عصام الخالدي
تأسست صحيفة (الجامعة الإسلامية) في يافا عام 1932 واستمرت حتى عام 1939
. أسسها سليمان التاجي الفاروقي وهو شيخ دين وصحافي ومحامٍ وشاعر فلسطيني ضرير ، درس
في الأزهر تحت رعاية المفكّر محمد عبده حيث لقب "معري فلسطين" ودرس
القضاء في كلية الحقوق في الاستانة، فأتقن عدّة لغات كانت هذه الصحيفة معروفة
بنزعتها الوطنية وتوجهاتها الإسلامية وعدائها للصهيونية . [1]
كان هناك عامود في هذه الصحيفة تحت اسم
"حياتنا الرياضية" كان يظهر بين فترة واخرى. ولكن بشكل عام لم تظهر
الأخبار الرياضية بشكل منتظم مثل ما كانت عليه في صحيفة (فلسطين) و(الدفاع).
من المعروف أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم Palestine Football
Association تأسس عام 1928 من قبل اليهود والعرب والإنجليز بمبادرة من منظمة
المكابي الرياضية الصهيونية ، ودخل في عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1929 ،
إلا أن الصهاينة فيما بعد قاموا بالانفراد في هذا الاتحاد وتهويده وإبعاد العرب
عنه وتهميشهم ، وأصبحوا يحتكرون الساحة الرياضية بتمثيلهم فلسطين
محليا وإقليميا ودوليا. [2] وكان هناك تنسيق وتعاون وثيق بين البريطانيين والصهاينة
في المجال الرياضي مما سهل على الثاني تحقيق تطور رياضي ملحوظ.[3] وقد أدت الممارسات الصهيونية على الصعيد الرياضي إلى
استياء العرب ودفعهم إلى تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي) في عام 1931
والذي استمر في العمل حتى عام 1938 مما دفع بعض الأندية العربية للانضمام إلى
الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي كان يهمن عليه اليهود هيمنة كاملة ، إلا أن هذه
الأندية اخذت تنسحب من هذا الاتحاد ، وفيما بعد أعيد تشكيل الاتحاد الرياضي
الفلسطيني العربي في أيلول عام 1944.
كانت ظاهرة العداء للصهيونية تظهر في كثير من الصحف الفلسطينية مثل
(فلسطين) (الكرمل) (الدفاع) (الجامعة الإسلامية) وغيرها ، وذلك في الوقت التي كانت
الأندية الصهيونية تسعى من اجل جذب الفرق العربية من الدول العربية المجاورة
للتباري معها متجاهلة الاندية العربية في فلسطين ساعية من اجل الهيمنة على الحركة
الرياضية في فلسطين.
تحت عنوان (نادي معاوية
الدمشقي والفرق الصهيونية) جاء في هذه الصحيفة "ورد على احد المواطنين هنا اليوم نبأ من
دمشق بأن نادي معاوية الرياضي سيقدم للقدس في 25 الجاري [أيلول 1932] للمباراة مع
نواديها الرياضية وهذا ما كنت ذكرته لكم في خبر سابق ولكن الذي آسف له هو انني
علمت بأن هذا النادي سيتبارى مع الفرقتين الصهيونيتين (الهابوعيل والهاشموناي) وقد
استاءت الأندية الوطنية اشد استياء وعزم بعضها على مقاطعة هذا النادي إن قدم
لفلسطين على هذا الأساس ومقاطعة كل فرقة أو نادٍ يتبارى معه أو يساعده كما يقاطع
النوادي أو الفرق الصهيونية وأرى أن من واجب انديتنا الرياضية أن تحاول إقناع هذا
النادي بالعدول عن خطته فإن لم يعدل قاطعته مثل غيرها." [4]
وبعد
اسبوع نشرت الصحيفة خبراً آخراً جاء به أن "نادي معاوية الرياضي الذي ينوي
زيارة فلسطين في اواخر هذا الشهر عدل عن مباراة الفرق الرياضية اليهودية في حيفا
وتل ابيب والقدس بعد ما رأى ما سيؤدي إلى غضب النوادي العربية في هذه البلاد."[5]
وكانت صحيفة (الكرمل) قد انتقدت نادي الاتحاد الأدبي الحيفاوي الأدبي لتلاقيه مع
فرقة هابوعيل تل أبيب ، واثنت على نادي معاوية الرياضي لعدوله عن مباراة الفرق
اليهودية.[6]
انتقدت هذه الصحيفة دعم
حكومة الانتداب للرياضة الصهيونية خاصة بما يتعلق بالمهرجانات والعروض الرياضية
الكشفية الشبه عسكرية :
"قامت فرقة المكابي ليلة امس الأول
في تل أبيب باستعراض عام فخم لفرقها المختلفة أمام اللورد ملتشت رئيس الشرف
العالمي للمكابي . وقد اشترك في هذا الاستعراض معظم الفرق مثل فرقة الدراجات
ودراجات النار وفرقة المشاة وفرقة الحشمناي [الهشموناي] المقدسية وفرقة بتح تكفا
وغيرها. وكان مجموع المشتركين في الاستعراض (800)
ميكابي وبلغ مجموع من استمع لخطاب اللورد ملتشت في ملهي بيت عام (5000)
شخص. وقد اقترح اللورد ملتشت انضمام فرقة الهابوعيل إلى الميكابي [منظمة رياضية صهيونية] حبا بتوحيد
الجهود ورغبة بالمنفعة المشتركة."[7]
"ونحن تعليقا على هذا الخبر نقول ان
الحكومة ترى بعينها هذه الاستعراضات العسكرية ولا تحرك ساكنا وتسمح للصهيونيين
دائما أن يقووا صفوفهم الدفاعية التي ينعتونها بهذا الاسم وما هي إلا قوة معدة
لتنفيذ الخطط الصهيونية السياسية التي رسمها المحرضون والزعماء اليهود خارج فلسطين
وجردوا لها هذه الطلائع ." [8]
لم يأت هذا العداء للصهيونية من
العدم ، فالعرب لم ينظروا إلى اليهود كلاجئين هاربين
من الاضطهاد الأوروبي كما كان ينظر إليهم العالم ، بل كدخلاء تنكروا وتجاهلوا وجودهم
محاولين كما يشير إلياس شوفاني إبعادهم وتغييبهم حضاريا ،
وحتى نفي وجودهم المادي الجسدي [9]. فالعرب كانوا مدركين تمام الإدراك أن هؤلاء الصهاينة
أتوا لكي يحققوا حلم بناء الوطن القومي اليهودي.
وحول الخلاف على ارض الملعب بين النادي الرياضي الإسلامي [في حيفا] والهابوعيل - منظمة رياضية كانت تابعة لنقابة العمال (الهستدروت) - نشرت هذه الصحيفة هذا الخبر:
كنت كتبت إليكم عن الخلاف الواقع بين النادي الرياضي الإسلامي ونادي
الهابوعيل على ارض الملعب واليوم اذكر أن مندوب المقاطعة الشمالية عين يوم
الثلاثاء موعداً للنظر في هذا الخلاف والحكم فيه ومما تجدر الإشارة إليه هو أن
المحامي الأستاذ حنا عصفور تطوع للدفاع عن النادي الرياضي في هذه القضية مما كان
له احسن الأثر في نفوس الأعضاء. [10]
وفي خبر أظهرت فيه هذه الصحيفة موقفا شبه
موضوعيا من قضية اضطهاد اليهود من قبل النازيين في ألمانيا "كان يوم السبت
الماضي موعدا لمباراة بكرة القدم بين فرقة ولهلما الألمانية وبين فرق ملبس
الصهيونية على ملعب الأولى ولكن المباراة لم تجر . أبت فرقة ملبس الحضور احتجاجا
على اضطهاد الهتلريين لليهود في المانيا كما قيل لنا."[11]
وتنتقد الصحيفة بجرأة حفلة الألعاب السنوية لقوة البوليس غير خافية
نواياها الوطنية:
وهنا اذكر أن الحفلة كانت إنجليزية بحتة
وللإنكليز فقط فكل ما قيل فيها كان باللغة الإنكليزية وطبع برنامجها بهذه اللغة
وحدها ، ولهذا لم يفهم أكثر الناس ما الأمر . فكأن الحكومة قد أقامت هذه الحفلة
التي أنفقت عليها مما تجيبه من دافع الضرائب الفلسطيني لتسر الإنكليز ولو أنها
أقامت بما انفقته على هذه الحفلة بناء لمدرسة لكان ذلك أفيد للبلاد ولأهلها من مثل
هذه الحفلات ، ولكن هي إرادة الانتداب !![12]
توقف النشاط الرياضي كاملا عندما اندلعت
الثورة في نيسان 1936 وأصيب بالشلل الكامل، حتى أن بعض الأندية تعرضت للإغلاق - مثل
النادي الرياضي الإسلامي في يافا - وتعرض
أعضائها للاعتقال، ومنها من وقع في قبضة سلطات الانتداب وتحول إلى مقر له مثل
النادي الأرثوذكسي. وذكرت صحيفة
(الدفاع) أن قوة كبيرة من الجند والبوليس البريطاني داهمت دار النادي الرياضي الإسلامي
في الثغر – يافا على أثر إخبارية وردت بأنه يوجد في دار النادي قنابل وأسلحة وقبل أن يصعدوا إلى دار النادي أمروا الجنود
بتطويقها من جميع الجهات ومنع المارة من الدخول إليها أو الخروج منها.[13]
ويشيرمحمد عزة دروزة
أن قوة البوليس عثرت على علبتين من التنك صفيرتين مملوءتين بالبارود في غرفة
الالعاب ، وانها بناء على ذلك القت القبض على 35 شابا كانوا في النادي واخذتهم الى
دائرة البوليس معتقلين واغلقت النادي . والظاهر ان وشاية وصلت الى السلطات ، فكانت
هذه المفاجأة وقد كان لهذا الحادث اثر توتر الجو في يافا.[14]
وقد
نشرت (الجامعة الإسلامية) محتوى البرقية التي ارسلها نادي الشبيبة الارثوذكسية في
الثغر إلى المندوب السامي البريطاني :
فخامة المندوب السامي – القدس
يستنكر نادي الشبيبة الأرثوذكسية بيافا إقدام الحكومة على إغلاق
النادي الرياضي الإسلامي بيافا لمجرد وشاية دنيئة وحرمان المدنية من هذه المؤسسة
الناهضة التي ساهمت بقسط كبير في الحركة الأدبية والرياضية والثقافية في البلد ،
نحتج على هذه المعاملة الشاذة ونطالب سرعة إعادة فتح هذا النادي النشيط.[15]
تحت عنوان (النوادي الرياضية في فلسطين) نشر احد قراء الصحيفة هذا المقال عن الأندية يشيد بها تطور حركة الأندية في فلسطين :
انتشرت في البلاد منذ الحرب العامة النوادي الرياضية وانضم إليها نخبة
من شبابنا المتعلمين الذين كانوا عاملا قويا في نقل الرح الرياضية من ديار الغرب
وتعميمها في اواسطنا الشرقية ولقد احسن شبابنا صنعاً في انصرافهم إلى التدرب على الرياضة بأنواعها لأنها ضرورية في هذا العصر ومن لوازم كل أمة تجنح للنهوض وتندفع
في مضمار الحياة ولشباب العرب قدوة حسنة بأسلافهم الذين اشتروا بضروب الفروسية
واحسنوا الرماية والتفرس والتمرس وركوب اخليل . فمن حق رياضيينا اليوم أن يفخروا
بسلامة اجسامهم ورجاحة عقولهم.
وقد كانت فرق الكشافة من اكبر العوامل في نشر الروح الرياضية وتعميم
الحركات التدريبية في فلسطين. ويرجع إليها ولأمثالها الفضل الأكبر بتعميم الروح
الرياضية في البلاد وانتشارها هذا الانتشار السريع.
وقد اصبح في فلسطين اليوم اكثر من مائتي فرقة بين متجولة وكشفية
للشبان والفتيان الصغر (الأشبال) وازداد عدد الأندية الرياضي في المدن وتوسعت
حركتها وصار من اواجب الشبان الاندماج إليها كضرورة من ضروريات حياتهم الاجتماعية
خصوصا وأن نوادينا اليوم راقية قد توفرت فيها وسائل التسلية وتنوع الألعاب .
ومدينة يافا هي أولى المدن الفلسطينية التي انتعشت فيها الرياضة حيث تأسست فيها
ثلاثة نوادي قوية بحركتها واعمالها وهي مقر الكشافة المتجولة الإسلامية والنادي
الرياضي الإسلامي ونادي الشبيبة الأرثوذكسية. أما القدس ففيها النادي الرياضي
العربي ونادي الروضة . وفي حيفا الكشافة الإسلامية والنادي الرياضي الإسلامي كما أنه
توجد في عكا فرقتان للكشافة المتجولة. وقد شكلت في المدة الأخيرة في كل من غزة
وقلقيلية وطول كرم ونابلس نواد رياضية ناشئة تتقدم وتنمو نموا سريعاً بفضل إقبال
الجمهور على تعضيدها ومساعدتها مادياً وأدبياً بحضوره الحفلات والمباريات ولا نغالي
إذا قلنا أن هذه النوادي تحتوي على مختلف ضروب الرياضة المفيدة للشباب المثقف.
ومن المنتظر أن يكون مستقبل الحركة الرياضية باهراً لما له من المزايا
الحميدة كتهذيب الأخلاق وتقوية الإرادة وقتل الأنانية وبعث روح الديمقراطية وتأليف
القوم. ويوجد في مدن فلسطين زهاء عشرين نادٍ رياضي يقدر عدد المنتسبين لها
بألفي شاب. والذي نرجوه أن تتقارب هذه النوادي وتتعاون وتهتم بإيجاد مؤتمر أو
اتحاد رياضي عام وبمثل هذا التعاون تنتظركم الحرية الرياضية وتستطيع فلسطين دخول
الاتحاد الدولي كما فعلت جارتها مصر.
"رياضي" [16]
المصادر والملاحظات
http://www.hpalestinesports.net/2015/06/blog-post_24.html#more
[3] عصام الخالدي ،
الأخبار الرياضية في صحيفة (الدفاع) ، حوليات القدس ، العدد التاسع ، صيف 2010 ، ص. 27 - 33.
[7] (الجامعة الإسلامية) 23 كانون الثاني 1933 . انظر: عصام الخالدي ،
المكابياد .... المكابياه مهرجان رياضي على نمط الألعاب الأولمبية ابتدعته
الصهيونية وأقيم في فلسطين عام 1932 و 1935.
[9] إلياس شوفاني. الموجز في تاريخ فلسطين السياسي (منذ
فجر التاريخ حتى سنة 1949) مؤسسة الدراسات الفلسطينية بيروت 1998 ، ص 409
[10] (الجامعة الإسلامية) 21 آب 1933. أنظر: الملاعب في فلسطين
الانتدابية http://www.hpalestinesports.net/2019/11/blog-post.html#more
أيضا لم يتسن
للكاتب معرفة تفاصيل هذا الخلاف.
[12] (الجامعة
الإسلامية) 6 تشرين الأول 1932. أنظر: الحفلات الرياضية المدرسية
في فلسطين http://www.hpalestinesports.net/2019/05/blog-post_27.html#more
No comments:
Post a Comment