عصام الخالدي
اسم لمع في سماء فلسطين وانتشرت شهرته في
دول عربية شقيقة حتى أصبح من أعظم الملاكمين العرب، ملاكم ومدرب مخضرم رفع مكانة
الملاكمة الفلسطينية عاليا قبل النكبة وبعدها. ولد أديب عبد الرحمن الدسوقي في
مدينة يافا في عام 1914 وكان والده من لاعبي مصارعة (التبان العربي) وهي لعبة كانت
شائعة في فلسطين في العهد العثماني.[1]
وفي بداية الثلاثينيات ظهر الدسوقي كملاكم تنبأ الكثيرون أنه سوف ينطلق في عالم
الملاكمة ليحقق النصر والنجاح ، وقد بدأ
مشواره الرياضي في النادي الرياضي الإسلامي في يافا (تأسس عام 1926) وكان مدربه
الدكتور حقي مازين مشرف الملاكمة لهذا النادي (وحكما وناشطا في الاتحاد الرياضي
الفلسطيني الذي أعيد تأسيسه عام 1944).[2] تم اعتقاله أثناء ثورة 1936 هو وأبيه وأخيه في
معسكر صرفند قرب يافا.
وعن مشاركته في ثورة 1936 يقول الدسوقي في
مقابلة مع خالد عجاوي: في أحد الليالي اشتدت المعارك في يافا وكان القائد الراحل
الشيخ حسن سلامة يتنقل بين الجبهات... التقى بي وأنا أعمل مع عدد من المجاهدين قال
لي بالحرف الواحد : يا أديب عندنا الآلاف لتحمل البندقية والقنبلة ولكن لا يوجد
عندنا من يحمل قفازات الملاكمة ويمثل فلسطين .. غدا تسافر إلى مصر عند المفتي
وتعمل هناك في ميدانك الرياضي [3]
حصل الدسوقي على بطولة فلسطين في عام 1935. كان له اول لقاء في بطولة فلسطين للملاكمة
بحضور المرحوم الحاج أمين الحسيني وقد فاز في هذه البطولة حاملا وزن فلسطين في
الملاكمة بوزن 60 كغم. ومنذ ذلك الوقت بدأ ينظم تمارينه لأنه شعر بأهمية مكانته
واهمية الإنسان متربعا على عرش بلاده .... رياضية. كان والده هو المشجع الأول ،
الذي ساعده في الحفاظ على برنامجه
التدريبي اليومي ولم يكن الدسوقي يتأخر عن ركض 10 كلم يوميا ويتابع بعدها
في ركوب الدراجة لمسافات طويلة !.[4]
في أيلول 1937 تبارى مع بطل
سوريا ولبنان مصطفى الأرناؤوط على مسرح مدرسة الفرير في مباراة حضرها رئيس بلدية
يافا ، وفي كانون الثاني 1938 تبارى معه في بيروت وكانت النتيجة التعادل، وفي نفس
العام تقدم الدسوقي للمنافسة على بطولة مصر في الملاكمة في الوزن الثقيل. [5]
ومن خلال صداقته مع الدكتور حقي مازين
استطاع كلاهما تأسيس المعهد الأولمبي في نهاية الثلاثينيات ، وقد خطى هذا النادي خطى سريعة نحو نشر الملاكمة بين
الرياضيين العرب ، وعمل رياضيو هذا النادي
(بالتعاون مع الملاكمين الآخرين) بثبات
وإصرار على رفع مستوى الرياضة العربية
بشكل عام والملاكمة بشكل خاص لكي تصل إلى مستوى رفيع محليا ودوليا وتضاهي مثيلتها
الرياضة اليهودية.
تعبيراً عن روح الإعجاب بهذا
النادي – المعهد الاولمبي يكتب حسن أبو الوفا الدجاني عضو بلدية يافا في جريدة
(فلسطين) في بداية الأربعينيات "دعيت البارحة مع فريق من خيرة
الأصدقاء وكرامهم لزيارة المعهد الاولمبي اليافي . وهو معهد يعني بتعليم الشباب
المشتركين فيه أصول الملاكمة وفنون التخرج فيها ، يديره ويشرف عليه الرياضي الناهض
المعروف أديب الدسوقي الذي له رغبة ملحة في حمل الشباب على ممارسة الملاكمة وإيجاد
وسط رياضي في البلد كما هو الحال في كل البلاد الراقية . ولا يغربن على البال أن شهرة
السيد أديب الدسوقي في الملاكمة تعدت حدود فلسطين ، ووصلت إلى سائر الأقطار
العربية المجاورة وزكت فيها. ولا نزال نذكر ذهابه منذ شهر ونصف إلى مصر بدعوة من
أندية الملاكمة المصرية لمنازلة بطل مصر الأول عبده كبريت وتفوق الدسوقي عليه. وقد
يبدو هذا الأمر عاديا للذين لا تهمهم الرياضة البدنية . ولكنه في الحقيقة عمل جريء
بالثناء والتقدير . وخدمة جليلة يقدمها الدسوقي إلى بلاده تطوعا منه لرفع ذكراها
وإعلاء شأنها. والسيد الدسوقي كما شاهدنا البارحة أستاذا رياضياً ناجحاً . ففي
معهده عشرات من الشبان الندباء الذين أخذ الدسوقي على نفسه أن يعلمهم أصول
الملاكمة بأساليبها الحديثة الرشيقة واستطاع بالفعل أن يجعل منهم فرقة نشيطة قوية
، يمارس أفرادها في كل يوم تمارينهم
ودروسهم : في القفز على الحبل وفي ملاكمة الكرات الهوائية الضخمة المعلقة
في السقف وفي منازلة بعضهم البعض في مباريات قصيرة ناجحة وهلم جرا مما يمهد إلى
إيجاد وسط رياضي واسع والى إكبار اسم فلسطين في الأوساط الرياضية في سائر الأقطار
العربية. ولنا رجاء وطيد أن يقدر اليافيون الكرام له جهوده بعد إيجاد هذا المعهد
الراقي وأن يقبل الشبان على هذا المعهد إقبالا منظما يمكنهم في المستقبل من الفوز
في المباريات الرياضية ورفع اسم البلاد التي أنجبتهم".
تبارى الدسوقي مع أبطال الجيش
والبوليس الانجليزي فخلال الحرب العالمية الثانية تبارى مع البطل البريطاني هارولد
انثوني ففاز عليه في معسكر صرفند قرب يافا. كما وتبارى الدسوقي مع ملاكمي
"المكابي" و"الهابوعيل" اليهود في فلسطين والملاكمين
المشهورين العرب في فلسطين مثل شوقي أبو حجر ومحمد الريس وسنحاريب صليبا والبطلين
ماردو بوكرشيان ونوبار الأرمينيين الفلسطينيين ومع أشهر الملاكمين
العرب في مصر وسوريا ولبنان .[6]
في شباط 1942 جرت على مسرح سينما أديسون في
القدس حفلة ملاكمة بين البطل الفلسطيني أديب الدسوقي وبطل الشرق الأدنى ماردوس
بوكرشيان حضرها جمهور غفير لما للبطلين المتلاكمين من الشهرة والمكانة ، وكما تذكر
صحيفة (فلسطين) "كان اللعب حماسياً وأسفر في النهاية عن فوز السيد أديب في
الجولة الخامسة عشرة على غريمه ووزنه 99 كيلوغراماً مع أن وزن السيد أديب 77
كيلوغراماً. وماردوس هذا يعتبر من أبطال الملاكمة المعروفين في الشرق وقد تغلب في
السابق على الملاكم سنحاريب صليبا الذي تغلب على بطل مصر عبده كبريت وعلى شادي بطل
النمسا وبذلك يكون السيد الدسوقي قد فاز ببطولة عالية".[7]
فيما بعد أرسل أديب الدسوقي
رسالة إلى جريدة (الدفاع) جاء فيها "عجبت من كتابة الملاكم ماردو بوكرشيان في
إعلاناته أنه بطل فلسطين في الملاكمة مع العلم بأنني قد غلبته مرتين وكانت المرة
الأخيرة من مدة ثلاثة أشهر فقط أجبرته فيها على التسليم من شدة الضرب وبذلك لا يحق
له أن يدعي بطولة فلسطين التي هي من حقي أنا فقط بصفتي المنتصر عليه، وإنني أعلن
بأنني مستعد لمنازلة أي ملاكم مهما كان وزنه".[8] وفي
تشرين الثاني رد الدسوقي على تحدي الملاكم السيد حسن سليمان ليعلن انه مستعد
لمنازلة الملاكم المذكور والمخابرة للاتفاق على الشروط والوقت.[9]
على الصعيد الرياضي لا بد من تذكير
القارئ أن فترة نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات كانت تتميز بضعف في البنية
التنظيمية بسبب توقف نشاط الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي أسس عام 1931 والذي كان
قد توقف عن العمل بسبب ثورة 1936 المجيدة. وكان نشاطه مدعوماً من قبل مؤتمر الشباب
الذي ساهم مساهمة فعالة في الوقوف بجانب الحركة الرياضية والكشفية في فلسطين ، لذا
فإن نشاط الأندية من جهة كان نشاطاً عفوياً غير موجه بالإضافة إلى تعرضه للهيمنة
الصهيونية على الحركة الرياضية، ومن جهة أخرى فان نشوء الأندية ونشاطها حافظ على
استمرارية الحركة الرياضية وعلى هويتها. ومما لا شك فيه أن نشوء المعهد الأولمبي
ونشاطه في مجال الملاكمة (في الوقت الذي تكاثفت به النشاطات اللقاءات بين الأندية
العربية في هذا النوع من الرياضة) ومباريات أعضائه مع الفرق الانجليزية واليهودية
في فلسطين كان قد ساهم في تعزيز الحركة الرياضية حتى بغياب الاتحاد الرياضي
الفلسطيني وعزز من هويتها العربية.
في كانون الأول 1943 سافر أديب
الدسوقي إلى مصر وتبارى مع بطل مصر عبده كبريت الذي بدوره حضر إلى فلسطين في تموز من ذاك العام ليتبارى مع
الملاكم ماردو بوكرشيان أحد أبطال فلسطين. وفي أيلول أقيمت حفلة ملاكمة في قاعة
سينما (الورا) في تل أبيب بين أبطال فرقة أديب الدسوقي (اتحاد عمال فلسطين - الذي
كان هو من مؤسسيه في عام 1937) وأبطال نادي هابوعيل تل أبيب وحيفا ففاز السيد أحمد
حوسة من وزن الريشة وتعادل السيد يوسف معروف مع خصمه وقبل إتمام الحفلة انسحبت
الفرقة العربية لعدم رضائها على تصرفات الحكم.
إن الذي ميز نشاط الملاكمة
العربية في فلسطين أيضا هو غزارة اللقاءات مع الفرق العربية من الدول العربية
الشقيقة وخاصة المصرية التي كانت قد قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال. في أيار 1944
تبارى الدسوقي مع احد ملاكمي نادي مختار الرياضي بالقاهرة وكانت النتيجة التعادل ،
في تموز من هذا العام اجري لقاء بين ملاكمي
فلسطين ومصر في جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة ، وفي آب 1945 حضر إلى
فلسطين فريق رياضي مصري مؤلف من أبطال المصارعة ورفع الأثقال وعلى رأسه البطل
العالمي مختار حسين حيث تبارى مع الملاكمين الفلسطينيين بينهم أديب الدسوقي وكانت
الحفلة تحت رعاية رئيس بلدية يافا يوسف هيكل . وفي ذلك الشهر أيضا أقيمت مباراة في
الملاكمة بين فريق منتخب السكة الحديد في القاهرة الذي زار فلسطين وتبارى مع منتخب
ملاكمي حيفا ومع منتخب مدينة يافا من بينهم الدسوقي.
كان الاتحاد الفلسطيني للملاكمين الهواة من
أوائل الاتحادات التي أسست قبل إعادة تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي في
أيلول عام 1944 , وفي عام 1945 أصبحت هناك لجنة فرعية للملاكمة (الهواة) تابعة
لهذا الاتحاد. [10]
وكما يذكر خير الدين أبو الجبين محرر (زاوية الدفاع الرياضية) من خلال لقائه مع
الدسوقي في الكويت أنه كان في فلسطين (في الأربعينيات) اتحاد للملاكمين المحترفين
مكونا من أديب الدسوقي وحسين حسني من يافا ومن القدس ليفون كشيشيان ثم إبراهيم
الرملاوي وهو رئيس نادي أنصار الفضيلة في حيفا.[11]
وهذا لا يعني أن الدسوقي واتحاد الملاكمين المحترفين كانا بمعزل عن الاتحاد
الرياضي الفلسطيني، بل كانت هناك صلات وعلاقات وطيدة وتنسيق بين الدسوقي واتحاده
من جهة والاتحاد الرياضي الفلسطيني من جهة أخرى.
أرسل أديب الدسوقي في كانون
الثاني 1946 كتابا إلى جريدة (فلسطين) يرد به على ما نشرته صحيفة (الأهرام) متهمة
إياه بالتهرب من ملاكمة بطل مصر عرفة السيد في شروطه التي عرضها على بطل مصر ومنها
الحضور إلى فلسطين لإقامة بطولة الشرق الأوسط في يافا مؤكدا أنه سافر إلى مصر
مرتين للمباراة فيها وهو يدعو منازله هذه المرة للحضور إلى فلسطين ويعرض عليه
مبلغا كبيرا ثلاثة إضعاف ما تناوله الدسوقي في مباراته بمصر. "وهذا شرط سخي
لا مجال به لاتهامه بالتهرب كما يقول محرر (الأهرام) الرياضي. والجمهور الفلسطيني
بطبيعة الحال يرحب بمثل هذه المباريات الكبيرة تجرى في فلسطين على بطولة
الشرق."[12]
في منتصف أيار 1946 دعت منظمة
الإخوان المسلمين في مصر في أديب الدسوقي وزملاءه الملاكمين للحضور إلى مصر
والتباري مع فرقها في مدن عديدة ولكن الحكومة المصرية لم تسمح إلا لنصف العدد الذي
قدم طلب الدخول لمصر . وقد قبل الدسوقي بالتوجه مع أربعة لاعبين فقط مما انعكس على نتائج
المباريات وكانت نتيجة اللقاءات تعادل في المنصورة : الفوز في اثنتين والخسارة في
اثنتين، خسارة في الإسكندرية : خسر ثلاثة وربح واحد ، خسارة في القاهرة : خسر
ثلاثة وربح واحدة ، تعادل في بور سعيد : ربح اثنتين وخسر اثنتين . وبرغم ذلك كانت
هذه النتائج مشرفة للفريق الفلسطيني لما كان يملك من إمكانات متواضعة .
وكان الأستاذ حسين حسني (مصري
الجنسية عمل مدرسا للتربية البدنية في كلية الثقافة في يافا وفي كلية روضة المعارف
في القدس ، وفيما بعد مدرسا في مدرسة دار
الأيتام الإسلامية وفي آن واحد كان
يشارك في تحرير الزاوية الرياضية في صحيفة (فلسطين) حتى عام النكبة) قد
انتقد رحلة الدسوقي إلى مصر بأن الدسوقي قضى معظم الوقت متنقلا بين المدن المصرية
ولم ينل هو وزملاؤه الملاكمون قسطا وافراً من الراحة ولم يتبع جدولا تنافسيا معقولا ، وأنه أجرى
أربع مباريات في أسبوع واحد في مدن مصرية مختلفة. ففي مباراة القاهرة تمكن واحد
فقط من أن يكسب وبجواره ثلاثة زملاء كانوا من الخاسرين. وكذلك في الإسكندرية فقد
كتب النجاح لواحد فقط ، وفشل الثلاثة الآخرون. "أما في المنصورة فما أسوأ
نتيجتها أيها القارئ! لقد خسر الأربعة جميعهم ولعل النتيجة كانت في بور سعيد
كذلك.... إن شيئا من النظام كان ينقص هذه المباريات وقليلا من التدبر كان ينقص هذه
التصرفات".[13]
وقد علل الدسوقي هذه النتيجة بقوله " هذا مع العلم أن فريقي كان يلاكم منتخب
أبطال المملكة المصرية التي يبلغ عدد سكانها 18مليونا وتصرف على أنديته وزارة قوية
بعكس فريقي".[14]
في تشرين الثاني نشرت جريدة
(الأهرام) المصرية خبر بخصوص بطولة الشرق متهمة الدسوقي بالتهرب من ملاكمة بطل مصر
عرفة السيد في شروطه التي عرضها على بطل مصر ومنها الحضور إلى فلسطين لإقامة
مباراة بطولة الشرق في يافا. وتحت عنوان (بطولة الشرق في الملاكمة) جاء في صحيفة
(فلسطين) نقلا عن مراسلها في القاهرة في 22 حزيران 1946 " جرت مساء أمس الأول المباراة الكبرى في الملاكمة
على حلقة جمعية الشبان المسلمين هنا
(القاهرة) لإحراز بطولة الشرق بين عرفة السيد بطل القطر المصري وأديب الدسوقي بطل
فلسطين وقد تغلب بطل مصر على السيد أديب بالنقط، وقد سقط أديب مرتين في الجولة
الأخيرة وبذلك يكون عرفة السيد هو بطل الشرق وقد علق رياضي على طريقة أديب الدسوقي
في اللعب فوصفها بأنها حسنة إلا أنه يستعمل رأسه كثيراً كما أنه لا يستعمل يده
اليسرى بالمرة، فإذا أمكن له معالجة هذه العيوب فإنه يبرز كملاكم له خطره ، أما
المباراة فكانت مؤلفة من 12 جولة كل منها ثلاث دقائق ظل فيها أديب صامدا حتى
النهاية".
وفي خبر آخر من مراسل (فلسطين) في القاهرة تحت عنوان (بعد ملاكمة بطولة
الشرق) في 24 حزيران " كانت ملاكمة عرفة السيد وأديب الدسوقي الأخيرة على
بطولة الشرق من أقوى الملاكمات التي أقيمت حتى الآن. ونظراً لما أظهره البطل أديب
الدسوقي من قوة وإجهاد وقوة احتمال فقد جعل المشرفين على شؤون المحترفين يفكرون في
أقامة حفلة أخرى بين عرفة السيد وأديب الدسوقي في 13 تموز القادم وينتظر أن تكون
هذه الحفلة في الإسكندرية أو بور سعيد وقد علمنا أن أديب قبل هذا وأظهر استعداداً
من الآن. وسيمنح السيد أديب لقب (بطل فلسطين) رسميا من الاتحاد المصري إلى أن يؤسس
اتحاد فلسطين."
في كانون الأول عام 1946 تبارى الدسوقي مع عبده كبريت (الذي كان يلقب بصخرة
مصر السمراء) ونافسه على بطولة مصر في الوزن الثقيل ففاز عليه في مصر بالنقاط. [15]
لقد خاض الدسوقي العشرات
من اللقاءات في الملاكمة بالإضافة إلى عمله كمدرب وكان من خيرة تلاميذه محمد الريس
في وزن الخفيف وشوقي أبو حجر في وزن الذبابة وصبحي رضا في وزن خفيف ثقيل.
في أيلول 1946 زار السيد ناصيف مجدلاني رئيس الاتحاد الرياضي اللبناني
وصاحب جريدة الحياة الرياضية في بيروت وقد حضر حفلة ملاكمة بحيفا على مسرح جمعية
التهذيب اشترك فيها السيد أديب الدسوقي بطل فلسطين باستعراض مع بطل البوليس وتبارى
أبطال يافا مع ابطال من جمعية العمال وجمعية التهذيب وتغلب السيد محمد حرب - عمالي
على السيد عوني الحافي – يافا- ويعقوب سمارة – يافا – على محمد العقاد - عمالي- ورفيق
توفيق- تهذيب – على محمود والي-يافا-ومحمد الريس – يافا - على ديب محمد – تهذيب – وقد
وزع السيد مجلاني الجوائز على الفائزين وقبل دعوة السيد أديب الدسوقي لزيارة يافا
والاجتماع إلى ممثلي الاتحاد الرياضي الفلسطين والأندية الرياضية واتحاد الملاكمة
للعمل على نشر الرياضة في البلاد العربية.[16]
تقدم أديب الدسوقي بطلب للهيئة العربية العليا
طالبا منها مساعدته في السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمباراة أبطالها
هناك. ولكنه فيما بعد الوقت تلقى خطابا من المكتب العربي في واشنطن يظهر فيه أسفه
لعدم تمكنه من إقامة مباريات للملاكمة بين أديب وأبطال أميركا لان المسيطرين على
هذه الحركة هناك يهود ، غير أن بعض الإخوان الرياضيين هناك تغلبوا على هذه المشكلة
واتفقوا على إقامة مباراة بين بطل شيكاغو وأديب وأرسلوا إليه برقية يستدعونه فيها
، غير انه مع الأسف لم يبت في أمر هذه الدعوة لسبب مالي. وقد أرسل الدسوقي إلى
الهيئات السياسية والقومية راجيا مساعدته في السفر ، وتلقى فيما بعد كتابين من
المكتب العربي بالقدس وبيت المال العربي ، وكان كتاب المكتب العربي يتضمن الأسف
لعدم تمكنه من مساعدته رغم أن المشرفين على بيت المال العربي خصصوا 25 ألف جنيه
كإعانة سنوية لمشاريع الشباب كالاتحاد الرياضي الفلسطيني والفرق الكشفية العربية.
تحت عنوان "موقفنا
من الدورة الأولمبية" كتبت صحيفة (فلسطين) "جاءنا من السيد أديب الدسوقي
بطل فلسطين في الملاكمة كتاب يقول فيه أن الأمم المختلفة بدأت تعد العدة وتستعد
للاشتراك في الدورة الاولمبية القادمة (1948). ثم تساءل هل بدأت هيئاتنا في
الاستعداد للاشتراك في هذه الدورة...!".[17]
ولكنه بالطبع لم يتلق أي رد بهذا الشأن ليس من المسؤولين الرياضيين فحسب وإنما من
القيادة الوطنية أيضا ، رغم أنه كانت لديه الكفاءات ليس للمشاركة فحسب بل ولتحقيق
الفوز في هذه الألعاب. ومن المعلوم أن اللجنة الأولمبية الفلسطينية كانت قد تأسست
في عام 1933 (وسجلت رسميا في عام 1934) من قبل اليهود الذين كانوا يسعون من خلال
الانضمام إلى اللجان والاتحادات الدولية تمثيل فلسطين "يهودية" والهيمنة
على الحركة الرياضية وإبعاد وتهميش العرب عن الساحة الرياضية.
أثناء نكبة عام 1948 كان الدسوقي أحد أفراد
الكتيبة الفلسطينية التابعة للجيش المصري، وفيما بعد اشترك في عدة مباريات في
القاهرة أثناء حصار الفالوجة وخصص دخل تلك المباريات لأسر شهداء الفالوجة.[18] ويقول الدسوقي في مقابلة له "لعبت آخر مرة في العام 1949 مع بطل مصر في
ذلك الوقت في الإسكندرية يوم 15 أيار 1949 على لقب بطولة الشرق الأوسط وثم رصد ريع
هذه المباراة إلى أسر شهداء الجيش المصري في معركة الفالوجا، أنتهت المباراة
المذكورة بفوزي ، محتفظا بزنار بطولة الشرق الأوسط إلى يومنا هذا (1982) حيث لم
يتقدم أحد لمنازلتي!."[19]
وفي تشرين الثاني من عام 1949 سافر إلى
العراق حيث عين مدرسا للتربية البدنية ومدربا في دار المعلمين ببغداد كما عين
مرشدا للملاكمة في وزارة التربية العراقية ومدربا للملاكمة في النادي الملكي هناك.
ساهم الدسوقي في إعداد فريق ملاكمة في العراق تمكن من الفوز على منتخب الجيش
البريطاني في معسكر الحبانية والفوز أيضا على منتخب لبنان. فيما بعد غادر الدسوقي
العراق متوجها إلى سوريا حيث عمل فيها منذ شهر نيسان عام 1953 وعين هناك في وزارة
الدفاع مدربا للملاكمة والدفاع عن النفس وكان يعمل مدربا للمغاوير في معسكر قطنة
في الصباح بينما يعمل بعد الظهر مدربا للملاكمة في مدرسة الشرطة تحت قيادة العقيد
إبراهيم الحسيني. كما ودرب الدسوقي في سوريا فريقا للملاكمة تمكن من الفوز على
منتخب لبنان وتعادل مع منتخب مصر الدولي عام 1955. [20]
غادر الدسوقي بعد ذلك إلى الأردن ، وفي
عمان بدأ مشواره الرياضي من جديد وأعاد تشكيل ناديه حيث تتلمذ على يديه عدد من
الملاكمين نذكر منهم فهد الطنبور الذي أصبح فيما بعد بطل الأردن في الملاكمة.[21] في عام 1961 أعلن الدسوقي أنه على استعداد للدخول في مباراة في
الملاكمة مع الملاكم الأمريكي باترسن للحصول على بطولة العالم في الملاكمة .[22]
ويذكر خالد عجاوي في مقابلة مع الدسوقي أن باترسون وإنه وإن كان
مستعداً لمقابلة الدسوقي فإنه من المؤكد أن لا تتم المقابلة في الأردن قائلاً "لأني لا
احب النوم في الخيام."[23]
في السبعينات عين الدسوقي مدربا في الكويت
لتدريب الجيش الكويتي واستمر في عمله هذا حتى أوائل الثمانيات وعاد بعدها إلى
الأردن.[24]
المراجع:
[2] يذكر خير الدين أبو الجبين (مصدر سابق ) ص 452
أن الدكتور حقي مازين (طبيب أسنان) يعتبر
أشهر مدرب للملاكمة في فلسطين في
تلك الفترة (قبل النكبة). وقد تعلم
الدكتور مازين الملاكمة على يد المدرب ليتي مع بطل الملاكمة الفرنسي جورج كارتيه.
ولد مازين في يافا وهو من أصل تركي وكان والده ضابطا في الجيش التركي وبعد النكبة
هاجر إلى بلده أنقرة وأصبح رئيسا لاتحاد الملاكمة في تركيا ويذكر أنه صاهر في يافا
رئيس بلديتها عمر البيطار.
[4] خالد عجاوي ، الحركة الرياضية
الفلسطينية في الشتات ، الدار الوطنية للنشر ، دمشق 2001 ، ص. 23 – 24.
[5] بدأ ظهور الملاكمة في فلسطين في عشرينيات القرن
العشرين مع ظهور العديد من الأندية التي أصبح نشاطها
الرياضي جزء هاما ضمن نشاطاتها الأخرى الثقافية والاجتماعية، وقد كان
النادي الأرثوذكسي في يافا الذي تأسس عام 1924 من أوائل الأندية التي تبنت هذا
النوع من الرياضة بالإضافة إلى كرة القدم، وخاض هذا النادي بعض المباريات مع
الأندية والرياضيين اليهود والبريطانيين في فلسطين. في بداية الثلاثينيات تأسست
جمعية التهذيب والمواساة في حيفا وكانت الملاكمة النشاط الرياضي الرئيسي الذي مورس
فيها حيث ارتبط اسمها كثيراً بهذا النوع من الرياضة ، وقد عملت
هذه الجمعية على نشر هذا النشاط وأعطته أهمية ليصبح ثاني نوع من الرياضة بعد كرة
القدم يمارس في فلسطين ، وفي أيلول عام 1933 تأسس نادي الملاكمة والرياضة في حيفا
بقيادة الملاكم المعروف آنذاك أديب كمال والذي كان يعتبر بطلا لسوريا ولبنان
وفلسطين، وقد التقى كمال في مباريات عديدة مع الملاكمين العرب في سوريا ولبنان
ومصر ومع ملاكمين يهود في فلسطين.
[6] بدأت الأندية الرياضية اليهودية في
فلسطين منذ بداية العشرينيات مثل منظمة (المكابي و الهابوعيل) التي ركزت نشاطاتها
في المستعمرات الصهيونية وكانت تتخذ من الرياضة غطاء لنشاطاتها العسكرية والسياسية
والعمالية ، كما وسعت هذه المنظمات إلى الهيمنة على الساحة الرياضية وتمثيل فلسطين
على الصعيد المحلي والدولي . وقد كان تباري الملاكمين الفلسطينيين مع رياضييها في
العشرينيات هو بمثابة تحد وإثبات وجود. ومن هذه اللقاءات ما كان يعكس حسن نية
العرب في التعاون الرياضي مع اليهود خاصة أن الهيمنة اليهودية على الحركة الرياضية
في تلك الفترة لم تكن ملاحظة بعد.
[10] يشير خير الدين أبو الجبين
(مصدر سابق) إلى أنه لم تنشأ في الاتحاد الرياضي الفلسطيني لجنة عامة للملاكمة
كاللجان التي نشأت لإدارة لعبة كرة القدم والألعاب الأخرى. إلا أنه ظهر في زاوية
الألعاب الرياضية في صحيفة (الدفاع) التي كان يحررها أبو الجبين خبر أنه في تشرين
الثاني عام 1946 طلبت لجنة الملاكمة (التابعة للاتحاد الرياضي الفلسطيني) من خلال
اجتماعاتها الأندية المشتركة في الاتحاد العمل على نشر ألعاب الملاكمة والمصارعة
ورفع الأثقال بين أعضائها. كما وطالبت لجان المناطق بتأليف لجان فرعية لإدارة تلك
الألعاب، وطالبت الأندية التي تمارس هذه الألعاب أن تعلم لجنة المنطقة التي تتبعها.
للأسف أن المعلومات نادرة حول هذا الموضوع
رغم أن الدسوقي عمل على تدوين مذكراته إلا أن الكاتب لم يستطع الحصول على هذه
المذكرات القيمة لما تحويه من معلومات تاريخية بالغة الأهمية التي من خلالها
يستطيع التعرف أكثر عن هذا الموضوع، واكتفى بالاعتماد في هذا المقال على صحيفتي
(فلسطين) و (الدفاع) وبعض المصادر الأخرى.
[16]
صحيفة (فلسطين) 1 أيلول 1946
[21] المرة الوحيدة
التي لم يفز فيها الطنبور بالضربة القاضية كانت عندما اضطرته الظروف والوشايات إلى
مواجهة مدربه ورفيق دربه والشاهد على جميع انجازاته الحاج أديب الدسوقي ، بعدما
فعلت ألسنة الشر ما فعلته بينهما، وكانت المواجهة التي لا يحب الطنبور أن يتذكرها,
وفاز فيها بالنقاط. أنظر: http://www.alghad.jo/?news=92863
[22] ملك ، حنا . الجذور
اليافية ، عرض شامل لتاريخ يافا القديم والحديث ، مطبعة الشرق العربية ، القدس
1996 ص 89.
No comments:
Post a Comment