Monday, December 30, 2024

تمخض الجبل فولد فأراً.... الاتحاد الدولي لكرة القدم وقراراته بشأن طرد إسرائيل

 


عصام الخالدي

    الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) هو الهيئة الحاكمة الدولية ذاتية التنظيم لكرة القدم ، لذا فهو ككيان له السلطة المطلقة لاتخاذ قرارات ومواقف مستقلة عن القرارات التي تتخذها كثير من الدول الداعمة والمؤيدة لإسرائيل ، إلا أننا وكما نرى للأسف أن مواقفه لا تختلف عن مواقف الغرب المنافق والذي يطبق سياسة ازدواجية المعايير فيما يتعلق بقضية فلسطين وحرب الإبادة في غزة.  ومن المعروف أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم قد تقدم باقتراح إلى مؤتمر الفيفا الذي انعقد في بانكوك في شهر أيار الماضي الذي يدعو إلى تحميل إسرائيل المسؤولية عن انتهاكات حقوق الرياضة الفلسطينية وإلى طردها من الفيفا. وقد قررت (الفيفا) رفض طلب الاتحاد الفلسطيني وهو التصويت الفوري على طرد إسرائيل تحت ذريعة أنه سيتعين إجراء تقييم قانوني مستقل لمقترح الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ، مع قيام مجلس (الفيفا) بمراجعة التقييم في تموز (2024). وتم تأجل اجتماع مجلس )الفيفا( لعدة مرات إلى أن اجتمع في الثالث من تشرين الأول 2024 واعتمد التوصيات والاستنتاجات التالية التي توصل إليها التحليل القانوني المستقل الذي كلفته به (الفيفا):

 

·       سيتم تكليف لجنة الانضباط التابعة للفيفا ببدء تحقيق في جريمة التمييز المزعومة alleged offence of discrimination التي أثارها الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم.

·       وسيتم تكليف لجنة الحوكمة والتدقيق والامتثال التابعة للفيفا بمهمة التحقيق – وتقديم المشورة لمجلس الفيفا لاحقاً – في مشاركة فرق كرة القدم الإسرائيلية التي يُزعم allegedly  أنها متمركزة في الأراضي الفلسطينية في المنافسات الإسرائيلية.[1]

 

   وقال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جيانو إنفانتينو: "لقد بذل مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم العناية الواجبة في هذه المسألة الحساسة للغاية ، وبناء على تقييم شامل ، اتبعنا نصيحة الخبراء المستقلين." وأضاف: "إن العنف المستمر في المنطقة يؤكد أننا ، قبل كل شيء ، وكما ذكرنا في مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم الرابع والسبعين ، نحتاج إلى السلام . وبينما نشعر بالصدمة الشديدة إزاء ما يحدث ، وأفكارنا مع أولئك الذين يعانون ، فإننا نحث جميع الأطراف على استعادة السلام في المنطقة على الفور."[2]

 

   نرى هنا وكأن الاتحاد الدولي ليس متأكدا من وجود احتلال وتمييز عنصري وارتكاب المئات من الانتهاكات بحق الفلسطينيين والرياضة الفلسطينية ، فهو يصف الدعوى التي قدمها الاتحاد الفلسطيني بجريمة التمييز "المزعومة" alleged offence of discrimination أيضا نراه يشير إلى مشاركة كرة القدم الإسرائيلية التي "يُزعم" allegedly أنها متمركزة في الأراضي الفلسطينية ، وكأنه ليس على يقين أو ليس متأكداً أن هذه الأندية موجودة في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة . ويجب التنويه هنا أيضا إلى أن الفعل "زعم" allege يعني ادعاء أو تأكيد أن شخصاً ما قد فعل شيئاً غير قانوني أو خاطىء عادة دون دليل على أن هذه هي الحالة. ويُزعم allegedly هو ظرف يستخدم لوصف شيء يُقال إنه صحيح ، على الرغم من أنه لم يتم إثباته.

 

    إن ما يثير التساؤل والاستغراب لما يصرح به إنفانتينوا ، أولا: إن هذا العنف الذي يحدث في فلسطين هو نتيجة لممارسات الاحتلال الوحشية ، فمن المعروف والبديهي أن العنف لا يُنتِج الاحتلال ، بل الاحتلال هو الذي يولّد العنف وهو المسبب الرئيسي له  ، وهذا العنف لا يحدث بين فئتين متكافئتين ، بل بين جلاد ظالم وضحية مَظلومة.

  ثانيا: شعور الفيفا بالصدمة الشديدة إزاء ما يحدث ، فهذا ما يذكرنا بإدارة بايدن التي تدعم إسرائيل بالسلاح وتعبر عن قلقها إزاء ما يحدث في القطاع خاصة بما يتعلق بقتل المدنيين هناك ، كما وفي نفس الوقت تدعو لمزيد من إرسال المعونات إلى منكوبي القصف الإسرائيلي ، وتحث إسرائيل على فتح المعابر وتسهيل حركة دخول المساعدات الانسانية.

 

   ويبدو أن (الفيفا) ترفض الاعتراف أو النظر في السياق المحيط بالأحداث التي وقعت في السابع من تشرين الأول 2023. وفي هذا الصدد يشير المؤرخ إلان بابيه Ilan Pappe إلى أنه من المهم وضع احداث السابع من تشرين الأول في السياق الصحيح - أي الأحداث التي وراء هذا اليوم منذ عام 1948 والتي يتجاهلها الغرب ويرفض الأخذ بها ، وكأن ما حدث في هذا اليوم هو عملية إرهابية محضة ليس لها أي مبرر سوى القتل والدمار ، لا تقف وراءها أي دوافع وعوامل مثل القهر والقمع ونكبة عام 1948 والتطهير العرقي والحصار ومصادرة الأراضي والاستيطان والجدار العازل وهدم البيوت وسياسة الأبارتايد التي تتبعها إسرائيل ومعاناة الفلسطينيين اليومية وغيرها من آلاف اشكال هذا القهر.  


    أيضا لا يوجد اختلاف بين (الفيفا) كمؤسسة حاكمة عليا لكرة القدم وموقف الاتحاد الأوروبي ، فالذي يجمعها هو أنهما يذرفان دموع التماسيح على القتل والدمار في غزة ، وفي آن واحد يقومان بدعم إسرائيل بصمتهما على جرائمها وإبادتها الجماعية التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني. فالملفت للنظر أن (الفيفا) تشعر بالقلق وتلتزم الصمت وتقف على الحياد ، فهذا الموقف المحايد الذي "يتعاطف" مع الذين يعانون يصب في النهاية في مصلحة المحتل ، حيث أصبح معلوم لدى الجميع أن من يقف على الحياد في أمور الظالم والمظلوم فهو يساند الظالم .

   ثالثا: وبدل أن تدعو (الفيفا) إسرائيل لوقف ممارساتها التعسفية وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية نراها "تحث" جميع الأطراف على استعادة السلام في المنطقة على الفور ، أي أنها تساوي الضحية بالجلاد وهذا شيء ليس بجديد على الغرب بشكل عام. 

 رابعاً:  إن تصريح إنفاتينوا هذا يذكرنا بالخطاب الغربي الذي يأخذ منذ اكثر من مئة عام نفس المنحى المبهم الذي يتجاهل وجود العرب المستعمَرين ويساند المستعمِر (على سبيل المثال وعد بلفور المشؤوم) ، ويدعي أنه هو المنقد أو الحَكَم بينما هو يكرس وجوده كمستعمِر أو يدعم المحتل.

 

   وفي الختام فإننا لا نتوقع من هذا المخاض سوى فأر ، أي أن (الفيفا) بعد هذا التأجيل والمماطلة سوف لا تأتي لنا بقرارات عادلة تهدف إلى طرد إسرائيل ، بل بقرارات سلبية تتنافى مع مبادئها الأساسية تحت حجج "قانونية" تصب في النهاية في مصلحة إسرائيل ، وتؤكد على سياسة ازدواجية المعايير التي ينتهجها الغرب بشكل عام.

 

No comments:

Post a Comment