية والبوليس
الفلسطيني لسباق 200م ، 400م ، 800م وتتابع. في عام 1937 بدأت البطولة السنوية في السباحة ،
50 متر حرة ، 100 متر حرة ، 200 متر حرة ، 100 متر ظهر ، 200 متر صدر ، 400 تتابع . افتتحت
جمعية الشبان المسيحية موسمها في الكريكت في أيار 1941 والسكواش والبولو وكانت
معظمها تقام في شهر أيلول ،كما وكان هناك أسبوع رياضي تلتقي به فرق الجمعية مع فرق
أخرى في أنواع رياضية ، وعروض جمازية مختلفة ، بالإضافة إلى محاضرات عن الرياضة
والصحة.
تبارى الفريق الكروي للجمعية مع فرق من خارج فلسطين ففي
تشرين الثاني 1942 فاز فريق الجمعية على فريق "أسود حلب" على أرض
الجمعية بأربعة اهداف مقابل هدف. [13]
وفي شهر حزيران 1943 تبارى فريق الجمعية مع منتخب دمشق حيث فاز عليه.[14]
وفي آذار 1945 حضر إلى فلسطين منتخب الجيش الفرنسي وتبارى
مع فرق عديدة من الأندية العربية مثل النادي الأرثوذكسي والنادي الدجاني وجمعية
الشبان المسيحية في القدس.
وتحت عنوان (سيدات النادي الرياضي [نادي القدس
الرياضي] يفزن على جمعية الشبان المسيحية) أوردت صحيفة (بالستين بوست) "كانت سيدات نادي القدس الرياضي
يوم السبت الماضي على أرضهن لمباراة ضد جمعية الشبان المسيحية وكن ناجحات في إعادة
نتيجة المباراة السابقة بفوزهن 3 إلى 2. وفازت السيدة كامبل على ك. عبدو 3/0 ،
والسيدة شارب على ا. حلبي 3/2 ، وفازت السيدة ن. حلبي على فيلبس 3/2. والسيدة ك.
حشمة على السيدة كندال 3/1. [15]
وفي الشطرنج في آذار 1945 التقى فريق جمعية الشبان المسيحية مع نادي تشيكوسلوفاك س. وكانت النتيجة لصالح الفريق
الضيف 14 مباراة لست وقد شارك في هذه اللقاءات لاعبون عرب كانوا أعضاء في هذه
الجمعية. [16]
كان لجمعية الشبان
المسيحية دور في تطور كرة السلة في فلسطين من خلال وجود ملعب لها وتنظيمها منافسات بين الفرق المختلفة. وبهذا الخصوص أوردت
صحيفة (فلسطين) هذا الخبر: "جرت مباراة لبطولة كرة السلة في قاعة جمعية
الشبان المسيحية في القدس بين النادي الأرثوذكسي والمكابي [فريق يهودي] في مساء
الثلاثاء ..... ففي تمام الساعة 6:45 ابتدأت المباراة بإشارة من الحكم المستر أوبرن المدرب الرياضي لجمعية الشبان المسيحية ، فأظهر فريق
المكابي مهارة عجيبة بضرباته المحكمة على الهدف ولكن قابل فريق النادي هذه الضربات
بشجاعة وكانت نتيجة الشوط الأول تفوق المكابي ب 11 إصابة مقابل أربع إصابات
للنادي. وابتدأ الشوط الثاني ونزل فريق النادي للميدان بحماسة لمواجهة الفريق
الثاني ، فأجاد فرفندو وارنستو حلبي بتسجيل خمس إصابات للنادي كل منهم ونخص بالذكر
يوسف بولص (أبو أنطون) الذي كان موضع إعجاب الجمهور وكانت النتيجة أن تغلب النادي
الرياضي الأرثوذكسي على فريق المكابي ب 26 علامة مقابل 22 علامة. ومما هو جدير بالذكر أن النادي الرياضي الأرثوذكسي
هو في السنة الأولى من تأسيسه وقد تفوق على جميع نوادي القدس الرياضية في كرة
السلة ونال الكأس المقدم من سعادة قنصل الولايات المتحدة لبطولة سنة 1940 - 1941 تاركا
المقام الثاني لجمعية الشبان المسيحية والمقام الثالث للمكابي. "[17]
وذكرت (بالستين بوست) أن جمعية الشبان المسيحية في القدس
بدأت بتنظيم بطولة الكريكت في نيسان 1939 حيث التقت هذه الجمعية مع "مقر
القوات الحادي عشر" وهزمته ب 99 نقطة. وقد تألق في هذه المباراة اللاعب
الأرمني بويادجيان. [18]
وكانت جمعية الشبان المسيحية تضم لاعبين عربيين هما فراج وإقديس (لم تذكر اسماؤهما
الأولى). وفي أيار 1941 افتتحت جمعية
الشبان المسيحية موسما آخر في الكريكت.
المصادر والمراجع:
[1] جمعية
الشبان المسيحية ، الموسوعة الفلسطينية، http://www.palestinapedia.net/
[2] نفس المصدر
[3]https://en.wikipedia.org/wiki/Jerusalem_International_YMCA
[4] جمعية الشبان المسيحية ، الموسوعة
الفلسطينية ، http://www.palestinapedia.net/
[5] نفس المصدر
[6] عصام
الخالدي ، المكابياد ... المكابياه ، مهرجان رياضي على نمط الألعاب الأولمبية ابتدعته
الصهيونية وأقيم في فلسطين في عامي 1932 و1935 ، أنظر : www.hpalestinesports.net
[7] صحيفة (فلسطين) 20 آذار 1932
[8]Rashid
Khalidi, The Iron Cage: The Story of the Palestinian Struggle for Statehood (Boston: Beacon Press,
2007) 120.
[9]الاتحاد الرياضي الفلسطيني، القانون الأساسي
والداخلي سنة 1945. هذه الوثيقة حصل الكاتب على نسخة منها من جمعية الدراسات
العربية في القدس التي أغلقتها سلطات الاحتلال عام 2000.
[10] صحيفة
(فلسطين) 27 كان الثاني 1945.
[11] صحيفة
(فلسطين) 16 تشرين الأول 1945.
[12]Palestine
Football Prospects 1932-33. Palestine Bulletin, 26 October 1932.
[13] صحيفة
(بالستين بوست) 3 كانون الثاني 1942.
[14] صحيفة (بالستين بوست) 6
حزيران 1943.
[15] صحيفة
(بالستين بوست) ؟ ؟ 1941
[16] صحيفة
(بالستين بوست) 22 آذار 1945.
[17] صحيفة (فلسطين) في 23 آب 1940
[18] صحيفة (بالستين بوست) 27
نيسان 1939.
Lovely post
ReplyDelete