عصام الخالدي
تأسس النادي الرياضي العربي في القدس في حزيران 1928 (تأسس
كفرقة رياضية في أواخر عام 1927)، ولم تمض مدة سنة على تأسيس هذه الفرقة حتى انهال
عليها الشباب الإسلامي والمسيحي راغبا في الانضمام إليها. وكان من تقاليد الأندية
أن يضع أعضاؤها وقياديوها قانونا يضبط ويسير عملهم يقوم على أسس ديمقراطية تعطي الإمكانية لكل فرد
فيه أن يبرز طاقاته ويعبر عن رأيه وطموحاته . وحول غاية النادي فقد أشير في القانون الداخلي أنها تقوم على تقوية أجسام الشبيبة العربية بواسطة
الألعاب الرياضية (العقل السليم في الجسم السليم) ورفع مستواهم الأدبي، وكان من
مواد القانون الأساسي قبول كل عربي في النادي بصرف النظر عن دينه. وقد تم انتخاب
فؤاد خضرة ، نزار استانبولي ، فوزي محي الدين النشاشيبي (امين صندوق) ، خالد
الدزدار (رئيس الفرقة الرياضية) ، إبراهيم نسيبة (سكرتير).[1] وكما تذكر صحيفة (فلسطين) "وعند افتتاح هذا النادي أقسم أعضاؤه بأن يخدموا هذا
النادي الذي هم أعضاء فيه وأن ينفذوا قراراته ومواده ومواد القانون الدولي ،
وبصورة خاصة وعلنا على رؤوس الأشهاد أن لا يفرقوا بين الأديان."[2]
وقد استطاع هذا النادي أن يثبت جدارته فوراً على الساحة الرياضية (في كرة القدم
والطاولة) حيث تبارى مع الفرق الإنجليزية واليهودية مثل فرقة "مكابي
هشموناي" التي كانت تعتبر من أقوى الفرق في فلسطين في تلك الفترة. وفي كانون الثاني سنة 1932 كما جاء في صحيفة (فلسطين) "تشكل في النادي الرياضي العربي لجنتان ، لجنة رياضية وغياتها
تشجيع الرياضة بأنواعها ولجنة أدبية غايتها: 1) السعي لتوسيع مكتبة النادي 2) دعوة
رجالات فلسطين لإلقاء محاضرات في النادي 3) تشجيع الفنون الجميلة كالتمثيل
والموسيقى الخ ... هذا والنادي الرياضي العربي يدعو شباب القدس الناهض لمعاضدته
ويرحب بكل مساعدة يقوم بها كل محب لهذه الفنون. "[3]
في آذار عام 1932 جرت مباراة بين فريق الجامعة الأمريكية في بيروت وفريق النادي الرياضي العربي بالقدس. وحول هذا اللقاء نشرت صحيفة (فلسطين) هذا الخبر ".... وكان الفريق الثاني (أي النادي الرياضي العربي) مؤلفا من السادة: إبراهيم نسيبة ، بشارة طنوس ، نائل النشاشيبي ، عبد القادر أبو السعود ، داود بيتوني ، فوزي معتوق ، ربحي يونس الحسيني ، داود البيطار، نصري الجوزة ، نزار استامبولي ، رجائي نمر. واكتظت مقاعد الملعب بهواة الرياضة وبجماهير المتفرجين رجالاً ونساء مما لم نشاهده في الأيام الماضية وقبل البدء باللعب هتف كل فريق للآخر وأخذ رسم للفريقين مجتمعين وبدأت المباراة في الساعة الثالثة والنصف وأسفرت النتيجة عن فوز فريق الجامعة الأمريكية بأربع إصابات مقابل إصابة واحدة حازها فريق النادي الرياضي ، وقد ساد النظام هذه المباراة وأظهر كلا الفريقين من المهارة والنشاط ما كان موضع الإعجاب." [4]
في نيسان عام 1933 تم الاتفاق بين مكتب اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشباب وسكرتير الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي تأسس عام 1931) على أن يقدم مكتب لجنة الشباب درعا للفرقة المتفوقة في مباريات كرة القدم (سمي هذا الدرع "درع الملك غازي" أو "درع مؤتمر الشباب" واستمر حتى عام 1938). وفي تشرين الأول من ذلك العام شاركت كل من هذه الأندية في مباريات الاتحاد الرياضي وهي : النادي الرياضي العربي القدس ، النادي الرياضي الإسلامي يافا ، النادي الساليسي حيفا ، نادي الشبيبة الأرثوذكسية يافا ، النادي الرياضي الإسلامي حيفا ، نادي الروضة القدس ، نادي النجمة البيضاء حيفا .[5] وفي تموز عام 1933 شكل النادي الرياضي العربي بالقدس والنادي الرياضي الإسلامي بيافا منتخباً مشتركاً للتباري مع فريق الاتحاد السكندري حيث تغلب الفريق المصري بأربع إصابات مقابل إصابة واحدة للفريق الفلسطيني.
أبدع النادي الرياضي العربي في لعبة كرة الطاولة ، فقد ذكرت صحيفة (الدفاع) في آذار 1938 "جرت في قاعة النادي الرياضي القومي بيافا [قام النادي الرياضي الإسلامي بتغيير الإسم إلى النادي القومي من عام 1938 – حتى عام 1942] أمس مباراة (طاولة التنس) الكبرى لإحراز بطولة فلسطين في هذه اللعبة بين النوادي العربية المتقدمة لها والتي أقامها الاتحاد الرياضي الفلسطيني. وقد بدأت في الساعة العاشرة صباحا الدورة الأولى بين النادي الرياضي القومي بيافا وبين النادي الكشفي العربي بحيفا ففاز الفريق الأول على الثاني ثم جرت المباراة بين النادي الكشفي بحيفا وبين النادي الرياضي العربي بالقدس ففازت الفرقة الثانية وبذلك عد فريق النادي الكشفي مغلوباً. وفي الساعة الثانية بعد الظهر جرت الدورة الثانية والأخيرة بين النادي الرياضي القومي بيافا (الإسلامي سابقاً) وبين النادي الرياضي العربي بالقدس ففازت الفرقة الثانية وبذلك فاز فريق النادي الرياضي العربي بالقدس ببطولة فلسطين في هذه اللعبة وفاز بإحراز الكأس المقدم لبطولة هذه اللعبة السيد جودت بيبي مدير البنك العربي بيافا وعضو الاتحاد الرياضي الفلسطيني . وقد كان حكم المباراة في جميع ادوارها الأستاذ عطا لله إقديس الرياضي القدير المعروف. "[6]
في عام 1924 شكل اليهود ما يسمى بمنظمة كرة القدم للأندية من أجل ضم كافة
الأندية الصهيونية وتنظيم عملها. في عام 1924 حاول بعض قادة المكابي أن يضموا
منظمتهم إلى الاتحاد الدولي للرياضيين الهواة. ولكن مساعيهم باءت بالفشل لأن
المكابي لم تكن تمثل العرب والانجليز واليهود في فلسطين بشكل متساو.بالتالي فإن
هذه المحاولة الفاشلة لم تثن من عزيمة جوزيف ياكوتيلي (Joseph Yekuteili) القيادي الصهيوني البارز في
المكابي فمنذ بداية عام 1925 حاول أن يكسب عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم .
وكانت الوسيلة الوحيدة للوصول إلى ذلك هي تأسيس (اتحاد فلسطين لكرة القدم) في
صيف1928.[7]
وتمت دعوة ناديا عربيا واحدا هو النادي
الرياضي العربي في القدس وكان يمثله إبراهيم نسيبة.[8]
ولكن من الواضح أن قدوم اليهود على إنشاء هذه الاتحاد من خلال تعاونهم مع العرب والإنجليز لم يأت من دوافع الود والتعاون المشترك ، بل من دوافع المصلحة القومية والفردية والانتهازية . في حزيران 1929 قبل هذا الاتحاد في الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) ، وفوراً حالما حقق اليهود حلمهم في هذا الاتحاد وانتهت المهمة التي من أجلها
قاموا بتأسيسه، فبعد أن أوحوا للعالم بأن العرب هم مشاركين أساسيين فيه
بدؤوا بتهميش العرب منه ولم يلتزموا بالقوانين الداخلية لهذا الاتحاد وبتعاونهم مع
البريطانيين حاولوا الهيمنة عليه وإعطائه الطابع الصهيوني سواء بجعل أنفسهم غالبية
فيه أو بإدخال اللغة العبرية والعلم العبري في شعاراته . هذا ما دفع العرب إلى تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيي في
نيسان 1931، الذي عمل حتى نهاية الثلاثينيات وتوقف عن النشاط لعدة سنوات حتى أعيد تأسيسه في أيلول ١٩٤٤.
لم تستطع الفرق العربية في فلسطين التباري مع
نظيراتها من الدول العربية الشقيقة بسبب احتكار الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم Palestine Football Association للساحة الرياضية وتمثيله
فلسطين دوليا كعضو في (الفيفا) . هذا ما دفع خضر كمال
الذي ترأس النادي الرياضي العربي في النصف
الثاني من الثلاثينيات (والذي أدرك الاخطار التي كانت تحيط بالرياضة العربية في فلسطين
من جراء الممارسات البغيضة للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم) إلى إرسال رسالة ذات
قيمة تاريخية لها أبعادها الوطنية إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم مؤرخة في الثامن عشر من تشرين الثاني عام 1937 جاء فيها:
"إن فلسطين
الآن ممثلة في الاتحاد الدولي بواسطة فريق يهودي كامل، رغم ان اليهود يشكلون اقل
من ثلث السكان في البلاد . ولكن نظرا
لظروف استثنائية وغير طبيعية فإن تشكيل فريق مشترك من العرب واليهود هو مستحيل
خاصة في ظل الوضع القائم ، وذلك بسبب أن اليهود تقدموا بالطلب إلى عضوية الاتحاد
الدولي مقدما ، محاولين تجنب العرب من اللعب ضد الفرق من الدول العربية المجاورة
خاصة من مصر ولبنان. نحن نأمل من
خلال الطلب منكم أن يتم الاعتراف بالنادي الرياضي العربي من قبل الاتحاد الدولي
لكرة القدم ككينونة مستقلة وكحالة خاصة . والأكثر من ذلك وبسبب أن الأغلبية من
السكان في هذا البلد هم من العرب فإنه ليس من المعقول أن يكون الممثل للبلد هم
اليهود."
فيما بعد ردت (الفيفا) على هذه الرسالة في 16 كانون
الأول 1937 بأسلوب دبلوماسي: "لقد استلمت رسالتكم المؤرخة في 19 تشرين الثاني والتي تم فحصها على النحو
الواجب. أنا أفهم الظرف الصعب لناديكم وواضح أنه تحت الظروف الحالية فإنه من
المستحيل لكم أن تلعبوا تحت مظلة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم المعترف به من قبل
الاتحاد الدولي لكرة القدم كهيئة تشريعية عليا لكرة القدم في فلسطين.سوف أرفع
طلبكم إلى لجنتي وسوف أوافيكم بأخبار أخرى في أسرع وقت ممكن."[9]
وفي نفس الوقت أرسل رئيس الاتحاد الدولي (الفيفا) رسالة إلى سكرتير الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم د. شولتز في 16 كانون الأول 1937 جاء فيها "لقد استلمت رسالة من السيد خضر كمال يطلب فيها السماح في التباري مع الفرق في الدول المجاورة خاصة مصر ولبنان ، وهو يشير إلى انه من المستحيل الانضمام إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في الظروف الحالية ولهذا هو يطلب السماح للتباري مع فرق الدول التي تم ذكرها. وعلي أن أرفع هذه المسألة إلى لجنتي ولكن أرجو منك أن تعطيني وجهة نظرك بهذا الموضوع. الشيء الوحيد الذي الممكن هو أن يكون الاتحاد المصري واللبناني على علم من قبلي أنه بإستطاعة النادي الرياضي العربي أن يلعب مع الفرق المصرية واللبنانية فقط بعد أخذ سماحكم وأن هذه الفرق [المصرية واللبنانية] سيتحتم عليها أن تحصل على اذن خاص من الاتحاد الدولي."[10]
هذا ما وصلت إليه حالة الأندية العربية في فلسطين ، وذلك بأخذ السماح من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم من أجل التباري مع اخواتها الفرق والأندية العربية في مصر ولبنان وسوريا . لقد أثبتت المصادر أنه لم تكن للنادي الرياضي العربي أي مباراة مع الفرق من الدول العربية الشقيقة ، بل أن بعض الأندية العربية في فلسطين اضطرت إلى الانضمام والمشاركة في الدوري الذي كان يجريه الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لمدة عامين او ثلاث ، إلا أنها انسحبت منه لتبدأ بتشكيل نويات لاتحادات صغيرة ومتعددة للأنواع رياضية مختلفة أدت في النهاية للتتبلور وتتحول إلى الاتحاد الرياضي الفلسطيني في أيلول عام ١٩٤٤.
ساهم النادي الرياضي العربي بقيادييه وبفرقه الرياضية في تقدم هذا الاتحاد. [11]
في عام 1955 اندمج النادي الرياضي العربي والنادي القروي ليشكلا نادي الموظفين في
القدس.
المصادر والملاحظات:
[1] صحيفة (فلسطين) 12 حزيران 1928.
[2] نفس المصدر
[3] صحيفة (فلسطين) 6 كانون الثاني 1932 . كان
إبراهيم نسيبة من مؤسسي هذا النادي وقد لعب كجناح أيمن في فريق هذا النادي، ووهب
حياته كلها للرياضة ، كان أستاذا للتربية البدنية أثناء فترة الانتداب ، وناشطا في
الاتحاد الرياضي الفلسطيني وسكرتيرا للجنة العامة لكرة القدم وعضوا في لجنة كرة
الطاولة التابعة لهذا الاتحاد، وبعد النكبة أصبح مفتشا للرياضة المدرسية بعد
انضمام الضفة إلى الأردن.
[4] صحيفة (فلسطين) 29 آب 1932.
[5] صحيفة (الدفاع) 30 أيار 1934.
[6] صحيفة (الدفاع) 27 آذار 1938.
[7] Kaufman, Haim,Jewish Sports in the Diaspora, Yishuv, and Israel: Between
Nationalism and Politics,Israel Studies
- Volume 10, Number 2, Summer 2005, pp. 147-167
[8]Tamir, Sorek.
Palestinian Nationalism has left the field: A Shortened History of Arab Soccer
in Israel. International Journal of Middle East Studies – 35, (2003).
[9] من ارشيف الاتحاد الدولي لكرة
القدم ، زيورخ.
[10]من
ارشيف الاتحاد الدولي لكرة القدم ، زيورخ.
[11] أنظر: إبراهيم سليم نسيبة أيقونة الرياضة في فلسطين
الانتدابية
No comments:
Post a Comment