لم يكتف الصهاينة باغتصاب فلسطين ولا بطرد أهلها
من بيوتهم وقراهم ومدنهم ، بل وحرمانهم من حقهم في العيش والوجود ، و الاستمرار في إبراز هويتهم الوطنية التي تثبت وجودهم. وقد ناضل الفلسطينيون بعد عام 1948 من
اجل العودة والوجود والكرامة ، ولم يقتصر نضالهم على حمل السلاح فقط ، بل تعداه لاستخدام كل الوسائل
الممكنة السياسية والاجتماعية والثقافية وأيضا الرياضية ، ولم يكن تشكيلهم للعديد من الاتحادات الرياضية والانضمام
للاتحادات الرياضية الدولية واللجنة الأولمبية الدولية إلا احدى المهام الموجهة على تحقيق الاهداف
الوطنية.
في
عام 1947 تقدم الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي)
الذي كان يزاحم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي كان يهيمن عليه الصهاينة بطلب
الانضمام إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA ، إلا أن طلبه ووجه بالرفض ، وذلك بسبب
مزاحمة الثاني الذي كان يمثل فلسطين في الفيفا . وبعد النكبة وانضمام الضفة إلى
الأردن استمر الاتحاد الرياضي الفلسطيني بالعمل ، وتقدم مرة اخرى في عام 1951 لدخول الفيفا ، ولكن طلبه
ووجه مرة اخرى بالرفض تحت حجة أن الضفة لم يكن لها وضع قانوني كدولة .
في عام 1962 قام مجموعة من الشباب الناهض في قطاع غزة من أمثال إلياس منة وصبحي فرح وزكي خيال واسحق النشاشيبي وعبد القادر جودة
ويحيى الشريف بتأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أو ما كان يسمى رسمياً (الاتحاد
الرياضي الفلسطيني - لجنة كرة القدم) . وفي نفس الوقت تم تشكيل
اتحادات رياضية مختلفة بالإضافة إلى تشكيل اللجنة الأولمبية الفلسطينية التي أرسلت
طلباً للانضمام إلى اللجنة الأولمبية الدولية ، مرفقة فيه كل متطلبات العضوية ، فمن المعروف
أيضا أنه من اجل الانضمام إلى اللجنة الأولمبية الدولية فإنه يتوجب على الجهة التي
تتقدم بالطلب أن يكون لديها على الأقل خمسة اتحادات رياضية منضمة إلى الاتحادات
الدولية ، وهذا ما كان يهدف إليه الاتحاد الرياضي الفلسطيني ، لذلك فقد سعت
الاتحادات الرياضية الفلسطينية (لرياضات مختلفة) إلى الانضمام إلى الاتحادات
الدولية التي كانت تضع العراقيل أمام انضمام الأولى.
في عام 1963
أرسل إلياس منة سكرتير الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم رسالة إلى الاتحاد الدولي
مؤرخة في 26 آب يعلمه فيها أنه في عام 1962 في فلسطين - في قطاع غزة - تأسس الاتحاد
الرياضي الفلسطيني - لجنة كرة القدم والذي كان محصلة لخبرة طويلة ومثمرة. وأن عدد الأندية المنضمة إلى هذا الاتحاد هي 15
، وأن اللاعبين الذين اعمارهم فوق السابعة عشرة المنخرطين بالنشاط عددهم 1200 ،
وأشار مَنة أنه حتى ذلك الوقت فإن ثلاثة اتحادات كانت قد قبلت في الاتحادات الدولي
للملاكمة ورفع الأثقال [تم رفضه فيما بعد ، وحصل على العضوية في عام 1979– الكاتب] وكرة السلة.
وقد أرفق منة ملخص من المعلومات المفصلة التي توضح وضع الاتحاد الرياضي
الفلسطيني لكرة القدم ، وعبر عن رجائه أن يتم قبول هذا الطلب من قبل الاتحاد
الدولي لكرة القدم.[1]
فيما بعد في أيلول من
ذاك العام تلقى منة رسالة من رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم يعلمه بها أنه مسرور
أن الاتحاد الفلسطيني له الرغبة في أن يصبح عضوا في الفيفا ، ووضع أمامه
بعض المتطلبات التي على الاتحاد الفلسطيني أن يلبيها من أجل الحصول على هذه
العضوية . وفورا أرسل الاتحاد الفلسطيني كل
ما طلبه الاتحاد الدولي . ومرة أخرى تسلم الاتحاد الفلسطيني رسالة من الاتحاد الدولي يطلب بها
الأخير آخر الإحصائيات عن كرة القدم في قطاع غزة. [2] ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد الدولي كان سابقا
قد أبلغ الاتحاد الفلسطيني في رسالة له أن طلب الانضمام للاتحاد الدولي سوف يرفع إلى اللجنة
التنفيذية في اجتماعها في السادس من تشرين الأول عام 1964 في طوكيو ، بالتالي أوفد
الاتحاد الفلسطيني ثلاثة من أعضائه لحضور هذا الاجتماع ، وجاء في الرسالة أيضا إلى
أنه بالرغم من المصاريف الباهظة لسفر هؤلاء الأعضاء إلا أن موضوع الانضمام للفيفا
لم يدرج على اجندة الاجتماع. وطلب الاتحاد
الفلسطيني من الفيفا توضيح الأسباب التي ادت إلى ذلك مع أن كل الوثائق والمعطيات
التي طلبها الاتحاد الدولي كانت قد ارسلت إليه منذ وقت طويل. "نحن واثقون أنه
ليس هناك أي عذر لمنع دراسة طلبنا هذا في اجتماع طوكيو." ثم أعطى سكرتير
الاتحاد الفلسطيني لمحة تاريخية وسياسية عن الوضع في المنطقة وفي النهاية أشار إلى
أن عضوية فلسطين في الفيفا هي حق شرعي ويرجو من الفيفا النظر في الطلب.[3]
في آذار عام 1965 استلم
الدكتور كيزر سكرتير الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) رسالة من الامم الأمم
المتحدة يوضح بها العاملون هناك أنه حسب اتفاق الهدنة الموقع بين إسرائيل ومصر في
رودس في شباط 1949 فإن غزة هي "أراضٍ واقعة تحت سيطرة" مصر (في ذلك الوقت
الجمهورية العربية المتحدة) . وينص الاتفاق على وجه التحديد أنه لا يقصد أن يمس
بحقوق أو مصالح شخصية غير عسكرية في منطقة فلسطين ، ومع أن إسرائيل لا تعترف بهذه
الاتفاقية في الوقت الحاضر ، إلا أن الجمهورية العربية المتحدة ما زالت متمسكة
بها. وفي أي حال فإن غزة تبقى "أراضٍ تحت سيطرة" الجمهورية العربية
المتحدة والتي هي لها مسؤولية دولية بهذا الشأن.[4]
بهذا قرر الاتحاد الدولي رفض طلب الاتحاد
الفلسطيني لكرة القدم حيث أرسل له برقية جاء فيها "نحن نرفض قطعيا قبول منطقة
اسمها غزة كعضو في الفيفا . ليس هناك دولة اسمها فلسطين ، بالتالي فإن غزة ليس من
الممكن أن تكون في فلسطين ، وإن قبول جزء من دولة
كعضو مستقل هو متناقض مع قواعد الفيفا." [5]
لقد أتى هذا الرفض في الوقت
الذي كان العالم يرفض به العالم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، عندما
كان هناك نفوذ صهيوني كبير (وما زال) في دولٍ ومؤسسات دولية عديدة ، ومن الجلي من خلال الوثائق
التي حصل عليها الكاتب من ارشيف الفيفا أنه كان هناك تواطؤ واضح بين الفيفا
والصهاينة فكلاهما تجمعها العنصرية والتعامل الفوقي مع الشعوب المقهورة التي جزء كبير منها كان يقبع تحت نير الاستعمار.
فيما بعد أرسل منة رسالة إلى رئيس الاتحاد
الدولي موضحا فيها طبيعة الصراع في المنطقة وأن قرار التقسيم الذي اصدرته الأمم
المتحدة لم يلغ وجود فلسطين ، ولكنه استلم رسالة فيما بعد من سكرتير الفيفا جاء فيها أن
الثاني على علم بالحقائق التاريخية التي أشار إليها منة ولكنه لا
يرغب أن يدخل في جدال ذات طابع سياسي.[6]
ونرى اليوم الصهاينة وقيادة الاتحاد الدولي
لكرة القدم (الفيفا) يرددون مقولة " ليس للرياضة علاقة بالسياسة"
و"إبقاء السياسة خارج كرة القدم،" فالأول يريد فقط تبرير ممارسته
التعسفية بحق الرياضة الفلسطينية ، والثاني يريد تبرير انحيازه الواضح للوبي
الصهيوني ، من خلال موقفه المحايد بشأن مشاركة فرق المستوطنات الإسرائيلية في دوري
الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم . وهذا ما أكده في الاجتماع الذي عقده مجلس الفيفا
في كلكتا في الهند في السابع والعشرين من أكتوبر (2017) عندما أعلن بأنه يجب أن
يبقى محايداً بما يتعلق بالأمور السياسية ، وأنه يمتنع عن فرض أي عقوبات أو اتخاذ
تدابير أخرى بحق الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم أو الفلسطيني ، مساوياً بين الضحية
والجلاد .
لقد كانت هذه المحاولة الثالثة بين الست محاولات التي انتهت بقبول فلسطين
في الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1998 ، ومع رفض عضوية فلسطين هذه ، إلا أن هذه
المحاولة ساهمت مع المحاولات السابقة واللاحقة
في حرث التربة لقبول فلسطين في الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1998. [7]
كما أشير سابقاً
فقد سعت الاتحادات الرياضية الفلسطينية (لرياضات اخرى) إلى الانضمام إلى الاتحادات
الدولية التي كانت تضع العراقيل أمام انضمام الأولى ومن هذه الأعذار أنها - أي الاتحادات الفلسطينية
- لم تكن تحوي عدداً كبيراً من اللاعبين والأندية. ثانيا: اعتبرت
اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات الرياضية الدولية
الأخرى أنه ليس هناك دولة اسمها فلسطين (بعد استشارة الأمم المتحدة) ، وأن الوضع
القانوني لقطاع غزة هو أنه خاضع للإدارة المصرية ، ولا يشكل دولة مستقلة بحد
ذاتها. ثالثا ، ومن البديهي أيضا أن التحيز الذي أظهرته الكثير من الدول تجاه
إسرائيل ، ومحاولة إسرائيل نفسها عرقلة كل المحاولات من أجل الاعتراف باللجنة
الأولمبية والاتحادات الرياضية الفلسطينية كان عاملاً هاما في هذا الشأن.
وكان الاتحاد الفلسطيني لرفع
الأثقال بين هذه الاتحادات التي تم رفضها ، ففي رسالة من أوسكار ستيت رئيس الاتحاد الدولي
لرفع الأثقال إلى الدكتور كيسزر (Kaser)
رئيس الاتحاد
الدولي لكرة القدم مؤرخة في الحادي والثلاثين من آذار 1965:
عندنا نفس المشكلة بالنسبة لانضمام فلسطين
إلى اتحادنا. لقد كتبت أيضا إلى منظمة الأمم المتحدة ، واستلمت نفس الرد أنها [فلسطين]
ليست دولة مستقلة ذات حكم ذاتي. لقد قبلناهم [الفلسطينيين] في عام 1961 ولكن في
العام الماضي سحبنا عضويتهم في انتظار مزيد من الاستفسارات. لقد كان هناك احتجاجات
من عدد من الدول بأن فلسطين لا تستطيع أن تكون عضواً لأنهم لم يكونوا [الفلسطينيون]
حقيقة دولة مستقلة ذات سيادة. لقد قرر مؤتمرنا أن يطلب طلباً إضافياً مدعوماً
باللجنة الأولمبية الفلسطينية المُشكّلة صحيحاً. لقد تشكلت هذه اللجنة [اللجنة
الأولمبية الفلسطينية] وتأمل بتقديم طلب للاعتراف بها من قبل اللجنة الأولمبية
الدولية . ولكن احد المطالب هو ، كما تعرف ، الانضمام على الأقل إلى خمسة اتحادات
رياضية دولية. بذلك نكون قد وصلنا إلى موقف صعب جداً واقترح أن نناقش هذه المشكلة
في اجتماع الاتحادات الرياضية الدولية في لوزان في الحادي عشر من حزيران [1965]
ونحاول أن نصل إلى قرار تلتزم به كل الاتحادات.[8]
في
رسالة من الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى الاتحاد الدولي لرفع الأثقال مؤرخة في
الخامس من نيسان 1965:
شكرا لردكم المؤرخ في 31 آذار 1965 حول
انضمام فلسطين إلى اتحادكم [الاتحاد الدولي لرفع الأثقال]. إنني افهم جيدا أنه صعب
كثير أن أقول إذا كان هناك بلد بإستطاعته أن يكون منضماً أم لا ، لأن هذه المشكلة
تعتمد على القانون الداخلي لكل اتحاد دولي . تقول الفيفا في البند 1 في الفقرة 3 :
أي اتحاد تأسس في مستعمرة أو في أرض خاضعة لدولة أخرى ممكن أن يبقى بالاتفاق مع
الاتحاد الوطني للبلد الأم جزء خاضعاً
لهذا الاتحاد [اتحاد الوطن الأم]. أو ممكن أن ينضم مباشرة إلى الاتحاد [الدولي] .
يجب أن تطبق هذه القواعد على بلد وضع تحت حماية دولة أخرى.[9]
هذه
رحلة من رحلات فلسطين في الاتحاد الدولي
لكرة القدم والاتحادات الدولية للرياضات الأخرى ، ويثبت التاريخ أن الرياضة
رافقت شعبنا وعكست معاناته ، وكانت أداة استخدمت من اجل إثبات وجوده ، فالنضال
الفلسطيني كان دائما متعدد الأشكال وكانت الرياضة واحدة منها. لذلك فإن إدراك
جوانب عدة لتاريخ فلسطين يستوجب تتبع مسيرة الرياضة الفلسطينية على مدى ما يقارب
المئة عام ، التي بدونها (وبدون مبالغة) يصعب فهم هذا التاريخ ، ومن الثابت أنه
كان للرياضة ارتباط بجميع مناحي الحياة وكل جوانبها ، وكان لها تأثير وقوة في
المساهمة في توجيه مسار شعبنا النضالي والثقافي والاجتماعي.
المصادر
[1] من أرشيف الاتحاد الدولي لكرة القدم. كان اتحاد
كرة القدم في ذلك الوقت يسمى (الاتحاد الرياضي الفلسطيني – اللجنة العامة لكرة
القدم).
[2] رسالة من الاتحاد الدولي لكرة القدم مؤرخة في
13 تشرين الثاني 1964. من أرشيف الاتحاد الدولي.
[3] رسالة من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم مؤرخة
في 23 تشرين الثاني عام 1964 . من أرشيف الاتحاد الدولي.
[5] برقية من الاتحاد الدولي للاتحاد الرياضي
الفلسطيني لكرة القدم ، مؤرخة في 28 أيار 1965. من أرشيف الاتحاد الدولي.
[6] رسالة من الاتحاد الدولي في
10 شباط 1966. من أرشيف الاتحاد الدولي لكرة القدم.
No comments:
Post a Comment