عصام الخالدي
اتقدم بالشكر للإعلامية الرياضية نيلي المصري للمقابلة التي اجرتها مع الدكتور سامي منّة نجل المرحوم إلياس منة في غزة الصامدة والحصول منه على معلومات عن والده .
إن الذي يدفعنا للكتابة عن هذه الشخصيات هي مواقفها البطولية ، فهي لم تصنع التاريخ فقط ، بل واجهت التحديات وثابرت من أجل إعلاء اسم فلسطين في الوقت الذي كانت تسعى به الصهيونية إلى طمس وجود شعبنا ومحو هويته الوطنية. ، ولا نبالغ بالقول أن هذه الشخصيات التي علا الغبار اسمها ، لِيُخفي إنجازاتها بسبب الإهمال والنسيان ، صنعت تاريخاً وأضافت قيماً نضالية إلى تاريخنا الرياضي ، وأرست قواعد قام عليها صرح رياضتنا الحالية. وفي الوقت الذي كانت فئات كبيرة من الشعب الفلسطيني تقاتل على أرض المعركة من أجل بقائه وهويته واستمراريته ، ضد من شرده واغتصب أرضه وحاول تغييبه ومحو تاريخه ، كان هناك قادة رياضيون استخدموا واستغلوا الرياضة ليشاركوا في تحقيق الأهداف الوطنية لشعبنا، مؤمنين ان البطولة وحدها لا تتمثل بحمل السلاح فقط ، بل باستخدام كافة اشكال النضال - السياسي والاجتماعي والثقافي (الذي يشمل الرياضي). يشير غازي الصوراني إلى أنه وعلى الرغم من تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية البائسة التي عانى منها أبناء القطاع تحت الإدارة المصرية إلى أن عزاءهم تمثل في بروز الهوية الوطنية الفلسطينية ودور النظام المصري في تعميق هذه الهوية وبلورتها عبركافة وسائل الإعلام ، بحيث أصبح القطاع من أكثر التجمعات الفلسطينية قدرة على التعبير المنظم عن هويتهم الوطنية بكافة مظاهرها السياسية والعسكرية، إضافة إلى ذلك فقد التزمت الإدارة المصرية بإبقاء الهوية الوطنية والجنسية صفة ملازمة للشعب الفلسطيني في القطاع. [i] وكان لهذا آثاره وانعكاساته على الرياضة في القطاع التي شهدت في تلك الفترة تطور ملحوظاً على الصعيد التنظيمي والتنافسي والبطولات.
وُلد إلياس منة في مدينة يافا ، وأثناء النكبة حمل السلاح دفاعاً عن فلسطين ، وكان هو المندوب عن عائلته لحمايتها ، ففي ذلك الوقت كان ينتدب من كل عائلة شخص واحد لحمايتها من الصهاينة. غادر منة وعائلته يافا في وقت متأخر أثناء النكبة، وبسبب عدم توفر المواصلات من خلال البر فقد كان مضطراً للهروب إلى غزة عبر البحر مع عائلته وآخرين في مركب صغير كان مهدد بالغرق بأي لحظة . مكثوا في البحر يحاولون الوصول إلى ميناء أسدود شمال قطاع غزة ، وبعد وصولهم إلى الشاطىء استلقوا شاحنة في منطقة (دير سنيت) في جباليا شمال غزة وذلك على الرغم من خطورة الوضع حيث كان الصهاينة يتمركزون على تلة في تلك المنطقة ، ولكن رغم ذلك فقد استطاعوا الوصول إلى غزة.
كان إلياس منة عضواً مثابراً ولاعباً مميزاً في جمعية الشبان المسيحية في غزة ، حتى أن اعضاء الفريق الخصم كانوا يهابون منه ويتعمدون أن يتعرض للإصابة لمنعه من اللعب مرة أخرى. وفيما بعد أصبح عضوا في مجلس إدارة هذه الجمعية. درس اللغة الإنجليزية عندما كان في التاسعة عشرة من عمره .عمل في وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين UNRWA وحصل على الكثير من الترقيات إلى أن اصبح القائم بأعمال المفوض العام لها في غزة . في عام 1962 قام هو ومجموعة من الشباب الناهض في قطاع غزة من أمثال صبحي فرح وزكي خيال واسحق النشاشيبي وعبد القادر جودة ويحيى الشريف بتأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أو كما كان يسمى رسمياً (الاتحاد الرياضي الفلسطيني - لجنة كرة القدم) ، وكانت احدى مهامه الفوز بعضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم ، وذلك رغم توقعاته بوضع الأخير عقبات أمام تحقيق هذه المهمة. ومن المعلوم أن الاتحاد الرياضي الفلسطيني تقدم بطلب لعضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1946 وعام 1951 إلا أن طلبه ووجه بالرفض. [ii]
في عام 1963 أرسل إلياس منة رسالة إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) مؤرخة في 26 آب يطلب بها انضمام الاتحاد الرياضي الفلسطيني - لجنة كرة القدم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم. [iii]في أيلول من ذاك العام تلقى منة سكرتير الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم رسالة من رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم يعلمه بها أن الأخير مسرور أن الاتحاد الفلسطيني له الرغبة في أن يصبح عضواً في الفيفا ووضع أمامه بعض المتطلبات التي على الاتحاد الفلسطيني أن يلبيها من أجل الحصول على هذه العضوية ، وفوراً تجاوب الاتحاد الفلسطيني مع هذه المتطلبات وأرسل كل ما طلبه الاتحاد الدولي . ولكن فيما بعد تسلم الاتحاد الفلسطيني رسالة من الاتحاد الدولي يطلب بها الأخير آخر الإحصائيات ومعلومات أخرى عن كرة القدم في قطاع غزة. [iv]
ومرة أخرى تجاوب منة ورفاقه مع هذا المطلب. ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد الدولي كان سابقاً قد أبلغ الاتحاد الفلسطيني أن طلب الانضمام للاتحاد الدولي سوف يرفع إلى اللجنة التنفيذية في اجتماعها في السادس من تشرين الأول عام 1964 في طوكيو. بالتالي أوفد الاتحاد الفلسطيني ثلاثة من أعضائه لحضور هذا الاجتماع. وتشير الرسالة إلى أنه بالرغم من المصاريف الباهظة لسفر هؤلاء الأعضاء ، إلا أن موضوع الانضمام للفيفا لم يدرج على اجندة الاجتماع. وطلب الاتحاد الفلسطيني من الفيفا توضيح الأسباب التي ادت إلى ذلك مع أن كل الوثائق والإحصائيات التي طلبها الاتحاد الدولي كانت قد ارسلت إليه منذ وقت طويل. "نحن واثقون أنه ليس هناك أي عذر لمنع دراسة طلبنا هذا في اجتماع طوكيو." ثم أعطى منة - سكرتير الاتحاد الفلسطيني - لمحة تاريخية وسياسية عن الوضع في المنطقة وفي النهاية أشار إلى أن عضوية فلسطين في الفيفا هي حق شرعي ويرجو من الفيفا النظر في الطلب.[v] ولكن العقبات لم تنته ، ففي شهر كانون الأول 1964 أرسل الاتحاد الدولي رسالة إلى الاتحاد الفلسطيني يخبره بها أنه ظهرت مشكلة واحدة وهي معرفة الوضع الدقيق لقطاع غزة. وفور تلقيه الرد من الأمم المتحدة فهو (الاتحاد الدولي) يأمل أنه سيكون باستطاعته رفع طلب الاتحاد إلى اللجنة المختصة ، ولكن هذا لا يتم إلا قبل نهاية شباط 1965.
ومرة أخرى تجاوب منة ورفاقه مع هذا المطلب. ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد الدولي كان سابقاً قد أبلغ الاتحاد الفلسطيني أن طلب الانضمام للاتحاد الدولي سوف يرفع إلى اللجنة التنفيذية في اجتماعها في السادس من تشرين الأول عام 1964 في طوكيو. بالتالي أوفد الاتحاد الفلسطيني ثلاثة من أعضائه لحضور هذا الاجتماع. وتشير الرسالة إلى أنه بالرغم من المصاريف الباهظة لسفر هؤلاء الأعضاء ، إلا أن موضوع الانضمام للفيفا لم يدرج على اجندة الاجتماع. وطلب الاتحاد الفلسطيني من الفيفا توضيح الأسباب التي ادت إلى ذلك مع أن كل الوثائق والإحصائيات التي طلبها الاتحاد الدولي كانت قد ارسلت إليه منذ وقت طويل. "نحن واثقون أنه ليس هناك أي عذر لمنع دراسة طلبنا هذا في اجتماع طوكيو." ثم أعطى منة - سكرتير الاتحاد الفلسطيني - لمحة تاريخية وسياسية عن الوضع في المنطقة وفي النهاية أشار إلى أن عضوية فلسطين في الفيفا هي حق شرعي ويرجو من الفيفا النظر في الطلب.[v] ولكن العقبات لم تنته ، ففي شهر كانون الأول 1964 أرسل الاتحاد الدولي رسالة إلى الاتحاد الفلسطيني يخبره بها أنه ظهرت مشكلة واحدة وهي معرفة الوضع الدقيق لقطاع غزة. وفور تلقيه الرد من الأمم المتحدة فهو (الاتحاد الدولي) يأمل أنه سيكون باستطاعته رفع طلب الاتحاد إلى اللجنة المختصة ، ولكن هذا لا يتم إلا قبل نهاية شباط 1965.
في آذار عام 1965 استلم الدكتور كيزر سكرتير الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) رسالة من الامم الأمم المتحدة يوضح بها العاملون هناك أنه حسب اتفاق الهدنة الموقع بين إسرائيل ومصر في رودس في شباط 1949 فإن غزة هي "أراض واقعة تحت سيطرة" مصر (في ذلك الوقت الجمهورية العربية المتحدة) . وينص الاتفاق على وجه التحديد أنه لا يقصد أن يمس بحقوق أو مصالح شخصية غير عسكرية في منطقة فلسطين. ومع أن إسرائيل لا تعترف بهذه الاتفاقية في الوقت الحاضر ، إلا أن الجمهورية العربية المتحدة ما زالت متمسكة بها. وفي أي حال فإن غزة تبقى "أراضٍ تحت سيطرة" الجمهوية العربية المتحدة والتي هي لها مسؤولية دولية بهذا الشأن.[vi] بهذا قرر الاتحاد الدولي رفض طلب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم حيث أرسل له برقية جاء فيها "نحن نرفض قطعياً قبول منطقة اسمها غزة كعضوٍ في الفيفا . ليس هناك دولة اسمها فلسطين ، بالتالي فإن غزة ليس من الممكن أن تكون في فلسطين. إن قبول جزء من دولة كعضو مستقل هو متناقض مع قواعد الفيفا." [vii]
بالطبع هناك اعتبارات أخرى اخذها الاتحاد الدولي بالحسبان وأهمها خضوعه للضغوطات من قبل اللوبي الصهيوني في ذلك الوقت ، كما جاء هذا الرفض أيضا في وقت يرفض به العالم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فيما بعد أرسل إلياس منة سكرتير الاتحاد الرياضي الفلسطيني لكرة القدم رسالة إلى سكرتير الاتحاد الدولي موضحا فيها طبيعة الصراع في المنطقة. وينهي إلياس منة رسالته قائلا "وبوضعنا هذه الحقائق أمامكم فإننا نأمل أنكم سترون أن قبول الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في الفيفا هو شرعي وأنكم ستولون طلبنا اهتماما أكبر." وبعد عدة أيام استلم منة رسالة من سكرتير الفيفا جاء فيها أن الفيفا على علم بالحقائق التاريخية التي أشار إليها إلياس منة ولكنه لا يرغب أن يدخل في جدال ذات طابع سياسي.[viii]
لقد كانت هذه المحاولة الثالثة بين الست محاولات التي انتهت بقبول فلسطين في الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1998 ، ومع رفض عضوية فلسطين هذه ، إلا أن هذه المحاولة ساهمت مع المحاولات السابقة واللاحقة في حرث التربة لقبول فلسطين في الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1998.
في عام 1965 شارك منة مع الوفد الفلسطينية في دورة الألعاب العربية الرابعة في القاهرة ، وكان هذا الوفد يضم صبحي فرح وزكي خيال. كما وشارك في عام 1966 مع الوفد الفلسطيني في العاب القوى الناشئة الجديدة (الآسيوية الأولى) (GANEFO) في كمبوديا مع زكي خيال وزهير دباغ .
وفي الختام يتوجب علينا تقدير الجهود التي قام بها إلياس منة وزملائه من أجل إعلاء شأن فلسطين في الوقت الذي لم يعترف العالم بفلسطين ولا بشعبها الذي تشرد وعانى من ويلات النكبة. لقد صنع هو وزملائه تاريخا يسجل لهم ، ولم تذهب محاولاتهم وجهودهم سدى ، وهذا يذكرنا بما كتبه حسين حسني استاذ الرياضة في صحيفة (فلسطين) الذي حضر من مصر إلى فلسطين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي "وليعلم كل فلسطيني أن أي قرش يدفعه لتشجيع هذه النهضة الرياضية إنما يشتري به مجداً لوطنه، وما أغلى المجد."[ix]
المراجع
[i] غازي الصوراني ، قطاع غزة 1948 – 1993 ، دراسة تاريخية سياسية اجتماعية ، 15 نوفمبر 2011 ، ص 20 -21.
[iii] من أرشيف الاتحاد الدولي لكرة القدم. كان اتحاد كرة القدم في ذلك الوقت يسمى (الاتحاد الرياضي الفلسطيني – اللجنة العامة لكرة القدم).
[ix] صحيفة )فلسطين( 23 آذار 1946 جاء ذلك في مقالة بعنوان (لا نزال في بداية الطريق) سوف يورد ذكرها فيما بعد.
No comments:
Post a Comment