عصام الخالدي
عند الحديث عن الرياضة في فلسطين وخاصة في العشرينيات لا بد من ذكر مصارع شاب ذاع اسمه في كل أنحاء المعمورة وقد نشرت الصحف كثيرا من الحوادث عن بطولة المصارع اليافي عبد الرحمن الجيزاوي الذي اشتهر في فن المصارعة في جمهورية التشيلي التي رحل اليها في أيلول عام 1926 عندما كان عمره لا يتجاوز العشرين عاماً. وما أن وصل هناك حتى التقى بأحد مسؤولي الجالية العربية الذي أخذ على عاتقه تقديمه لرجال الرياضة و للصحف والمجلات. وقد احيت هذه الجالية هناك حفلة خاصة قام هذا الشاب بألعاب مدهشة مما لفت انظار الحضور ولا سيما مراسلي الصحف .[1]
ففي رسالة من جرجس الياس أبو صباح نشرت في جريدة (فلسطين) في 23 تشرين ثاني سنة 1926 تحت عنوان "مصارع يافي يشتهر في الشيلي". يقول فيها "وصل إلى هذه الديار مند شهرين الشاب العربي المدعو عبد الرحمن الجيزاوي من يافا (فلسطين) وهو لا يتجاوز العشرين من سنه ومهنته الصراع ورفع الاثقال ولي الحديد. رأيت أن لدى هذا الشاب من الاستعداد والقوة البدنية ما يدهش فأخذت على عاتقي تقديمه للصحف والمجلات ولرجال الرياضة البدنية في هذا الثغر ، ولهذه الغاية احيينا حفلة عرض فيها العابه على الجمهور وخاصة على الجالية العربية فكانت حفلة حافلة اكتظ بها المكان بأبناء الجالية العربية في الثغر ، وبأبناء البلاد وقام الشاب المذكور بألعابه المدهشة مما لفت نظر الجميع ولا سيما مراسلي الصحف. ومما اراه جديراً بالذكر من العابه المدهشة دور ليّ القضبان الحديدية وثخنها 30 ملمتراً فقد كان يطويها حول رأسه وذراعيه وحول عنقه كما تطوى الأسلاك الدقيقة والأغرب من ذلك أنه استلقى بظهرة على لوح خشبي سميك دقت فيه المسامير فبرزت رؤوسها المحددة فوضع الرجال على صدره (بيانو) ضرب عليه العازف بالنشيد الوطني لهذه البلاد مدة عشر دقائق فوقف الجمهور احتراماً حتى إذا ما انتهى العزف دوى المكان بالتصفيق الحاد. وقد طلب رجالا عديدين للصراع فنزل إليه مصارع إيطالي يزن 95 كيلو أي بما يزيد عنه بنحو 30 كيلو فنازله في 3 تشرين الأول على احد مراسح الثغر بحضور جمهور كبير يعد بالألوف بينه جميع ابناء الجالية العربية، وبعد عراك عنيف تغلب العربي على الإيطالي ورمى به إلى الأرض مرتين فأعلن الحكم فوزه . فهرع ابناء الجالية إلى المرسح [المسرح ، كما جاء في الرسالة] ورفعوه على الاكتاف وهم يهتفون : فلتحيى فلسطين ! فليحيى العرب! فليحيى عبد الرحم الجيزاوي! وقد نشرت عنه الصحف هنا عدة مقالات صدرتها برسمه مثنية على قوته المدهشة خصوصاً وأنه لا يزال فتى حديث السن. وسينازل في هذه الأيام عدة مصارعين وقد كتبت لي الجمعيات العربية في العاصمة تدعوه للحضور لعرض نفسه والعابه على الجمهور".
وفي خبر اخر في (فلسطين) في 21 تشرين 1927 يقول فيه جاءنا من سنتياغو الرسالة الآتية:
حضرة الفاضل صاحب جريدة فلسطين الغراء.
حضرة الفاضل صاحب جريدة فلسطين الغراء.
قرأت منذ مدة على صفحات جريدتك الغراء شيئاً عن انتصار البطل العربي اليافي عبد الرحمن الجيزاوي في مصارعته للإيطالي دوغينيتي في في مدينة فلباريزو وكيرمو كوتيس في مدينة كيوطا من اعمال هذه الجمهوريدة فاسمحوا لي أن اكتب لكم شيئا عنه في مصارعته الاخيرة.
بتاريخ 16 أيار الماضي نازل مصارعاً روسياً يهودياً يدعى جوزه طلما وهو شاب في عنفوان شبابه ولم يتجاوز السادسة والعشرين من سنه عالي القامة واسع الصدر عريض المنكبين مفتول الذراعين يزن 98 كيلوغراماً فكنا نرى عبد الرحمن امامه كالطفل حتى أن كثيرين من الحاضرين هزءوا بالبطل العربي وعدوا منازلته سخافة. وابتدأت الدورة الأولى فوثب عبد الرحمن على اليهودي وقبض عليه قبضة شديدة تملكه بها فرفعه بين يديه كالطابة وحاول أن يطرحه إلى الأرض ، ولكن الروسي دافع عن نفسه وتملص من بين يديه وقبض عليه من عنقه وضغط عليه ضغطا شديدا اضطره إلى الانبطاح على الأرض ومن ثم اخذ اليهودي يبذل كل جهده ليرفعه عن الارض ولكن قرع الجرس المنبئ بانتهاء الدورة حال دون ما يريد فلم يتمكن من زحزحته شعرة واحدة.
وبعد دقيقة وهي مدة الاستراحة القانونية ابتدأت الدورة الثانية فكان عبد الرحمن فيها يلعب باليهودي لعباً حتى قطع هذا الأمل من الانتصار وتأكد الفشل. وفي الدورة الثالثة نهض عبد الرحمن وقبض على خصمه القبضة المعروفة بمفتاح نلسن ..... وبعد ثوان القاه إلى الأرض فكان انتصاره......... وفي 16 تموز نازل مصارع آخر يدعى البرتوربي ، وهو اعظم مصارع في هذه الجمهورية وربما أيضا في أميركا الجنوبية كلها، وهو رجل معتدل القامة متناسب الاعضاء يدل ظاهره على القوة المكتسبة بالرياضة وبطل قدير مطلع على شؤون واسرار المصارعة لا يقل وزنه عن المائة كيلو ، وقد خشينا أن يفشل معه عبد الرحمن لأن القوة التي اشتهر بها ذلك المصارع كانت مدهشة ومخيفة.
ولكن الله وهب عبد الرحمن لذة النصر رغم صغر جسمه ووزنه الذي لا يزيد عن 71 كيلو. وقد انذهل المتفرجون في اثناء الصراع وتحيروا من قوة عبد الرحمن وسرعته ولياقته التي اذاقت خصمه العذاب والتعب. وفي الدورة السابعة أي بعد مرور 35 دقيقة في نضال عنيف وصراع هائل تمكن عبد الرحمن من الفوز عليه وقلبه على ظهره بواسطة تلك الحركة الشهيرة بمفتاح نلسن.
هذا اهم صراع اتاه عبد الرحمن في هذه البلاد لأن المصارع التشيلاني المذكور خبير بالفن وذو قوة مدهشة وقد رأيناه يلعب بعبد الرحمن بحيث رفعه مرة بين يديه إلى أعلى رأسه ودار به مراراً عديدة قاصداً أن يتملكه الدوار ولكن ذهب كل ذلك عبثا وقد قابله عبد الرحمن في الدورة التالية بحركة مثلها فرفعه بين يديه كما يرفع اللعبة رغم قوته وثقل وزنه وكنا نسمع الحضور على اختلاف اجناسهم يصرخون : "فليحيى البطل اصغير! فليحيى العربي عبد الرحمن!" وفي الحقيقة انني لا استطيع أن اصف لكم تماما فرح أبناء الجالية وسرورهم بفوز عبد الرحمن وانتصاراته المتوالية......
ويسرني أن افيدكم أن جمعية الشبيبة الفلسطينية المؤلفة من شباب راق والتي تنظر إلى مواطنها بعين الاهتمام والمساعدة وتفتخر ببطولته وشجاعته اعظم افتخار لم تستطع أن تظل صامتة حيال هذه الانتصارات وللاعتراف ببسالته اهدته مدالية من ذهب جميلة الحفر والزخرف كتب عليها "جمعية الشبيبة الفلسطينية الى المنتصر دائما البطل العربي عبد الرحمن الجيزاوي سنة 1927". وهذه هي الجمعية الوحيدة في هذه الجمهورية التي ساعدت البطل عند قدومه إلى هذه البلاد واقامت له حفلة في اجمل مسارح العاصمة وعرفته إلى الشعب ووهبت له جميع دخلها، واذكركم أنكم نشرتم شيئاً عن هذه الحفلة".
كانت اخبار هذا المصارع الشاب تنشر بشكل دائم في صحيفة "لوس تمبوس" أي "الاوقات" اليومية في سانتياغو عاصمة الشيلي وهي لسان حال الحكومة الرسمي وتطبع اكثر من 120 الف نسخة في اليوم. في آب عام 1928 قابل الجيزاوي وزير خارجية الشيلي حيث هنأه الأخير على شجاعته وسأله إذا كان جميع ابناء امته العربية في مثل بطولته فأجاب البطل اليافي: "إنني بالرغم مما اتمتع به من القوة اتجاسر واقول لفخامتكم بكل حرية انني اضعف شخص بين ابناء امتي!".[2]
ــــــــــــــــ
[1] اعتمد الكاتب في هذا المقال على ثلاث رسائل من الجالية العربية في التشيلي نشرت في صحيفة (فلسطين) في الأعوام 1926و1927و 1928
[1] اعتمد الكاتب في هذا المقال على ثلاث رسائل من الجالية العربية في التشيلي نشرت في صحيفة (فلسطين) في الأعوام 1926و1927و 1928
[2] صحيفة (فلسطين) 9 تشرين الأول 1928
No comments:
Post a Comment