عصام الخالدي
خلال لقائي الصحفي مع الشهيدة شيرين أبو عاقلة في تشرين الثاني عام ٢٠٢١ طَرحَت عليّ سؤال له معنى كبير وهو: ماذا تعني بالنسبة لنا كفلسطينيين عضوية فلسطين في الاتحاد الدولي لكرة القدم؟ وقد ذَكَرتُ في هذا اللقاء بعض الأمور المهمة لهذه العضوية، ولكن هذا السؤال استمر يرن بأذني ليدفعني إلى كتابة مقالاً بهذا الخصوص.
لقد تم قبول عضوية فلسطين في الاتحاد الدولي لكرة القدم في عام ١٩٩٨، ومن المعروف أنه كان هناك محاولات عدة للانضمام إلى الفيفا باءت بالفشل. وكان أولها محاولة انضمام الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي) في عام ١٩٤٦، الذي أصبح يزاحم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (تأسس عام ١٩٢٨) الذي كان يمثل فلسطين في الاتحاد الدولي (الفيفا) ويهيمن عليه الصهاينة، إلا أن محاولته هذه باءت بالفشل تحت ذريعة ان فلسطين لا يمكن ان تمثل باتحادين. وكانت المحاولة الثانية في عام ١٩٥١، والثالثة في عام ١٩٦٢، والرابعة في عام ١٩٧٨، والخامسة في عام ١٩٨٩.
في أيار 1995، تم منح الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عضوية مؤقتة في الفيفا (بعد عامين من اتفاقيات أوسلو). وفي الثامن من حزيران 1998، حصلت فلسطين على عضوية الفيفا بعد محاولات عديدة منذ عام ١٩٤٦. وكان هذا الانضمام بمثابة نصراً تاريخياً كبيراً لفلسطين والرياضة الفلسطينية. ولا شك أن اتفاقيات أوسلو التي كان لها عواقب وخيمة على شعبنا كانت عاملاً في تسريع انضمام فلسطين إلى الفيفا، ولا يسعنا إلا أن نتقبل هذه الحقيقة وأن نتعامل معها كواقع فرض علينا، رغم تحفظاتنا على الاتفاقيات نفسها. ومن المعروف إن الرياضة الفلسطينية بعد أوسلو قد عانت من تهميش في مناطق الشتات، ولا نبالغ بالقول إن هذا التهميش استمر بعد الانضمام إلى الاتحاد الدولي ولم يُعالج، وبقي تركيز النشاط الرياضي مقتصراًعلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
بالإضافة إلى اتفاقات أوسلو كعامل مساعد لنيل هذه العضوية فقد كان هناك عوامل عدة كان لها أثرها الأكبر في قبول فلسطين في الفيفا. وكما ذُكر سابقاً أن هذه العضوية قد تحققت من خلال نضال دؤوب لعدة عقود سعى خلالها الفلسطينيون بكل إصرار وعزيمة طرق أبواب الاتحاد الدولي وإقناعه بعدالة قضيتهم وبحقهم في أن يكون لفلسطين مقعداً فيه، شارحين له حالة الشتات التي كان (وما زال) يعاني منها الشعب الفلسطيني، وظروفه وانعكاساتها على الرياضة الفلسطينية، ورغم ذلك استمرت كرة القدم بالنمو والتطور، وأصبحت معظم الأندية منضوية تحت لواء الاتحاد الرياضي الفلسطيني لكرة القدم عندما كان مركزه في قطاع غزة في الستينات، وكذلك عندما أصبح مركزه في لبنان في السبعينات.
أيضا، فقد أثبتت كرة القدم الفلسطينية كفاءتها على صعيد محلي وعربي ودولي مما ساعد في الاعتراف بها. وعلينا أيضا ألا ننسى هذا الدعم العربي من الدول والمنظمات الرياضية العربية التي لم تتوانَ في تقديم الدعم لفلسطين في مجالات رياضية عديدة، واستغلال كل فرصة سانحة لها لإقناع مسؤولي الاتحاد الدولي سواء في مؤتمراته أو مراسلاتها معه بحق فلسطين في عضويته. وكان للعراق على سبيل المثال موقف مشرف بهذا الشأن عندما قام بتلبية مطالب الفيفا في عام ١٩٧٨ بالموافقة على تواجد الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم على أرضه، وعلى تخصيص ملعباً خاصاً لهذا الاتحاد يقيم الدوري عليه.
من المؤكد أن أكثر ما يقلق إسرائيل هو اسم وعَلَم وشعب فلسطين، وبغض النظر عن اتفاقيات أوسلو إلا أن إسرائيل كانت دائما تخشى تطور الرياضة الفلسطينية وظهور فلسطين رياضياً على الصعيد المحلي والعربي والدولي، لذا فإن هذه العضوية أصبحت شوكة في حلقها، ووسيلة مجابهة معها، ومنبراً للفلسطينيين للتعبير على صعيد دولي عن هويتهم الوطنية ومعاناتهم تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفضح ممارساته التعسفية، بالتالي فإنها عززت في ظهور أكبر وأوضح لملامح الأيديولوجيا الفلسطينية في الرياضة على صعيد دولي. ومن الواضح أيضاً أن انضمام فلسطين إلى منظمات دولية (مثل الفيفا واللجنة الأولمبية وغيرها) كان من ضمن الوسائل التي مهدت الطريق لقبول فلسطين كدولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة في تشرين الثاني من العام ٢٠١٢.
تكمن أهمية هذه العضوية في أن فلسطين أصبحت معلماً واضحاً على خارطة العالم الرياضية ضمن منظمة رياضية دولية لها كيانها ونفوذها، وذلك رغم كل المحاولات من قبل إسرائيل والغرب الداعم لها لحجب ظهورها على صعيد دولي. وقد ساعدت هذه العضوية فلسطين في المشاركة في التأهل لكأس آسيا عام ٢٠٠٠ وكأس العالم لكرة القدم عام ٢٠٠٢. وفي عام ٢٠١٠ دخلت فلسطين الجولة الأولى من تصفيات كأس العالم، وقد رأيناها فيما بعد تحقق المرتبة ٧٣ في شباط عام 2018، وهي أفضل تصنيف لها على الإطلاق في الفيفا. وفي كرة القدم الشاطئية فقد شارك الفريق الفلسطيني الذي كان يتمركز في غزة في دورة الألعاب الآسيوية الشاطئية الثانية في عمان في ديسمبر 2010، وحصل على المركز الثالث في دورة الألعاب الآسيوية الشاطئية الثالثة في الصين في يونيو 2012.
قامت الفيفا بتقديم دعم مادي ولوجستي للرياضة الفلسطينية، حيث بدأت بجمع تبرعات لبناء إستاد فيصل الحسيني في الرام قرب القدس. وتم جمع مليون دولار من ملك المملكة العربية السعودية، ومليون يورو من ولي عهد أبو ظبي، ونصف مليون يورو من الحكومة الفرنسية، و250 ألف دولار من الشيخ أحمد بن فهد آل الصباح، بالإضافة إلى مساهمة الفيفا البالغة 1.4 مليون دولار. افتُتِح هذا الستاد في 26 أكتوبر 2008 في أول مباراة ودية تاريخية على الإطلاق تُلعب على أرضه بين فلسطين والأردن بحضور رئيس الفيفا بلاتر. هذا بالإضافة إلى تمويل الفيفا لبناء ملاعب وتجهيزها في مدن فلسطينية عديدة مثل غزة والبيرة ونابلس وقباطية وأريحا والخليل وطولكرم. كما وقامت الفيفا بتنظيم دورات تدريبية وتنشيطية للمدربين والإداريين لرفع كفاءاتهم، بالإضافة إلى بناء أول أكاديمية "مواهب الغد الأكاديمية" (التي تُوّجَت كأفضل أكاديمية نموذجية) للشباب تحت 15 عامًا وتحت 17 عامًا وتحت 20 عامًا، مع برامج تدريبية مدتها أسبوع تجمع بين كرة القدم والتعليم.
لا شك أن الانضمام إلى الفيفا قد أعطى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الامكانية في التصويت وفي صنع القرار داخل هذه المؤسسة الكروية الحاكمة، وفي التواصل والتنسيق مع الاتحادات الكروية في جميع انحاء المعمورة. ولا بد للقول بأن هذا الانضمام أضاف مهمات أخرى للاتحاد الفلسطيني، وقام بتحسين أدائه على صعيد عربي ودولي على حد سواء. وبما يتعلق بالكرة الفلسطينية بشكل عام فقد عمل على تطورها ونموها ، كما وأدى إلى تحسين أداء المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم بشكل خاص، حيث قامت الفيفا بفرض متطلباتها على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وخاصة الاحتراف الذي رغم أنه أفقد الأندية أصالتها (لأن الذي ميّز الرياضة الفلسطينية منذ عشرينات القرن الماضي هو اعتمادها على الأندية الاجتماعية ونزعتها الوطنية التي كان جوهرها يتنافى تماما مع نزعة الاحتراف)، لكنه دفعها لتتعامل مع الواقع الرياضي لتلبي المتطلبات الدولية لكرة القدم التي كان لها آثار إيجابية على كرة القدم الفلسطينية، فتحت إشراف الفيفا تم الانطلاق الأول لدوري الضفة الغربية الممتاز (للفرق المحترفة) بمشاركة ١٢ فريق لموسم 2010-2011 حيث فاز نادي الأمعري، وتم توقيع أول عقد تجاري مع شركة جوال. أيضا فقد قامت الفيفا بفرض قيودٍ على اللاعبين الذين كان يتوجب عليهم تغيير نمط حياتهم الصحي مثل النظام الغذائي، والنوم، والتدخين، وغيره.
لا شك أن الفيفا قد شجعت وساهمت في تشكيل فرق كروية نسائية في جميع أنحاء العالم، وكان من ضمنها الفريق النسوي الفلسطيني الذي تأسس في عام 2007، إلا أنه لم ينل هذا النصيب من الدعم مثل مثيلة فريق الرجال وذلك لمستواه المتواضع ولأسباب اجتماعية عديدة.
كان البعض يرى أن هذه العضوية من الممكن أن تكون وسيلة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أنه وكما رأينا لاحقاً فإن تفاقم الخلافات بين الاتحادين الفلسطيني والإسرائيلي خاصة بما يتعلق بضم أندية المستوطنات وعددها ستة إلى الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم ومشاركتها في الدوري الوطني في المستوطنات، أدى إلى دفع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى الدعوة للتصويت على طرد إسرائيل من الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال مؤتمره في أيار ٢٠١٥.
No comments:
Post a Comment